- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
عمن تأخذ دينك؟
يكاد الكثيرون إن لم يكن الجميع قد سمع يوما ما مقولة: "ضعها في رقبة عالم واطلع منها سالم". فهي مقولة مترددة كثيرا في أوساط عامة الناس على نحو يشعرنا بأن انتشارها لم يكن عفويا وإنما بفعل فاعل.
ولا شك أن هذه المقولة إن تحولت إلى قناعة لدى المسلم فهي مصيبة، لأنها ببساطة تحول المسلم إلى مجرد تابع للعلماء والقامات والمراجعات التي تتم صناعتها وبناؤها من الأنظمة لتحقيق غاياتها في إحكام السيطرة على الشعوب.
فأسهل الطرق للسيطرة على الشعوب أن تجعل لها مرجعيات أو بابويات تضفي عليها القداسة وهالة الاحترام والإكبار، ثم من خلالها تستطيع قيادة الناس إلى الجهة التي تريد والوجهة التي تناسبك بكل بساطة وأريحية. وهذا ما فعلته الأنظمة في بلاد المسلمين.
فجاءت تلك المرجعيات، لتفتي بحرمة الخروج على الحكام، وجواز طاعتهم حتى في المعصية من باب أهون الشرور ودرء الفتن، وتجيز للحكام الحكم بغير الإسلام بحكم الضرورة وعدم القدرة، وتجيز للأنظمة مشاركة الكفار في الحرب على المسلمين، في العراق والشيشان وأفغانستان، وتحرم على الناس الأحزاب والتكتلات حتى لا يتشكل جسم يستطيع خلخلة النظام، وتفتي كذلك بجواز الربا والبنوك الربوية وما يسمى بالبنوك الإسلامية بحكم الضرورة ونظام الحياة المعاصر، وتجيز للحكام منع الزواج دون سن الثامنة عشرة، وغيرها الكثير من الفتاوى والأفكار التي تطول قائمتها.
وبذلك تكون الأنظمة قد صنعت للناس أصناما ليعبدوها من دون الله دون أن يحسوا بذلك، بل منهم من يظن أنه باتباعه لفتاوى أولئك العلماء قد أحسن صنعا وعبد الله. وهذه كارثة.
تأملوا معي حديث رسول الله ﷺ، إذ «قدمَ عليه عديُّ بنُ حاتمٍ وهو نصرانيٌّ فسمعه يقرأُ هذه الآيةَ: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ قال: فقلتُ له: إنَّا لسنا نعبدُهم، قال: أليسَ يحرمونَ ما أحلَّ اللهُ فتحرِّمونَه، ويحلُّونَ ما حرَّمَ اللهُ فتحلُّونَه؟ قال: قلتُ: بلى، قال: فتلك عبادتُهم».
فواضح من الحديث النبوي الشريف أن مسألة التحليل والتحريم مسألة ليست سهلة، فهي منازعة لرب الأرباب، وواضح أن من يأخذها من عند غير الله يقع في مصيبة كبيرة.
لذلك فإن مسألة التساهل في التسليم للعالم أو الفقيه أو المفتي مسألة خطيرة، فكما أن الإنسان في أمور حياته تجده يجتهد ويجتهد في أن يصيب الخير ويحقق النجاح ولا يتخذ قرارا حتى لو يسيرا إلا بعد إمعان نظر، ويحرص على ألا يضحك عليه أحد أو يستغفله، فإن الأصل أن يكون حرصه في أمور الدين أشد وأشد.
فلا يجوز للمسلم أن يأخذ دينه عن عالم لمجرد صفته ولقبه وبروزه، بل يجب عليه أن يتحرى أن يأخذه عن الأتقى والأنقى والأعلم. فلا تكفي غزارة العلم مثلا دون التقوى. لذلك قال الغزالي رحمه الله: ولو كان في العلم دون التقى شرف *** لكان أشرف خلق الله إبليس. فلا ينخدعن أحد بالشهادات والألقاب التي صنعت ووضعت لكثير من العلماء والهيئات، بل إن أبرزها وضعت لغاية إفساد الدين على الناس.
وأختم بقول ابن سيرين رحمه الله، في صحيح مسلم عن محمد بن سيرين قال: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم".
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس باهر صالح
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير