- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
تكريس المساواة بين الرجل والمرأة في الوثيقة السياسية
قطف لثمار زرعتها حكومة الإنقاذ ورعتها
تحدثت جميع وسائل الإعلام المحلية والعالمية عن توقيع المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير على "الوثيقة السياسية" تحت إشراف وساطة أفريقية، في إطار اتفاق لتقاسم السلطة يهدف لانتقال السودان إلى الديمقراطية، وسنناقش في هذه المقالة أهم ملامح هذا الاتفاق في ما يخص المرأة؛ فقد ورد في الوثيقة التي نشرتها قوى إعلان الحرية والتغيير الآتي:
"المادة 27 - حقوق المرأة والطفل
1- تلتزم الدولة بصيانة حقوق وحريات وكرامة المرأة السودانية وتؤكد على دورها الإيجابي في الحركة الوطنية السودانية، وتعترف بكل الحقوق والواجبات الواردة في المواثيق والعهود الإقليمية والدولية التي صدق ويصدق عليها السودان في هذا المضمار.
تكفل الدولة للرجال والنساء الحق المتساوي في التمتع بكل الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، بما فيها الحق في الأجر المتساوي للعمل المتساوي والمزايا الوظيفية الأخرى."
إذا كانت هذه الأطراف الموقعة على هذا الإعلان السياسي تختزل كل المشاكل التي تعانيها النساء في السودان بسبب عدم مساواتهن بالرجال فإننا نذكرهم أن النظام السابق، كرس لمساواة المرأة بالرجل في الدستور والقوانين، ودونكم دستور 2005 الذي حكمت به الإنقاذ، حيث سعت التشريعات والسياسات المسنونة في السودان آنذاك إلى مساعدة وتمكين المرأة السودانية لتقوم بمشاركة فاعلة في كافة المجالات وفق المساواة العادلة في الحقوق والموارد والخيارات والفرص المتاحة والتي لم تترك اتفاقاً دولياً يخص المرأة إلا وأمضت عليه، ولولا المقادير لباءت أيضا بإثم الإمضاء على سيداو، فإذا كانت الفترة الانتقالية ستسير في الخط نفسه فستكون هي قاطفة الثمار المُرة التي زرعها حكم البشير.
قطعا إن النظام الرأسمالي العلماني الذي يهيمن على السياسة والاقتصاد في السودان منذ سيطرة الاستعمار الغربي على البلاد وإلى يومنا هذا هو أصل الداء وأس البلاء. وهذه حقيقة لا يجحدها إلا جاهل بما يجري حوله، فهذا النظام الوضعي الذي سبب التفاوت الفادح في الثروات فجعل الغني يزداد غنى والفقير يزداد فقرا، فحرم المرأة وغيرها من حيازة الثروة وكدسها في أيدي 2% من البشر، وأصاب الاقتصاد العالمي بالشلل، بالمضاربات والربا التي تربو في أموال الناس بالباطل، وجعل نظام الملكيات الذي هو الضامن لتوزيع الثروات بعدالة عبر السعي لامتلاكها حصرا على الأفراد والدولة، فأتخمت البطون لأفراد وحيزت الثروات الطائلة بالمحاباة والإعفاءات لهم وضيق على الجماعة في رغيف الخبز وضروريات الحياة...
ولأن المصلحة المادية هي أساس النظام الرأسمالي الذي تم عولمته بالاتفاقيات الدولية، أصبحت المرأة تصارع أمواجاً متلاطمة في بحر النظام الاقتصادي الرأسمالي الشرس لتنافس الرجل في سوق العمل لقاء لقمة العيش، وزاحمت الرجل في كل مجالات العمل التي لا تليق بها وأهملت بيتها وضيعت أبناءها وسارت وراء القيم الغربية المخادعة وقلدت المرأة الغربية، فانتشر التفكك الأسري بمفاهيم مغلوطة كمفهوم تحقيق الذات والتحرر من قيود الرجل...
وبسبب هذه الموجة من العولمة لمنظومة الرأسمالية المجحفة، فقد عانت المرأة في السودان وتدهورت أوضاعها المعيشية ليس بسبب عدم مساواتها بالرجل، بل بتعطيل المشاريع والمصانع والشركات المنتجة عبر نظام الخصخصة الرأسمالي اللعين الذي عطل يداً عاملة ليس لها سبيل لقضاء حوائجها إلا بكدِّها وتعبها فخرجت المرأة لسوق العمل الذي لا يرحم.
علاوة على ذلك فإن القيم الليبرالية العلمانية التي تقدس السعي لتحقيق الرغبات الفردية، وتحرر المرأة من وليها الذي يصونها ويحميها وينفق عليها بولايته عليها واعتبروها انتقاصا لها، وهم لا يدركون المعاني السامية للولاية التي هي صون ورعاية وتكريم، فتركوها في مجتمع الغاب فريسة للذئاب البشرية المنتشرة في كل مكان، مما أدى إلى تدهور أوضاع النساء في مجتمعاتهم، وتسببت في وباء الجرائم الأخلاقية، وغيرها من الانتهاكات، التي تواجهها المرأة في كل العالم اليوم، وبالتالي فإن النظرة لمشاكل المرأة من زاوية المساواة الضيقة، هي حقا استعباد للمرأة ومصادرة لإنسانيتها لأن قيم التحرر والمساواة هي التي توجد بيئة مهيأة للفساد والإفساد، تكتوي بنارها المرأة قبل الرجل، بينما يفلت الرجل بجرمه فتكون الرأسمالية هي المميز الرئيس للمرأة عن الرجل، لا كما تدعي أنها ساوت بينهم.
كيف تكون مفاهيم الغرب الرأسمالي علاجاً لمشاكل المرأة وفي كل حين تنقل الأخبار انتقاصها للمرأة وفشلها في عقر دارها؟! وفقاً لتقرير المؤشر الذي نشرته وكالة "سبوتنيك" الروسية، فقد قارن مُعدّو الدراسة الخاصة وضع النساء والرجال في 144 بلداً حول العالم بالمؤشرات الرئيسية: (الحصول على خدمات صحية، ومستوى المعيشة، والتحصيل العلمي، والفرص الاقتصادية والنشاط السياسي) فكانت النتائج في قمة السوء (تفاقمت مشكلة عدم المساواة بين الجنسين خلال عام 2017، وذلك للمرة الأولى في التاريخ، بحسب بيانات مؤشر الفجوة بين الجنسين الذي يصدره "منتدى الاقتصاد العالمي". وأظهر المؤشر أنه منذ عام 2006 بدأ اتساع الفجوة بين الرجال والنساء، قبل أن تصل في 2017 إلى نسبة 68%). فإذا كان الواقع يقول بفشل فكرة المساواة بين الجنسين فما بالنا نستورد الفشل؟!!
إن الإسلام قد حدد الحقوق والواجبات، لكل من الرجل والمرأة وطلب من كل منهما الرضا بها باعتبارها من لدن عليم خبير بأحوالهما. قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾ [النساء: 32].
إن الحقوق والواجبات التي فرضها الله تعالى، لا تعتمد توافق أي من الطرفين أو اختلافهما ولا تبنى على قيم الغرب الرأسمالي التي جعلت من المرأة سلعة تباع وتشترى، بل هي النظرة السليمة للمرأة، كما أن المجتمع الذي تنتشر فيه هذه القيم، هو الضامن الرئيس لمنع المضايقات والانتهاكات، وسوء المعاملة، والعنف ضد المرأة بوازع تقوى الله ومراقبته في السر والعلن.
وقد حرم الإسلام الاعتداء على المرأة وصانها وحفظ كرامتها، كما حظر الإساءة إلى سمعتها واستغلال مفاتنها، أو استخدام جسدها كسلعة، فمنع التبرج والاختلاط والخلوة، وجعل المرأة ذات مكانة سامية في المجتمع، قال رسول الله e: «فَاتَّقُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي النِّسَاءِ» وقال: «فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً».
إن الحل لمشاكل المرأة في السودان يجب أن يكون على أساس معتقداتها وقيمها التي تنبع من إيمانها بوجود خالق للكون والإنسان والحياة وهو وحده من يستحق أن يضع حقوقا للمرأة وواجبات بوصفه خالقا عليما خبيرا بما يصلحها ويضرها، ونستعرض بعض هذه القيم المستنبطة من كتاب الله وسنة الرسول e بقوة الدليل:
1- تُعْطى المرأة ما يُعْطى الرجل من الحقوق، ويُفْرَضُ عليها ما يُفْرَضُ عليه من الواجبات إلا ما خصها الإسلام به، أو خص الرجل به بالأدلة الشرعية، فلها الحق في أن تزاول التجارة والزراعة والصناعة وأن تتولى العقود والمعاملات، وأن تملك كل أنواع الملك، وأن تنمي أموالها بنفسها وبغيرها، وأن تباشر جميع شؤون الحياة بنفسها.
2- لا يجوز أن تتولى المرأة الحكم، فلا تكون خليفة ولا معاوناً ولا والياً ولا عاملاً ولا تباشر أي عمل يعتبر من الحكم، وكذلك لا تكون قاضي قضاة، ولا قاضياً في محكمة المظالم، ولا أمير جهاد.
3- الحياة الزوجية حياة اطمئنان، وعشرة الزوجين عشرة صحبة. وقوامة الزوج على الزوجة قوامة رعاية لا قوامة حكم وقد فرضت عليها الطاعة، وفرض عليه نفقتها حسب المعروف لمثلها.
قطعا لن نصل لهذه الوضعية المشرقة إلا بتطبيق شرع الله في دولة الإسلام الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي ستنقذنا من التجارب الفاشلة.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة عبد الجبار (أم أواب)