- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
إعلام يُخرّب عقول أبنائنا ويصنع شخصيّات ضائعة تائهة
إنّ النّاظر لحال أبنائنا اليوم، يجدهم في ضياع وتيه وتذبذب وتشتت وشقاء وقلق واضطراب وعنف وفوضى، وهذا أمر غريب يخرج عن أصل الحال التي يجب أن يكونوا عليها، لذلك نجد أنفسنا أمام سؤال يفرض نفسه، لماذا وصل بهم الحال إلى كل هذا؟
وللإجابة عن السؤال وحتى نتوصّل إلى العلاج نقول:
إن التائه هو الضائع الّذي ضلّ طريقه نحو هدفه وراح في طرق شتّى وبقي حيران يمشي هنا وهناك يبحث عن سبيل للوصول إلى غايته، تتخطّفه الأهوال والمخاطر. هكذا هو حال أبنائنا، كيف ينجو من أضاع وفرّط في نوره الّذي يرشده ويهديه إلى الخلاص وإلى برّ الأمان؟
لقد أصبح أهمّ ما يشدّ انتباه أبنائنا ويستحوذ على عقولهم هو وسائل الإعلام بشتّى أصنافها وأنواعها وكل ما تبثّ من برامج ومسلسلات وأفلام وأغان هابطة مائعة، حيث يحرص الإعلام على جذب أبنائنا بمختلف أعمارهم ومنذ نعومة أظفارهم، ابتداء بصور متحرّكة يغلب عليها الخيال الذي لا صلة له بالواقع بتاتا لا في صورهم ولا في أشكالهم، وألعابهم فيها شذوذ عن الطبيعة، قصص خاوية من أية مضامين ذات قيمة، هدفهم تخريب عقول أبنائنا وبناء شخصيّة مشوّشة مضطربة تلهو بشكل عشوائي جنونيّ وأحيانا يغلب عليهم العنف. مرورا بمسلسلات وأفلام تهدف لغزو عقول أبنائنا بفكرة التحرّر وإلهائهم بقصص الغرام والحب والهيام خاصّة التي خارج إطار الزواج والتي تضرب في صميم فكرة ومفهوم الزواج في الإسلام الذي يبنى على المودّة والرّحمة والذي يؤسّس لأسرة مسلمة تربّي أبناءها على تقوى من الله ورسوله ليخرجوا أبطالا في شتّى المجالات.
كما شُوّهت صورة الأمّ ربّة البيت التي تسهر على راحة زوجها وأبنائها والتي تدير شؤون بيتها وترعى أبناءها بمحبّة وطمأنينة لتحلّ بدلا عنها صورة المرأة المتحرّرة الّتي لا همّ لها سوى النجاح في عملها تاركة خلفها أبناء في حاجة ماسّة لعطفها وحنانها ورعايتها وتربيتها فيعيشون في نقص واضطراب يُلازمهم.
كما أصبحت المسلسلات والأفلام اليوم كلّها سحر وشعوذة إمعانا في إغراق أبنائنا في مستنقع من الظّلام والتّيه وحتّى يُلهوهم ببدع ضالّة مُضلّة تُردي بهم إلى القاع فيصعب عليهم العودة إلى السطح وإلى النّور وتنتهي ببعضهم إلى الانتحار.
وأمّا عن البرامج من منوعات وألعاب وغيرها فهي تدعو لكل ما هو تعرّ وفجور وأفكار تحارب الله ورسوله لطمس أي فكر إسلاميّ ولضرب أي مفهوم عقائديّ، سلاحهم في ذلك التهكّم والسخرية من أي شيء يمتّ للإسلام والمسلمين بصلة، جاعلين النموذج الغربيّ قدوة وصلاحا وفلاحا، وأمّا النّموذج الّذي يتّصل بشيء من الإسلام فهو تخلّف ورجعيّة لينفّروا أبناءنا من العودة لدينهم وحتى من أن يكونوا كآبائهم، بل يجعلونهم يسخرون من أنفسهم فتنشأ فيهم قلّة الثّقة في عقيدتهم وفي آبائهم ومجتمعهم، ويسعون جاهدين ليكونوا كالنموذج الغربي في تصرّفاتهم ولباسهم، أقصى طموحاتهم أن يكونوا كمُمثّل أو مغنّ مشهور فيصبحوا في تقليد أعمى دون وعي أو إدراك وكأنّهم آلات مبرمجة تطبّق تعليمات سابقة، فيعيشون في عالم من الخيال بعيدا عن واقعهم الذي ينتظر صحوتهم والطاقة الكامنة فيهم التّي لو تعلّقت بهدي الله سبحانه ورسوله ﷺ لغيّرت واقعهم وواقعنا المرير.
كما أن الغرب لم ينس أن يعدّ لنا الجديد من الألهيات الأخرى من ألعاب إلكترونيّة جعلت من عقول أبنائنا مشدودة لعالم افتراضي يزيد من حالات التوحّد ويأخذهم إلى درجة الانتحار، فأي سيطرة هذه وأي أثر على عقول أبنائنا؟ رحماك يا ربي! وحتّى معاركهم أصبحت في الخيال بدل أن تكون على ساحات الوغى في الغزو والجهاد في سبيل الله لنصرة دين الله مثل أسلافهم كأسامة بن زيد وخالد بن الوليد وكغيرهما من الأبطال الّذين سطّروا تاريخا من المجد، غايتهم كانت المعالي والرفعة لدينهم ولأمّتهم وعيونهم ترنو إلى جنّة عرضها كعرض السماوات والأرض ورضوان من الله أكبر، حياتهم كانت مليئة بالبطولات فكانوا القدوة الصالحة التي يُقتدى بها ولن يصلح حالنا إلاّ كما صلح حالهم. فيا أبناءنا اقتدوا بهم تفلحوا وتنالوا سعادة الدارين.
يقول الله جلّ جلاله: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في تفسير الآية: تكفل الله لمن اتبع هدى الله أن لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، والمعنى: أن من اتبع الهدى، واستقام على الحق الذي بعث الله به نبيه محمداً عليه الصلاة والسلام فإنه لا يضل في الدنيا، بل يكون مهتدياً مستقيماً، ولا يشقى في الآخرة، بل له الجنة والكرامة.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
آمنة خشارم