- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
لن تغلب الظلمات النور طالما هناك ثابتون على الحق
إن حمل الدعوة أمانة حملها المسلمون على مدى السنين، ووجب على المسلمين حاليا القيام بها حتى يعود الإسلام إلى سابق عزه وقوة وجوده، وما أحوجنا اليوم إلى ذلك، يقول الله في كتابه العزيز: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين﴾. ولكي نحمل الدعوة ونعرضها على الناس وجب أن نكون أهلا لحملها، قادرين على نشرها على أكمل وجه وبشكل يرضي الله ورسوله.
وقد استعرت الحرب على الإسلام وأهله خاصة حملة الدعوة. فتراهم يعملون جاهدين على تشويه الدعوة وإلصاق التهم بها، وإدخال أفكار الكفر وأحكامه فيها، فتراهم مثلاً يُدخلون في الإسلام الديمقراطية والحريات والعدالة الاجتماعية وهي كلها أحكام كفر، يريدون من ذلك أن يلبسوا على المسلمين دينهم، فلا يعودون يفرّقون بين الحق والباطل، ولا بين ما هو من عند الله وما هو من وضع البشر، يريدون بذلك أن يفسدوا على حملة الدعوة دعوتهم، ويُضعفوا ثبات المسلمين وحملة الدعوة على دينهم ودعوتهم، وهذا كان حال أعداء الإسلام ولا زال، قال تعالى في سورة البقرة: ﴿وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ﴾، فمَن حمل الدعوة وجب عليه أن يثبت عليها، ويرفض هذه المحاولات من أعداء الإسلام، ووجب عليه أن يحافظ ويتمسك بكل ما لديه من أفكار وأحكام شرعية ويرفض ما سواها حتى تبقى أفكاره وأحكامه نقية صافية، فهذا يحبط مساعيهم، ويرد كيدهم في نحورهم.
نراهم يفتحون المعتقلات والسجون، ويحاربون حملة الدعوة بقطع الأرزاق وحتى بقطع الأعناق، يعلنون الحرب عليهم في كل المجالات ليحولوا بينهم وبين حمل الدعوة والثبات عليها والاستمرار فيها. وكذلك قد يعرضون عليه التعاون معهم وجني الأموال الطائلة، وقد يعرضون عليه الوظائف العالية والجاه العريض، فإن لم ينجحوا واستمر حامل الدعوة على موقفه الثابت أعملوا في جسده العصي والسياط، وصبّوا عليه ألواناً من التعذيب الجسدي والنفسي، وأذاقوه فنوناً من الأذى، وسجنوه السنين والأعوام.
لقد كان للثبات على الحق الأثر الواضح على صحابته الكرام فهذا عبد الله بن حذافة من أصحاب النبي أسره الروم وذهبوا به إلى ملكهم فقالوا: إن هذا من أصحاب محمد النبي الطاغية فقال له: هل لك أن تتنصر وأُشركك في ملكي؟ قال عبد الله: لو أعطيتني جميع ما تملك على أن أرجع عن دين محمد طرفة عين ما فعلت، قال: إذاً أقتلك! قال: أنت وذاك، قال: فأمر به فصلب وقال للرماة ارموا قريباً من رجليه وهو يعرض عليه وهو يأبى ثم أمر به فأنزل، ثم دعا بقدر فصب فيها ماء حتى احترقت ثم دعا بأسيريْن من المسلمين فأمر بأحدهما فألقي فيها وهو يعرض عليه النصرانية ويأبى، ثم أمر به أن يلقى فيها فلما ذُهب به بكى فقيل له: إنه قد بكى فظن أنه جزع فقال: رُدّوه فعرض عليه النصرانية فأبى قال: فما أبكاك إذاً؟ قال: أبكاني أني إن قُتلت فهي نفسٌ واحدة تلقى الساعة في هذا القدر فتذهب، فكنت أشتهي أن يكون بعدد كل شعرة في جسدي نفس تُلقى هكذا في الله. فقال له الطاغية: هل لك أن تقبّل رأسي وأخلي عنك؟ قال له عبد الله: وعن جميع أسرى المسلمين؟ قال: وعن جميع أسرى المسلمين، فدنا منه فقبل رأسه فدفع إليه الأسرى فقدم بهم على عمر فأخبر عمر بخبره فقال: حُق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة، وأنا أبدأ فقام عمر فقبل رأسه.
فالثبات على المبدأ، والثبات على الحق يحتاج من صاحبه أن يكون شجاعا قويا في حمل الدعوة يثبت عليها ولا يزول عنها مهما كان الوضع صعبا ومهما كانت التهديدات والمغريات كثيرة. يقول الحق جل وعلا: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾.
ولا ننسى أن حامل الدعوة لا يماري في حمل دعوته ولا يداهن ولا ينافق، متحديا سافرا ولا يخاف في الله لومة لائم صادعاً بالحق في كل حال وكل حين. ولا يقول ليس لي علاقة بالأمر وعندما تأتي الدولة تحل كل المشاكل، بل عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعليه فضح كل ما يتعارض مع الإسلام فكرا وسلوكا ومنهاجا وخُططا لا يخاف في ذلك إلا الله حتى لو تعرض للاعتقال والتعذيب، وللمحاربة في أهله وماله ورزقه متيقنا واثقا أن الأجل والرزق بيد الله وحده.
وأختم بما ورد في بيان لحزب التحرير في 1977/06/25 بعنوان "العقيدة الإسلامية عقيدة كفاح ونضال" في سياق حديث عن العقيدة والجنة والنار ما نصه:
"فإن أدلة ذلك أدلة قطعية في ثبوتها وفي دلالتها فإذا آمن الإنسان بها فإنه يستحقر كل عذاب في الدنيا يصادفه من أجل عقيدته، ومن أجل الثبات عليها، ومن أجل أن تبقى عزيزة وهي المهيمنة على البشر. فإذا آمن الإنسان بالجنة وما فيها من نعيم مقيم وآمن بالنار وما فيها من عذاب مستطير، وكان هذا الإيمان القطعي مدركاً واقعه، متصوراً في الأذهان حقيقة أنه يستهان ما دونه من تعذيب البشر، من تعذيب المخلوق، فيصبح المؤمن جبلاً شامخاً لا تؤثر فيه سياط المجرمين ولا سجن الساقطين ولا عذاب المنبوذين بل يستعذب ذلك في سبيل عقيدته".
هذا الجزء من العقيدة وحده كاف لكشف سر هذه العقيدة وكيف حولت عبد الله بن مسعود الذي كانت تذرو الرياح ساقيه إلى رجل عظيم تكون قدماه عند الله أثبت من جبل أحد. وهذا تفسير بيّن لثورة صهيب وبلال وسلمان على أسيادهم. وهذا الدافع الوحيد الذي جعل ياسر والد عمار يرحب بالموت تحت عذاب كفار قريش، وجعل سمية أول شهيدة في الإسلام تحتسب الطعنة في قلبها وهي الطعنة التي ماتت فيها جعلتها تحتسب هذا الأمر الجلل في سبيل الله، وهذا ما عالج به رسول الله e نفوس أصحابه في مجابهة عذاب قريش حيث كان يمر على آل ياسر ويقول"صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة"..
ونحن نقول لأحباء الله وأحباء رسول الله الذين آمنوا به ولم يروه الذين لم يجدوا على الحق أعوانا، نقول لهم تصوروا واقع سلفكم وواقع عقيدتكم وأحيوها من جديد ولتبقوا متصورين واقع عقيدتكم حتى يفتح الله لكم ويأتي اليوم الموعود. ولعله يكون قريبا..
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مسلمة الشامي "أم صهيب"