الثلاثاء، 03 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/05م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
أحكام إسلامية لتحقيق طمأنينة الحياة الزوجية (أو طمأنينة العلاقات الأسرية)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أحكام إسلامية لتحقيق طمأنينة الحياة الزوجية (أو طمأنينة العلاقات الأسرية)

ضمن حملة "الأسرة: التحديات والمعالجات الإسلامية"

 

بنى الإسلام الأسرة على العلاقات الشرعية بين الذكر والأنثى، ليتحقق بهذا التمايز والتكامل، بقاء الجنس البشري، تعميراً للأرض وتواصلاً للأجيال، ولتكون هذه الأسرة هي اللبنة الأولى في تأسيس بناء الأمة.

 

وتحقيقاً لهذا المقصد، جعل الله الزواج لتنظيم صلات تلك الذكورة والأنوثة بشكل معين، أي الاجتماع الجنسي بين الرجل والمرأة وفق نظام خاص، ينظم اجتماع المرأة بالرجل، والرجل بالمرأة، وينظم العلاقة التي تنشأ بينهما عن اجتماعهما، وكل ما يتفرع عن هذه العلاقة. إنه النظام الاجتماعي الذي يجب أن ينتج التناسل عنه وحده، وهو الذي يحصل به التكاثر في النوع الإنساني، وبه توجد الأسرة وعلى أساسه يجري تنظيم العلاقات الأسرية.

 

لقد رسم هذا النظام الاجتماعي وفق أحكام الإسلام، المعالم والطرق لتحقيق قِيم المودة والرحمة والسكن والسكينة في الحياة الزوجية لحماية الأسرة وبقائها وضمان استمرارها، ولإنشائها قوية متماسكة، نذكر منها أبرز الخطوات الأساسية.

 

- أطلق الإسلام على عقد الزواج الذي تؤسس به الأسرة، وصف الميثاق الغليظ، والميثاق هو العهد الذي يؤخذ بين اثنين، إلّا الميثاق بين الرجل والمرأة التي يتزوجها، فهو الميثاق الغليظ، ووصف بالغلظة لقوته وعظمته، فقد تحدث القرآن الكريم عن العقود بشكل عام فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ ولكن عندما تحدث عن عقد الزواج وصفه بقوله: ﴿مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾ فقال تعالى: ﴿وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾ وقد ذُكر الميثاق في القرآن مرة ثانية بأنه غليظ أي قوي وعظيم، عند أخذ العهد والميثاق على الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، فقال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾ فالميثاق الغليظ لم يُؤخذ إلّا بين الله ورسله، وبين الرجل والمرأة، وذلك للتأكيد الشديد على أهمية الحفاظ عليه والوفاء به.

 

- من الخطوات التي أولى الإسلام لها عناية فائقة، هي حسن اختيار الزوجين لبعضهما بعضا، والتي تستند إلى عدد من النصوص الشرعية التي تهدف إلى تحقيق المعايير الصحيحة لذلك. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ rقَالَ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ». وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» وقد دلّ هذان الحديثان على مبدأ حسن الاختيار وفق معيار التدين وحسن الأخلاق الحميدة.

 

- بيّن الإسلام أن العشرة بين الزوجين ليست عشرة شركاء، وليسا مجبرين عليها طوال الحياة، وإنما العشرة بينهما عشرة صحبة، يصحب أحدهما الآخر صحبة تامة من جميع الوجوه، صحبة يطمئن فيها أحدهما للآخر، إذ جعل الله هذه الزوجية محل اطمئنان للزوجين. قال تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ والسكن هو الاطمئنان، أي ليطمئن الزوج إلى زوجته والزوجة إلى زوجها، ويميل كل منهما للآخر ولا ينفر منه.

 

- كما بيّن الشرع الإسلامي الحقوق والواجبات المترتبة على كلا الزوجين، حتى تكون الصحبة بينهما صحبة هناء وطمأنينة. وجاءت الآيات والأحاديث صريحة في هذا المجال. قال الله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ وعن جابر أن رسول الله r قال في خطبته في حجة الوداع: «فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُم أَخَذتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاستَحلَلتُم فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكم عَلَيهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُم أَحَدًا تَكرَهُونَهُ، فَإِن فَعَلنَ ذَلِكَ فَاضرِبُوهُنَّ ضَربًا غَيرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ رِزقُهُنَّ وَكِسوَتُهُنَّ بِالمَعرُوفِ». أي أنّ للنساء من الحقوق الزوجية على الرجال مثل ما للرجال عليهن، وكما أن على الزوجة واجبات تجاه زوجها وهي الطاعة في المعروف، فكذلك على الرجل رعاية زوجته، وحمايتها، وحفظها، والقيام بشؤونها.

 

- جعل الله قيادة البيت للزوج على الزوجة، فجعله قواماً عليها، قال الله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ كما أوصى المرأة بطاعة زوجها، قال r لامرأة «أذات زوج أنت؟» قالت: نعم، فقال: «فإنه جنتك ونارك». وليس معنى قوامة الزوج على المرأة، وقيادته لبيته وأسرته، أنه المتسلط فيها والحاكم لها بحيث لا يُرد له أمر، بل قوامته هي رعاية شؤون أسرته وإدارتها، وليس السلطة أو الحكم فيها، فالإسلام جعل من الزوجين صاحبين وليسا أميراً ومأموراً، أو حاكماً ومحكوماً، بل هما صاحبان، جُعلت القيادة لأحدهما من حيث إدارة بيتهما ورعاية شؤون هذه الأسرة.

 

لقد أرسى الإسلام قواعد بناء البيت المسلم، وأسس العلاقات داخله على مجموعة من الحقوق والواجبات، التي يجب على كل رجل وامرأة تعاهدا أن يصحبا بعضهما بعضا صحبة اطمئنان وسكينة، أن يسيرا وفقها تحقيقاً لمرضاة الله عز وجل أولاً، ولأنه إذا سارت الأسرة المسلمة وفق هذه الأسس والقواعد تحقق استقرارهاـ أما إذا اتصفت بالجهل بهذه الحقوق فإن العلاقات لا بد أن تضطرب ويظهر فيها أنماط من المشكلات الأسرية، تبدأ بإنشاء جيل غير مرتبط بدينه وبمبدئه لتنتهي بأسرة مفككة يعيش كل أفرادها في اضطراب وكرب...

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رنا مصطفى

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع