الثلاثاء، 02 ذو القعدة 1446هـ| 2025/04/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

حرب الرسوم الجمركية... فضائح وحقائق

 

 

 

لعل الجميع يراقب ويشاهد ما أصاب الأسواق التجارية في العالم جراء القرارات الأخيرة التي اتخذها الرئيس الأمريكي ترامب فيما يتعلق بالرسوم الجمركية التي فرضها على جميع دول العالم التي بينها وبين أمريكا تداول تجاري وذلك من أجل تحسين الميزان التجاري لصالح أمريكا، في خطوة لاقت استنكار دول العالم كله، واستهجان القيادات السياسية والخبراء الاقتصاديين والمحللين والمراقبين، وهو ما انعكس اضطرابا كبيرا في الأسواق العالمية، وساهم في ارتفاع الأسعار وبدء الدخول في ركود اقتصادي يهدد العالم، حتى وصفه بعضهم بأن أمريكا متجهة إلى حالة شبيهة بحالة الركود قبل الحرب العالمية الثانية والتي سميت بالكساد العظيم. وتأثرت جميع أسواق الأسهم والسندات، وانخفضت الأسعار بشكل كبير وتذبذبت بشكل واسع، دفع أغلب المستثمرين إلى التوقف وعدم الشروع بأية استثمارات جديدة حتى تزول الحالة التي أسموها حالة عدم اليقين التي تسببت بها إجراءات ترامب.

 

والحقيقة أن التفاصيل والحيثيات كثيرة وتطول، ولكن لا بد من إضاءة على هذه القضية ووقفة تدبر وتأمل للعبرة والعظة.

 

فأولا: لقد كشفت الأحداث حقيقة العالم الرأسمالي وقادته، بأنه عالم لا مكان فيه للقيم النبيلة ولا للأخلاق الرفيعة، وقادته لا يقيمون وزنا لغير مصالحهم المادية ومنافعهم الخاصة ولو كان ثمن ذلك سحق الآخرين أو ظلمهم أو التنكر لكل الالتزامات الإنسانية والأخلاقية، فهذا ترامب قد تنكر للقريب والبعيد، للصديق والجار، للحليف والشريك، ولم يكترث في قراراته التي اتخذها لشيء سوى مقدار المنفعة والمكاسب التي ستعود على بلده من جراء تلك القرارات، ولم يكترث لما سيصيب حلفاءه وجيرانه من مصائب وخسائر، ليجسد مقياس النفعية المتجذر في الفكر الرأسمالي وبأقبح صوره، ليدرك كل من كان له قلب أو ألقى السمع فساد مبدئهم ووضاعة مقاييسه.

 

ثانيا: رغم إجماع كل الخبراء والمحللين على أن القرارات التي اتخذها ترامب ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار على المستهلكين وعلى رأسهم الأمريكيون، وزيادة البطالة، إلا أن ترامب وإدارته لم يكترثوا لذلك كثيرا وحاولوا التخفيف من الصدمة بالقول إن ذلك سوف يكون لفترة مؤقتة ريثما تدور عجلة الاقتصاد من جديد، أي أنه لا بأس لديهم بأن يجوع ويتشرد الملايين، سواء لشهر أو لسنة، طالما أن الرأسماليين وحيتان المال هم المستفيدون بالنهاية، ليرسخ ترامب بذلك أن الرأسمالية مبدأ غير إنساني وأنها مبدأ الطغمة الحاكمة والرأسماليين، أما الشعوب فلها البؤس والشقاء ليحيا أصحاب رؤوس الأموال. فأي مبدأ هذا الذي يموت فيه الأغلبية لتحيا حفنة من المتنفذين والرأسماليين؟!

 

ثالثا: لقد أثبتت الأحداث أن العالم جراء قيادة أمريكا والغرب له، هو عالم متوحش لا يرحم ضعيفا ولا يطعم فقيرا، ففي كل الخطابات التي ألقاها ترامب وممثلوه وكذلك قادة الغرب والصين في المقابل، خلت كل ذرائعهم من أية إشارة إلى الكوارث والمشاكل التي قد تحدثها القرارات والقرارات المضادة بحق الضعفاء والفقراء الذين هم أكثرية الشعوب والأمم، فما هذه العقلية المتوحشة التي تقود العالم ودوله، إذ لا تشكل الإنسانية أدنى همومهم؟! فما أحوج العالم إلى قيادة جديدة ترحم الضعفاء وتطعم الجوعى وترأف بالفقراء!

 

رابعا: لقد كشفت الأحداث حجم مصيبة المسلمين في حكامهم، إذ خلت بلادهم من أية حسابات واعتبارات تذكر في الحرب الاقتصادية الدائرة، فبرزت وكأنها خارج المعركة ولا وزن لها، فأظهرت الأحداث حجم التخلف الاقتصادي والتجاري الذي تسبب به حكام المسلمين في بلاد المسلمين، حتى أضحت خارج معادلة الربح والخسارة أو تكاد. فالعالم يغلي اقتصاديا وتجاريا وكلٌّ يتأثر بما يتناسب مع حجم ميزانه التجاري بينما بلاد المسلمين بالكاد يتردد فيها صدى تلك المعارك، فما أعظم مصابنا في حكامنا!

 

وأخيرا: من أعظم العبر والدروس التي ينبغي أن يستنتجها كل صاحب عقل ورأي، أن الرأسمالية مبدأ متوحش فاسد أفسد حياة الناس والشعوب، وأن الرحمة والنجاة إنما تكون بمبدأ الإسلام العظيم الذي هو ﴿مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾، لا يخضع لأهواء المشرعين وجشع القادة وعمى أبصارهم، ولا يسحق الشعوب من أجل حفنة من المتنفذين والطغاة، بل مبدأ رحمة يسعد البشرية ويأخذ بيدها لينتشلها من ظلام الرأسمالية وجور الحكام، مصداقا لقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾. فاللهم عجل بالخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تعيد العدل والرحمة والخير للعالم.

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

المهندس باهر صالح

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع