- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
شعارات براقة، وعبارات خدَّاعة،
ويبقى الهدف الحقيقي هو تخريب منظومة الأسرة المسلمة
تعقد المنظمة العربية للتنمية الإدارية المؤتمر العربي الأول لصحة المرأة خلال الفترة من 11 – 12 أيلول/سبتمبر 2019م في القاهرة لتعزيز صحة المرأة لبلوغ أهداف التنمية المستدامة 2030م وذلك برعاية رئيس الوزراء المصري بالتعاون مع المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، والمجلس القومي للمرأة.
أعمال المؤتمر ستتناول الوضع الراهن لإدارة منظومة صحة المرأة في الدول العربية وأثره على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ودور التثقيف الصحي والتوعية بالمخاطر الصحية السائدة في المجتمعات العربية في تعزيز صحة المرأة، وقضايا الصحة الإنجابية في الدول العربية (وفيات الأمومة - الزواج المبكر)، والرعاية الصحية للمرأة في المراحل العمرية المختلفة، ومؤشرات المتابعة والتقييم لبرامج صحة المرأة، واستراتيجيات إدارة فاعلة لمنظومة برامج صحة المرأة العربية، ودور المؤسسات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني في تعزيز برامج صحة المرأة.
دائما ما تظهر الأمم المتحدة ومنظماتها الإقليمية في المنطقة العربية اهتماما بأوضاع المرأة وقد قامت بالتدابير والبرامج الكافية لإعادة صياغة جميع أحوال المرأة وفق وجهة نظر الغرب، فأنشأت الجمعيات والمؤسسات، وأعدت الاتفاقيات والمؤتمرات والندوات للمرأة، فأي نتيجة تحققت من هذه الأعمال في صالح المرأة، وأي منظومة ستدار لتعزيز صحة المرأة؟
وقبل أن نلج لجدول أعمال المؤتمر المطروح سنعرض بعض الدراسات عن الأوضاع الصحية في مصر؛ مستضيفة المؤتمر، ويصنف مؤشر "إنديغو ويلنس" للرفاه أن مصر ضمن أسوأ عشرين دولة في تصنيف الصحة العالمية من بين 191 دولة، ويعزو المؤشر احتلال مصر هذا المركز المتأخر إلى قلة الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية، وبلغت موازنة الصحة في مصر للعام الحالي 61.2 مليار جنيه؛ وبذلك تكون نسبة الإنفاق الحكومي على الصحة 1.2% فقط، والوضع الصحي للمرأة في دويلة جنوب السودان هو الأخطر على مستوى العالم فإن الحصول على خدمات صحية يكاد يكون معدوما في دويلة جنوب السودان الذي يُعد أحد أخطر الأماكن بالنسبة لولادة النساء، حيث تحدث 86% من حالات الولادة في المنزل ويموت نحو 10% من الأطفال قبل بلوغ سن الخامسة... هذه باختصار أوضاع صحية تعاني المرأة وغيرها في ظلها، فما الجديد في هذا المؤتمر لتحسين صحة المرأة؟
لقد لاقى موضوع الصحة رواجا كبيرا باعتبار الأوضاع الصحية البائسة التي تعاني منها المرأة ولكن ما حقيقة هذا الاهتمام الكبير بالمرأة وصحتها؟ ولماذا المرأة دون غيرها؟ وهل فاضت إنسانية هذه المنظمة ومنظريها فأصبحت حصرا على النساء، والشجر والحجر يئن ويتألم في عالمنا الذي أُخضع للوصاية الغربية التي تتصارع عليه فسالت الدماء أنهارا ليس آخرها طفلة أريحا في سوريا التي خلعت أفئدة من لهم أفئدة؟
قدمت الأمم المتحدة أهدافا أسمتها "الإنمائية" لعام 2030م ومبادرة "كوكب 50-50" في قمة الأمم المتحدة المنعقدة في الفترة 25-27 أيلول/سبتمبر 2015م التي حضرها 80 رئيس دولة قدموا تعهدات والتزامات على هامش القمة لاعتماد جدول محدد للعمل به، يأتي هذا المؤتمر لصحة المرأة في البلاد العربية من ضمنه بالتأكيد
في ما يخص المرأة جاء في القمة ما نصه "نتصور عالما تتمتع فيه جميع النساء والفتيات بتكافؤ الفرص والحقوق بحلول عام 2030. إنها خطوة لندفع الحكومات لتقديم التزامات وطنية من شأنها أن تسد الفجوة في مجال المساواة بين الجنسين".
ويأتي هذا المؤتمر الأول لصحة المرأة في مصر استكمالا لجهود الأمم المتحدة ليناقش قضايا الصحة الإنجابية في الدول العربية (وفيات الأمومة - الزواج المبكر)، والرعاية الصحية للمرأة في المراحل العمرية المختلفة باعتبار أنها مشكلات الصحة التي تعانيها المرأة، فما هي حقيقة الصحة الإنجابية؟ والربط بينها وبين تمكين المرأة ومساواتها بالرجل؟
أول ما يرد للذهن من مفهوم الصحة هو أن تحصل المرأة على حالة صحية سليمة على مدار المراحل العمرية المختلفة، لكن مفهوم الصحة الإنجابية المطروح ينطوي على ترويج مفاهيم عولمة الحضارة الغربية في البلاد العربية التي معظم سكانها مسلمون الأصل في المرأة أنها أم وربة بيت وعرض يجب أن يصان، وهذا يتعارض مع أطروحات الأمم المتحدة للمرأة في موضوع تمكين المرأة ومساواتها مع الرجل باعتبارها أهم الأهداف الإنمائية المذكورة في قمة 2015م.
وعلى غير الحقيقة يتم الترويج لمثل هذه المؤتمرات بالشعارات البراقة، والعبارات الخدَّاعة، ويبقى هدفه الحقيقي هو تخريب منظومة الأسرة المسلمة باعتبارها الأكثر تماسكا رغم ما يهددها من عولمة تكاد تدمر بنيانها المتماسك، تحت مسميات مثل تمكين المرأة ومساواة المرأة بالرجل، وهذه المؤتمرات التي تعزز هذه القيم وتزرعها في القوانين خنجرا مسموما في خاصرة المجتمع لتحوله إلى مجتمع يشبه المجتمع الغربي الذي يعمل العقلاء في الغرب على البحث عن حلول لأزماته.
وإذا بدأنا بمفهوم الصحة الإنجابية كشعار براق له مدلولات خطيرة نص عليها منهاج عمل بكين الذي احتوى مفاهيم خطرة لضرب المجتمع وتدميره مثل أن "حصول المراهقات على المشورة والمعلومات والخدمات فيما يتعلق بالصحة الجنسية والإنجابية لا يزال قاصرا أو معدوما تماما، وكثيرا ما لا يؤخذ في الاعتبار حق الشابات في الخصوصية والسرية والاحترام والموافقة المستنيرة... والاتجاه إلى التجارب الجنسية المبكرة، مع انعدام المعلومات والخدمات، يزيد من خطر الحمل غير المرغوب فيه.. وكذلك خطر عمليات الإجهاض غير المأمون... والزواج المبكر والأمومة المبكرة للشابات يمكن أن يحدا بدرجة كبيرة من فرص التعليم والعمل... وكثيرا ما لا يتعلم الشبان احترام حق المرأة في تقرير المصير واقتسام المسئولية مع المرأة في أمور الحياة الجنسية والإنجاب".
هذا هو مفهوم الصحة الإنجابية الذي يجب أن يعمل كل مسلم يتقي الله غيور على عرضه على كشفه وتمليك حقيقته للأمة حتى تعي أن من يروج لهذه المؤتمرات وإنجاحها هم عدو ظاهر العداوة مضبوع بأفكار الغرب التي لم تبق لهم مجتمعا، وبعد هذا السرد هل سيقدم هذا المؤتمر للمرأة المسلمة في مصر الكنانة أو أي بلد في العالم الإسلامي الصحة بمعناها الحقيقي؟
ومن التناقض المزري أن تطرح الصحة الإنجابية كحل بينما الزواج المبكر عند المؤتمرين مشكلة وعقبة، فأي تناقض واضطراب تمتلئ به عقول هؤلاء؟! ففي الوقت الذي يتم فيه التأكيد على حظر الزواج المبكر (دون الثامنة عشرة) تأتي المطالبة بإعطاء كل المعلومات اللازمة للمراهقات كي يتمكن من إقامة علاقات جنسية "آمنة"، بمعنى تدريبهن على استخدام وسائل منع الحمل، وتوفيرها بالمجان وفي حالة حدوث حمل، ورغبة المراهقة في التخلص من ذلك الحمل، بتشريع القوانين لجعل الإجهاض وسيلة "آمنة" للتخلص من الحمل... فأي عقلية هذه، المريضة التي يمتلكها منظرو هذه المؤسسة الخبيثة التي تريد نشر الفاحشة وسلب الفتيات شرفهن؟!
وفي هذا الصدد ركزت وثيقة القاهرة للسكان على تمكين المرأة عبر مراحلها العمرية المختلفة، فخصصت فقرة كاملة داخل باب (تمكين) المرأة، بعنوان "الطفلة الأنثى The Girl Child"، ورد فيها: "ينبغي على الحكومات أن تنفذ بكل حسم القوانين المتعلقة بالسن القانوني للموافقة minimum legal age of consent، والسن الأدنى عند الزواج، وأن تزيد السن الأدنى عند الزواج حيثما اقتضى الأمر. وعلى الحكومات والمنظمات غير الحكومية توليد الدعم الاجتماعي اللازم لإنفاذ القوانين المتعلقة بالحد الأدنى القانوني لسن الزواج، لا سيما بإتاحة فرص التعليم والعمل".
لذلك ما من بلد مسلم إلا وعدلت قوانينه لتوافق هذا الطرح السقيم وروج لذلك المنتفعون من حكومات ومنظمات تتردى في حضيض حضارة نبذها أهلها ونشروا معلومات موثقة عما يعانيه مجتمعهم من أمراض للعالم لعل عاقلاً يعقل أن لا تقربوا هذه الشجرة الخبيثة، لكن غشاوة أصابت هؤلاء في بصرهم وبصيرتهم فأنى لهم أن يتقوا؟!
أما ربط المساواة بين الرجل والمرأة والتنمية فقد تفتقت أذهانهم الشاذة عن مفهوم محاربة السيطرة الذكورية لتمكين المرأة من الحقوق بما فيها الحق في العمل والكسب الاقتصادي، ورغم الاختلاف الفطري الظاهر الذي ينفي إمكانية حدوث ذلك تم تركيز مفهوم السيطرة الذكورية لتوحيد الأدوار بين الجنسين، وعن طريق فصل جنس الإنسان عن دوره في الحياة، وفك ارتباط جنس الإنسان بدور معين في الحياة، لذلك تعد المرأة في البلاد العربية وهي تحمل صفة أم وربة بيت المتقصد في المقام الأول بهذا المفهوم، لا توجد أي فوارق أو تمييز بين الرجل والمرأة لتنخرط المرأة في العمل وتحقق المكاسب الاقتصادية فيكون همها ليس البيت أو الأطفال بل همها الكسب الاقتصادي فتشارك في إدارة عجلة الاقتصاد العالمي بغض النظر عن نوعية الأعمال التي ستقوم بها ومدى مناسبة ظروف العمل وهل الأجور مجزية لدرجة التضحية بعملها الفطري كأم وربة بيت... كل هذا لا يناقش ولا يراعى، فقط المطلوب إلغاء كافة أشكال التمييز بين المرأة والرجل لتحقيق التمكين الاقتصادي للمرأة!
ولتركيز العداء بين المرأة والرجل وجعل الندية أساس العلاقة بينهما تم تخصيص الفصل الرابع من برنامج مؤتمر القاهرة للسكان لـ"مساواة الجندر، (تمكين) المرأة". حيث ربط بين "(تمكين) المرأة" وبين "تحقيق التنمية المستدامة". كما أكد على "المشاركة الكاملة بين الرجل والمرأة على صعيدي الإنتاج والإنجاب، بما في ذلك تقاسم المسئوليات المتعلقة برعاية الطفل وتربيته والحفاظ على الأسرة المعيشية". وكذلك "ينبغي التشدد على مسئوليات الذكور فيما يتعلق بتربية الأطفال وأداء الأعمال المنزلية". كما ينص على: "توفير المرونة في مواعيد العمل وإجازات الأبوة ومرافق الرعاية النهارية، وإجازات الأمومة". أي أن يحصل الأب على إجازة "أبوة" أسوة بالأم ليتناصف معها رعاية المولود. وإلغاء التمييز سيلغي في طريقه أحكاماً ومعتقدات وضعت المرأة في مكان سامٍ تزهق من أجلها الأرواح رخيصة لصونها ورعايتها تقربا لله ويوصي آخر ما يوصي به النبي e النساء.
لنرى ماذا يراد بإلغاء التمييز بين الرجل والمرأة من نص اتفاقية سيداو:
نصت اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) 1979 صراحة على ضرورة القضاء على الأدوار النمطية (إشارة إلى اختصاص المرأة بالأمومة، واختصاص الرجل بالقوامة داخل الأسرة)، وأيضا نصت على أن الأمومة "وظيفة اجتماعية"، أي أنها ليست لصيقة بالمرأة، بل يمكن إسنادها لأي شخص، ليس بالضرورة أن يكون الأم. أما ما هو مصير أسرة متناكفة متقاتلة على حقوق كهذه وما هو مصير الأطفال فهذا الأمر لا يقدم كمشكلة بل ليس بالضرورة بحثه!!
والنتيجة الحتمية هي أن لا تكون هناك أسرة بالمعنى الشرعي، ولا أبناء ولا رجل ولا امرأة، وإنما أسر جديدة شاذة وأبناء نتاج للتلقيح الصناعي، هذا هو الأمر باختصار تماما كما يحدث اليوم في الغرب، فهل يترك هؤلاء يعيثون في الأرض الفساد؟!
لهذه الدرجة خبث الأفكار والمفاهيم التي تهدف إلى تدمير البقية الباقية من أحكام الإسلام في مجتمعنا، وخاصةً ما يتعلق بالأسرة المسلمة، ونجد في المقدمة من يعين الغرب ويساعده على ذلك ألا وهو حكومات الخزي التي أبت إلا أن تكون في كنانة العدو بتسهيل تمرير المؤامرات الخبيثة على المرأة المسلمة بمثل هذه المؤتمرات المسخ.
إن أية رؤية للمرأة بمعزل عن دين الله وشريعته لن تجر علينا سوى الويل والثبور، وإن الوضع الأفضل للمرأة لا ينعزل عن النهضة الشاملة في السياسة والحكم وكافة شؤون الحياة، وإن تلك النهضة لا يمكن أن تكون إلا بتطبيق كامل شامل لشريعة الله في دولة خلافة راشدة على منهاج النبوة وعلى خطا من رضي الله عنهم في نص كتابه، دولة تنأى بنفسها عن إملاءات الغرب واستشارات أعداء المسلمين، وتربط نفسها بالله ورسوله والمسلمين، فتكون كل رؤاها وقراراتها وقوانينها ومخططاتها منبثقة من كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله e، وبذلك فقط تهنأ المرأة بسعادة الدنيا ونعيم الآخرة.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذة/ غادة عبد الجبار (أم أواب)