ندواتُ العنف الأسري تهويلٌ وتصنيعُ وقائع
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
تطالعنا وسائل الإعلام من البلاد الإسلامية بندوات تنعقد بصورة دورية لا تتخطاها العين عن العنف الأسري؛ في السعودية والعراق والإمارات والمغرب والسودان، وجميعها تناقش أوضاع المرأة والأسرة وتخرج بتوصيات مقررة مسبقاً، تتشابه هذه التوصيات فيما بينها لدرجة التطابق وتلفها هالة من التضخيم الذي يحوط طرح القضايا التي تعاني منها المرأة والأسرة في هذه البلدان! وتلفت الانتباه على واقع واحد متفاوت في الأرقام متشابه في المضمون (صحيفة الخرطوم) يوم 2013/11/15م، فقد كشف مدير دائرة الجنايات بالخرطوم اللواء شرطة محمد أحمد علي، عن تلقي الشرطة أكثر من بلاغ يوميا حول التحرش الجنسي والاغتصاب تجاه الأطفال، معتبراً أن الأمر خطير يحتاج إلى وقفة المجتمع بأسره لمحاربة ومعاقبة وكشف مرتكبي هذه الأفعال وتكثيف الجهود الشرطية للكشف عن هذه الجرائم ومحاربتها. ونادى في حديثه في ندوة حول العنف الأسري من منظور اجتماعي ونفسي وقانوني أمس والتي نظمها مركز دراسات المجتمع "مدا" بتكامل الأدوار بين الشرطة والمواطن لحماية الأطفال من العنف الأسري والمجتمعي.
من جانبها أشارت الأستاذة / شذى الأمين ممثلة وحدة حماية الطفل إلى وجود عنف غير مجرَّم بسبب عدم وجود نصوص في القانون السوداني تعاقب على مثل هذه الأفعال، معتبرا عدم تناسب عقوبة الحرق بماء النار مع الفعل.
الصخب الإعلامي للأمور الهامشية والسطحية ليس من قبيل المبالغات الإعلامية، ولا الحرص على التفرد بطرح معلومات غريبة أو مستنكرة مثلاً؛ بل هي خطة مدروسة لإشغال الجماهير عن قضاياها الحقيقية. وتتعمد بعض الجهات التي تتبع مؤسسات اجتماعية أجنبية بمعالجة بعض القضايا الهامشية وتضخيم بعض الظواهر لتشغل الأفواه الجائعة عن سؤال كبير ومهم لماذا هي جائعة وخيرات الدنيا في بلادها؟
فختان البنات صار مشكلة عظيمة تتطلب عملاً وتكاتفاً شعبياً، كما تسوّق له هذه الجمعيات المأجورة، بل أصبح انتخاب المرأة انتصارا ولا أحد يسأل: ما الذي يقدمه انتخاب امرأة في بلد يئنّ تحت وطأة الفقر والتهميش في ظل الفساد الإداري والسياسي والاقتصادي؟ هذا العبث والصخب الإعلامي للأمور الهامشية والسطحية ليس من قبيل المبالغات الإعلامية ولا الحرص على التفرد بطرح معلومات غريبة أو مستنكرة مثلاً؛ بل هي خطة مدروسة لإشغال الجماهير عن قضاياها وإلا فليأت أحدهم بدليل على حدوث ما يطرح في الإعلام وفي ندوات العنف الأسري، ليبرهن لنا على أنها ظاهرة متفشية لنغالط أنفسنا ونحن نعيش في هذه المجتمعات لنصدق ما يقولون ونكذب أعيننا التي ترى رغم الإفساد الذي يمارس علينا بطرق ممنهجة في الإعلام والمناهج التعليمية. فما زالت مجتمعاتنا تتكون من أسر تحترم بعضها بعضا وما يحدث هو نشاز، وهو نتاج الغزو الفكري والإعلامي الذي يرمي لتفكيك المجتمع وإفساد لبنة الأسرة المتماسكة بدعوى الاستقلالية، ومع ذلك فواقعنا لا يقارن بمجتمعات الغرب؛ ففي فرنسا بالتحديد معقل الديمقراطية والتحرر الذي تسوقه هذه الندوات على أنه الترياق الوحيد للعنف الأسري، في عام 2006م تقرير لمنظمة العفو الدولية بمثابة صاعقة وفضيحة على المجتمع الفرنسي؛ إذ أظهر أنّ امرأة تموت كل أربعة أيام في فرنسا بسبب العنف الجسدي الممارس من شريكها، وأنّ امرأة واحدة من بين عشر نساء هي ضحية العنف الأسري. وتعدّى التقرير الأرقام ليتعمق في موضوع «ردّ السلطات الفرنسية على هذا العنف». فكشف عن «غياب كامل لوسائل الوقاية من هذا العنف وعجز في قدرات دور رعاية الضحايا، ونقص في تدريب الشرطة والأطباء والقضاة... ولكن مع ذلك لم نسمع في الإعلام عن ندوات تقام بفرنسا عن العنف الأسري على غرار العمل الممنهج الذي يصدر تقارير الندوات المأجورة في بلاد المسلمين بدعم من الأنظمة ورعايتها والتي في أغلبها تهويل وتصنيع لوقائع لتكون مسوّغًا لقوانين وتشريعات تزيد الطين بلة؛ مثل قانون حماية الطفل في السودان 2010م والذي هو نسخة من الثقافة الدولية لحماية الطفل الذي لم يحل عنفاً، بل زاده، لأنه أصبح بإمكانه فعل كل ما يريد في مأمن عن الوالدين وحضهم إياه على الطريق الصحيح، ولا يستبعد بعد ذلك أن نسمع بأن الحكومة انتزعت طفلاً من والديه لأنه أبلغ الشرطة عن معاملتهما كما يحدث في الغرب. أهكذا يعالج العنف (يا عقلاء) أم يزيد! ﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾.
إن عمل هذه الندوات مربوط بهيئة الأمم المتحدة التي ترعاها الحكومات الخاضعة لاتفاقيات معها، تقلب موازين المجتمع رأسًا على عقب، وعمل دؤوب لمنظمات مشبوهة تخدم أجندة الغرب الكافر، ومع الأسف تحظى بتأييد أكاديمي وقانوني من بعض أساتذة الجامعات ورجال القانون وعلماء السلاطين ممن يوافقون هواهم؛ وهناك تُلوى أعناق النصوص لتوافق الرغبات المتمردة على بناء الأسرة الأول، والتي تصب في آخرها في مصلحة الأجندة الغربية الرأسمالية، ولا تراعي أبداً مصلحة للأسرة المسلمة.
هذه الأجواء الضاغطة باتجاه تغريب الأسرة وسلخها عن هويتها لا بد أن نرفع الصوت عالياً بأن العنف الأسري نتاج القيم الرأسمالية النفعية وأنه لا بد من تطبيق تشريعات الإسلام كاملة لتخلق توازناً وتنتج المودة والرحمة وأن المناداة بقانون وضعي لوقف العنف الأسري هو العنف بعينه.
إن ما تعانيه الأسرة من عنف ناتج عن عدم تطبيق الإسلام وأنظمته وغضب أوجبه الله سبحانه وتعالى علينا، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾. والحل في دولة تطبق شرع الله لتضع البلسم الشافي لما يعانيه المجتمع، وتحمل هذه المعالجة الربانية لتخرج الغرب الرأسمالي من الدرك الذي تردى فيه.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم أواب غادة عبد الجبار