الباحث عن الحق يسعى للتغيير الجذري ولا يقبل بأقل من ذلك -الجزء الثاني-
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن تبعه ومن والاه، أما بعد:
تحدثنا في المرة السابقة عن أن المسلم الذي يسعى لتغيير واقع الأمة الإسلامية الفاسد يجب أن يكون الباحث عن الحق، حامل دعوة الإسلام العظيم، من منطلق العقيدة الإسلامية السياسية النقية، هو خليفة الله تعالى في الأرض الذي يحمل الأمانة، واليوم نكمل حديثنا عن الباحث عن الحق الذي لا يقبل إلا بالتغيير الجذري فقلنا إنه يتساءل ويبحث عن الحقيقة لذلك لا ينفع أن يكون التفكير في قضايا الأمة الإسلامية من زاوية ضيقة فيهتم الباحث بمشاكل الأفراد ويتجاهل مشاكل الجماعة، مثلاً يجعل من حكم المصافحة بين الرجال والنساء قضية مصيرية بينما لا يهتم بالمجازر التي تحدث حوله، فينشغل بقضايا هامشية ويهمل القضايا المصيرية.
ولا ينفع أن ينجرف الباحث وراء أنصاف حلول مبتورة لا تحل المشكلة بشكل جذري ونهائي وتقدم حلولاً وقتية أو تحل المشكلة لفئة معينة من المجتمع فقط، مثال ذلك إنشاء المنظمات الخيرية وجمع التبرعات للأيتام والفقراء والمساكين أو المنظمات النسوية الغربية التيار، بينما يقعد عن محاسبة النظام الحاكم على تقصيره في رعاية شؤون الرعية، نساء ورجالاً، من كل فئات المجتمع، فهو بذلك يهدر جهده ووقته وماله، ولن يصل للهدف المنشود، والأهم من ذلك لن يقبل الله تعالى عمله.
وكما لا يصح أن يقوم الباحث عن التغيير بفصل عقيدته الإسلامية، لأنه باحث عن الحق، لا يجوز له أن يفصل إيجاد الحلول الصحيحة لإيجاد التغيير الصحيح عن أن تكون العقيدة الإسلامية مرجعًا له.. فكيف لمسلم أن يعيش في مجتمع انتشر فيه الاختلاط بين الرجال والنساء بدون الضوابط الشرعية، ثم لا يرجع للإسلام حتى يأخذ منه كيفية تصحيح هذا الوضع؟ فإن أراد المسلم أن يصلي يأخذ الصلاة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وكما وردت في النصوص الشرعية وكذلك سائر الأحكام الشرعية.
وكيف لمسلم يرى أن أبناءه يكبرون في مجتمع تسوده الأفكار التغريبية الهدامة والمشاعر المتبلدة ولا تُنمى فيه الشخصية الإسلامية للفتيات وللشباب في المدارس والجامعات ولا يلجأ للقرآن الكريم وللسنة النبوية الشريفة حتى يعلم كيف يحل هذه المشاكل ويعالجها وفق ما أراده الله تعالى بأداء الفروض وباجتناب النواهي؟ فهل تُحل مشكلة الفساد بين الشباب والفتيات بإباحة الاختلاط في الجامعات بحجة الحداثة والعصرنة؟ أم نعلمهم الضوابط الشرعية التي يباح الاجتماع من أجلها ونعلمهم الأحكام الشرعية التي تحفظهم من الفساد؟ أما القبول بطراز عيش غربي، ففي ذلك التناقض العجيب وخراب المجتمعات!
وهل القول بأن الأب والأم مسؤولان عن أولادهما وبناتهما في البيت يكفي أم أن القضية قضية رأي عام وقضية مجتمع؟ بل هي قضية إيجاد وعي عام حتى لا يغفل المسلم عن مسؤوليته أمام الله تعالى عن أبناء المسلمين - في بلده وفي العالم - الذين يتأثرون بالمجتمع أكثر من البيت لأن شبابنا وفتياتنا يعيشون فيه معظم أوقاتهم. فمن وراء الإهمال والتقصير في صقل شخصيات أبناء الأمة الإسلامية وترسيخ مفاهيم ومشاعر الإسلام الصحيحة في نفوسهم تكملة لدور البيت؟
فما نراه اليوم من واقع فاسد مستمر لأن الحلول المطروحة هي حلول بعيدة عن الإسلام وترقيعية وفردية، فلا نرى أي تغيير مع أن هناك ملايين المنظمات الطوعية والخيرية، ولا نرى تغييرًا مع أن هناك مئات الحركات السياسية وغير السياسية و"الإصلاحية" و"المعارضة" والموالية والمنشقة وغيرهم من الحركات الإسلامية التي لم تتبنَّ طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تنجح في مساعيها للتغيير.
إذاً هذه النقطة نقطة مهمة جداً وفيها يكمن نجاح العمل الجاد للتغيير فلا يقبل المسلم أبداً بمواقف غير شرعية بحجة "عدم التشدد" ولا يتهاون في تطبيق شرع الله ويستمر في العمل لتغيير القضية الأساسية المصيرية فيكون حامل دعوة عظيمة ألا وهي الدعوة لإقامة الحكم بما أنزل الله تعالى في الأرض، فغياب الحكم بما أنزل الله تعالى هو المشكلة التي تتفرع منها كل المشكلات الأخرى، وإلا من يجب عليه أن يرعى شؤون المسلمين وأين هو من يستطيع تطبيق الشرع تطبيقا كاملاً شاملاً في دولة إسلامية؟ أين من يجمع المسلمين على كلمة رجل واحد؟
فهذا هو الراعي الحقيقي الغائب اليوم، فأين الإمام الجنة الذي يُتقى به ويقاتل من ورائه؟ أين خليفة المسلمين الذي يتولى أمورهم ويرعى شؤونهم في كل مناحي حياتهم؟ أين الأب الحنون الذي يتقي الله عز وجل في حقوق الناس؟ فهو من تطمئن به الأسر على أبنائها وهم خارج البيت لأنها تعلم أن النظام العام يخضع لقوانين رب العالمين وأن الناس تنعم بالأمن والأمان لأن العدل هو السائد بوجود كيان سياسي تنفيذي يحكم أمير المؤمنين فيه الناس بما أنزل الله تعالى وكما أراد الله تعالى... فمكمن الداء هو في غياب نظام الحكم بالإسلام عن التطبيق... ففشل النظام الاقتصادي ودُمر النظام الاجتماعي وضاعت وحدة الأمة الإسلامية!
فمن لزم العمل للتغيير على هذا الأساس وكان هذا هو هدفه الجلي الواضح وضوح الشمس حتماً سينجح في بلوغ هدفه ولن يقبل ولن ينجر وراء ما هو دون ذلك حتى ينتصر كما انتصر الأنبياء والرسل صلوات ربي وسلامه عليهم وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا يضرن الباحث عن الحق وحامل الدعوة أن يكون "غريباً " فطوبى للغرباء. وهذا الصحابيّ الجليل سلمان الفارسي رضوان الله عليه الذي سُمّي بـالباحث عن الحقيقة وكان أكثر من بحث عن الديّن القيّم، دين الحقّ، الدين الذي ارتضاه الله للنّاس كافّة، ولم يقبل بما دونه فاستحق هذا اللقب.
وأخيراً، أمر الله تعالى المسلمين المخلصين من حملة الدعوة والباحثين عن الحق بإخلاص بأن يعملوا في كتلة لإعلاء كلمة الله تعالى في الأرض فلا يعمل الباحث بشكل فردي بل يكون مع جماعة سياسية تعمل لإقامة الخلافة الراشدة - تاج الفروض - فالكل يعلم أن هذا هو الفرض العظيم للتغيير الصحيح بدون مداهنة ولا مماطلة.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ [الأحزاب 70 - 71]
تم بحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم حنين
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
الباحث عن الحق يسعى للتغيير الجذري ولا يقبل بأقل من ذلك
-الجزء الأول-