الإثنين، 21 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 1 تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

كيف توفّر الخلافة نظاما صحّيّا من الدّرجة الأولى؟!!

 

- «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» هذا ما كان عليه رسولنا e وهذا ما ربّى عليه صحابته: يحكم بشرع الله وينفّذ أحكامه. فالخليفة في دولة الإسلام مسؤول عن رعيّته يحكم بينها بالعدل ويوفّر لها الأمن والاطمئنان. يرعاها ويضمن لها توفير حاجاتها وضروريّات حياتها التي لا يمكن لأيّ إنسان الاستغناء عنها. والرّعاية الصّحيّة إحدى هذه الضّروريّات التي على الخليفة العمل على توفيرها لكلّ فرد من أفراد رعيّته.

 

- سبحان الذي نزّل الإسلام هدى ورحمة للعالمين ففي أحكامه رعاية نفسيّة رائعة تشعر الفرد بالطّمأنينة الدّائمة فوفقها يلبّي حاجاته العضويّة ويشبع غرائزه إشباعا صحيحا. لقد ثبت أنّ الإسلام وحده يكفل للإنسان إشباع حاجاته بشكل منظّم ودقيق فلا يترك العنان لغريزة ويكبح جماح أخرى، فيحقّق له كلّ القيم وهو ما يجعله مرتاحا مطمئنّا. يقولُ الله سبحانه وتعالى في الآية 97 من سورة النّحل: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

 

- تضمن الدّولة الرّعاية الصّحيّة النّفسيّة بتنفيذها لهذه الأحكام وتركيز المفاهيم والمشاعر الإسلاميّة عبر مناهج التّعليم والإعلام في أفراد رعيّتها فتنتشر المفاهيم النّقيّة الصّافية فتعمّ الأجواء الإيمانيّة التي تبعث في النّفوس التّقوى والخوف من الله والسعي لنيل رضاه. وعلى الدّولة توفير الحاجات الأساسيّة للأفراد ورعايتهم والحفاظ على سلامتهم بوقاية الأصحّاء وعلاج المرضى وردّ صحّتهم ما استطاعت إلى ذلك سبيلا... تعمل جاهدة عبر نظامها الاقتصاديّ الإسلاميّ الفريد على توفير تلك الحاجات حتّى لا ينعكس عدم إشباعها وتلبيتها على صحّة الأفراد فيصابوا بالقلق أو الاكتئاب...!

 

- لقد أولى الإسلام الرّعاية الصّحّيّة اهتماما كبيرا ونقلها نقلة نوعيّة انقلابيّة من عالم السّحر والشّعوذة والأسطورة إلى عالم العلم والتّجربة، وهو ما أسهم في تقدّم علم الطّبّ تقدّما سريعا مذهلا، فكان لأفكار الإسلام وأحكامه الأثر الكبير في وضع أهمّ الرّكائز السّليمة والصّحيحة للعناية الصّحّيّة... فقد أرْسَى e بأقواله وأفعاله قواعدَ الرِّعاية الصّحيَّة والطّبيَّة كما شهد القرن الأوّل الهجريّ تأسيسَ البيمارستان والمصحَّات بمختلف أنواعها، وَعُدَّ ذلك نقطةً مضيئة في تاريخ الرِّعاية الصّحيَّة والطّبّيَّة في الحضارة الإسلاميَّة. و"خلاصة الأمر أنَّ التّوجيهات النّبويّة الصّحّيّة والطّبّيّة تمثِّل الدّعائم الرّئيسيّة للنّهضة الطّبّيّة والصّحّيّة التي شَهِدها العالم فيما بعد؛ إذ تُعَدّ هذه التّوجيهات المَعِين الذي شَرِب منه الأطبّاء جيلاً بعد جيل، والتي كانت بمثابة المفاتيح التي سهَّلت على العلماء سُبل البحث والتّقصِّي في المجالات الصّحّيّة والطّبّيّة، فالعلم يؤكِّد كلَّ يومٍ عِظَم تلك التّوجيهات ومصداقيَّتها العلمية" (الرِّعاية الصّحّيّة والطّبّيّة في القرن الأوّل الهجريّ: رسالة الأستاذة "أسماء يوسف أحمد آل ذياب").

 

- كانت أمّة الإسلام رائدة في المجال الصّحّيّ والطّبّيّ تقود العالم بهدي من الله ورسوله... حقّقت تقدّما علميّا كبيرا نقلته عنها بقيّة الأمم، وقد برز منها علماء وأطبّاء كما برعت في بناء المستشفيات وتجهيزها "تزعّم الإسلام العالم كلّه في إعداد المستشفيات الصّالحة وإمدادها بحاجاتها. مثال ذلك أنّ البيمارستان الذي أنشأه نور الدّين في دمشق عام 1160 ظلّ ثلاثة قرون يعالج المرضى من غير أجر ويمدّهم بالدّواء من غير ثمن ويقول المؤرّخون إنّ نيرانه ظلّت مشتعلة لا تنطفئ 267 سنة" (ول ديورانت: فيلسوف، مؤرّخ وكاتب أمريكيّ).

 

- من مهامّ الدّولة في الإسلام الرّعاية؛ إذ يجب عليها توفير الأدوية والمستشفيات للنّاس. أخرج مسلم من طريق جابر قال: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ e إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ طَبِيباً، فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقاً ثُمَّ كَوَاهُ عَلَيْهِ». وأخرج الحاكم في المستدرك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: (مرضت في زمان عمر بن الخطّاب مرضاً شديداً، فدعا لي عمر طبيباً فحمّاني حتّى كنت أمصّ النّواة من شدّة الحمية) فعلى الرّاعي أن يؤمّن للأفراد الرّعاية الصّحّيّة ويوفّر لهم الأدوية والمستشفيات. روى البخاريُّ في الأدبِ المفردِ والتّاريخِ الصّغيرِ بإسنادٍ صَحَّحَهُ الألبانيُّ عنْ محمود بنِ لبيدٍ قالَ: «لَمَّا أُصيبَ أَكْحَلُ سَعْدٍ يَوْمَ الخَنْدَقِ فَثَقُلَ، حَوَّلوهُ عِنْدَ امْرَأَةٍ يُقالُ لَها: رُفَيْدَة، وَكانَتْ تُداوي الجَرْحى، فَكانَ النَّبِيُّ e إِذا مَرَّ بِهِ يَقولُ: كَيْفَ أَمْسَيْتَ؟ وَإِذا أَصْبَحَ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ فَيُخْبِرُهُ». هذا ما كان يقوم به قدوتنا وحبيبنا عليه أفضل صلاة وأزكى سلام... علّم صحابته ومن تبعه أنّ الرّاعي في دولة الإسلام يخشى الله فيمن استرعاه ويسهر على تأمين حاجاتهم وعلى توفير العلاج لهم، وهذا من باب رعاية الشّؤون...

 

- والتّداوي من النّفقات الواجبة على بيت المال فعلى الدّولة أن "توفّر جميع الخدمات الصّحّيّة مجاناً للجميع". (المادّة 164 من مشروع دستور دولة الخلافة الذي أعدّه حزب التّحرير) ورغم أنّها تقوم بتوفير الرّعاية مجانا إلّا أنّ الدّولة لم تمنع الأطبّاء من العمل وتقاضي أجرة على ذلك فقد «احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ e حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ، وَأَعْطَاهُ صَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَّفُوا عَنْهُ» أخرجه البخاري... والحجامة من الأدوية التي يتطبّب بها، وأخذ الأجرة عليها دليل على جواز تأجير الطّبيب، وعليه فليس للدولة أن تمنع "استئجار الأطبّاء ولا بيع الأدوية" (من المادّة 164 من مشروع دستور دولة الخلافة).

 

- ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ﴾ فمن أركان البيع أن تنقل الملكيّة من البائع إلى المشتري. ولذلك وبعد أن يبيع المكتشف الدّواء، يُصبح ملكا لمن اشتراه، وله أن يتصرّف فيه بالبيع أو الصّنع... ولا يجوز شرعاً أن تكون هناك حقوق طبع أو نسخ أو براءة اختراع محفوظة، بل هي حقوق مباحة فالشروط التي تُحرّم الحلال شروط باطلة. «وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلاَّ شَرْطاً حَرَّمَ حَلَالاً أَوْ أَحَلَّ حَرَاماً» (رواه الترمذي). فدولة الخلافة تسعى إلى تحقيق القيم بتوازن حتّى تحقّق الرّخاء للجميع، لا تفرّق بين فقير ولا غنيّ، وتعمل على توفير جميع الحاجات الأساسيّة لكلّ فرد من رعيّتها وتمكينه حتّى من حاجاته الكماليّة: هي دولة رعاية وكفاية ورفاه...!

 

- كما تقوم دولة الخلافة بإنشاء المختبرات العلميّة المتعلّقة بكافّة شؤون الحياة وبتهيئة المكتبات وسائر وسائل المعرفة في غير المدارس والجامعات لتمكين الذين يرغبون في مواصلة الاختراع والاكتشاف والأبحاث في سائر العلوم والمعارف وغير ذلك، حتّى يتوفّر في الأمّة حشد من المجتهدين والمبدعين والمخترعين، وتشجّع أفراد رعيّتها على إنشاء المختبرات العلميّة فـ"لجميع أفراد الرّعيّة الحقّ في إنشاء المختبرات العـلـمـيّة المتعلّقة بكافّة شؤون الحياة، وعلى الدّولة أن تقوم هي بإنشاء هذه المختبرات." ( المادّة 162 من مشروع الدّستور).

 

- "يمنع الأفراد من ملكيّة المختبرات التي تنتج موادّ تؤدّي ملكيّتهم لها إلى ضرر على الأمّة أو على الدّولة." (المادّة 163 من مشروع الدّستور) فلا يمكن بحال أن يمتلك الأفراد مختبرات الذّرّة مثلا لأنّ ملكيّتها تؤدّي إلى الضّرر بالأفراد وبالدّولة. ولا يخفى علينا ما يعانيه العالم في ظلّ النّظام الرّأسماليّ من دمار في كلّ نواحي الحياة ومنها الرّعايةِ الصّحّيّةِ وما سادها من فساد تفشّى في نظامِ التّأمينِ الصّحيِّ وشركاتِهِ، وشركاتِ الأدويةِ وأبحاثِها، وبرز في استغلالِ هذهِ الشّركاتِ للأطبّاءِ واستغلالِ هؤلاء (الأطبّاء) للمرضى فصار الهمُّ منصبّاً على تحقيق الرّبح على حساب حياة النّاس وصحّتهم، فلا عيش لمن لا مال له، ولا علاج ولا دواء للضّعيف والفقير، والقيمة الأولى والأخيرة للمال وأصحابه. وهذا ما حاربته دولة الخلافة ولم تسمح بحدوثه.

 

- كتب (Gomar) أَحَدُ علماءِ حملةِ نابليونَ واصفاً أحدَ البيمارستناتِ (المستشفياتِ) التي بُنيتْ قبلَ ستّةِ قرونٍ منْ حملتِهِ على مصرَ: "وكانَ يَدْخُلُهُ (أيِ البيمارستانُ) كلُّ المرضى، فقراءَ وأغنياءَ، بدونِ تمييزٍ، وكانَ يُجْلَبُ إليهِ الأطباءُ منْ مختلفِ جهاتِ الشرقِ وَيُجْزَلُ لهمُ العطاءُ، وكانتْ لهُ خزانةُ شرابٍ وصيدليةٌ مُجَهَّزَةٌ بالأَدويةِ والأَدواتِ. ويُقالُ إنَّ كلَّ مريضٍ كانتْ نفقاتُهُ ديناراً، وكانَ لهُ شخصانِ يقومانِ بخدمتِهِ، وكانَ المُؤَرَّقُونَ منَ المرضى (أيِ المرضى النفسيينَ) يُعْزَلُونَ في قاعةٍ منفردةٍ يُشَنِّفُونَ فِيهَا آذانهمْ بسماعِ ألحانِ الموسيقى الشجيةِ أوْ يتسلّونَ بسماعِ الحكايَا يُلْقِيهَا عليهمُ الحَكَوَاتِيُّ. وكانَ المرضى الذينَ يستعيدونَ صحتهمْ ويتماثلونَ للشفاءِ يُعْزَلونَ عَنْ باقي المرضى في فترةِ نقاهةٍ. وكانَ يُعطى لكلِّ مريضٍ حينَ خروجِهِ منَ البيمارستانِ خمسُ قطعٍ منَ الذهبِ، حتى لا يُضْطَّرَ إلى الالتجاءِ إلى العملِ الشَّاقِّ في الحالِ".

 

- هكذا كان المسلمون وغيرهم ممّن يحيون في ظلّ دولة الخلافة: رعاية صحّية لم يشهد العالم مثيلا لها ولا يمكن له أن يشهدها ثانية إلّا في ظلّها وعند عودتها. ذلك أنّ الرّعاية الصّحّية مفادها القيامُ على صحّةِ الرّعيّة بمراقَبَتِها وحِفْظِها وتَدبيرِ شُؤُونِها فتضمن بذلك العافية الجسديّة والنّفسيّة معا كما تشملُ الوقايةَ منَ الأمراضِ قَبْلَ وقوعها ومتابعتَها وعلاجَها في حال وقوعها. وهذا ما حقّقه الإسلام بعقيدته العقليّة وشريعته القويّة فنشر السّعادة والصّحّة النّفسيّة في نفوس الذين اعتنقوه واتّبعوا هدى ربّهم. لقد أبهر الإسلام العالم برعايته الفذّة والفريدة للنّاس والتي تنبع من أحكام شرعيّة أنزلها الله رحمة للنّاس كافّة، فلا فرق فيها بين غنيّ ولا فقير ولا بين حاكم ومحكوم، الكلّ يخشى الله ويسعى لإرضائه خوفا من عقابه، فقاعاتُ المرضى التي كانت "تُدَفَّأُ بإحراقِ البخورِ أوْ تُبَرَّدُ بالمراوحِ الكبيرةِ الممتدةِّ منْ طرفِ القاعةِ إلى الطّرفِ الثاني..." وأرضُ القاعاتِ التي كانتْ "تُغَطَّى بأغصانِ شجرِ الحنّاءِ، أوْ شجرِ الرُّمانِ، أوْ بفَسَائِلِ الشُّجَيْرَاتِ العطريَّةِ" كما ذكر المستشرق الفرنسيّ بريسُ دافِن (Prisse D'Avennes) تكشف عن نظام صحّي متميّز تفرّدت به دولة الخلافة ولفت انتباه العالم!

 

كتبته للمكتب الإعلاميّ المركزيّ لحزب التّحرير

زينة الصّامت

 

1 تعليق

  • Mouna belhaj
    Mouna belhaj السبت، 06 نيسان/ابريل 2019م 16:48 تعليق

    الخلا فة طبقت الإسلام ونشرت العدل وكانت رحمة للعاملين نسأل الله أن يعيدها للأمة عاجلا غير آجل

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع