ارتفاع معدلات الطلاق في السعودية... الأسباب والعلاج
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أفادت دراسة سعودية وفقا لبيانات صادرة عن وزارة العدل السعودية أن حالات الطلاق في المملكة ارتفعت إلى أكثر من 30 ألف حالة خلال عام 2012، لتبلغ 82 حالة في اليوم، بمعدل 3 حالات طلاق في الساعة الواحدة. وبحسب الدراسة، التي قامت بها وحدة التقارير الاقتصادية في صحيفة "الاقتصادية" فقد بلغ معدل حالات الطلاق في السعودية في 2012 نحو 2.5 حالة لكل ألف نسمة فوق سن 15 سنة من الذكور في العام نفسه، لتحتل بذلك الترتيب الثاني بين دول مجلس التعاون الخليجي بعد البحرين التي بلغ المعدل فيها نحو 2.7 حالة طلاق لكل ألف من الذكور فوق 15 سنة. كما جاءت السعودية في الترتيب الثاني أيضا من حيث نسبة طلاق المواطنين من إجمالي حالات الطلاق لكل دولة بنسبة 92% بعد سلطنة عمان التي بلغت النسبة فيها 96%. وأصدرت وزارة العدل السعودية تقريرا إحصائيا في وقت سابق اعتبرت فيه أن هناك 4 حالات خلع يوميا على مستوى المملكة.
وتشير الدراسات إلى أن معظم حالات الطلاق تحدث في السنوات الأولى من الزواج أو بعد مرور فترة قصيرة من عمر الزواج.
إن هذه الأرقام والإحصائيات المخيفة تجعلنا نتساءل ما الذي أوصل العلاقات الأسرية في السعودية إلى هذا الوضع المتردي؟
لا شك أن ثمة أسباباً متعددة وراء هذا الارتفاع الكبير في معدلات الطلاق في الأسر السعودية، لكن أهم هذه الأسباب هو البعد عن الدين واستبدال القيم والمفاهيم الرأسمالية بالقيم والمفاهيم الإسلامية التي تجعل الحياة الزوجية قائمة على المودة والرحمة وحسن العشرة، تلك القيم والمفاهيم الرأسمالية التي لا تقيم وزنا إلا للقيمة المادية، فتعتبر المرأة نداً للرجل يتنافسان من أجل إثبات الذات، ولذلك خرجت المرأة لتعمل وتحقق استقلالها الاقتصادي كي لا تدع مجالاً للرجل ليتحكم فيها من الناحية الاقتصادية. فعملت ساعات طويلة بغض النظر عن الضرر الذي سيلحق بالأطفال وتماسك الأسرة بحيث أصبح ارتباطها بالعمل والمادة أكثر وثوقا من ارتباطها بالبيت. حتى إن بعض نساء السعودية قد رفعن شعار "أعطِني حريتي وأطلق يدي" لإعادة كرامتهن التي اعتبرن أنها اُهدرت باسم الزواج، وليتمتعن بالاستقلالية التي فقدنها نتيجة لسطوة الزوج وعجرفته!
وقد كان من سيادة النظرة المادية المنبثقة من النظام الرأسمالي أن اختلفت مقاييس اختيار الزوجين، حيث أصبح مقياس اختيار المرأة مقياساً مادياً بدلاً من مقياس الإسلام الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»، وأصبح مقياس اختيار الزوج هو المال والمكانة الاجتماعية بدلاً من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير».
ويشير الباحثون إلى أن أحد أهم الأسباب المؤدية للطلاق حالياً في السعودية، هو (الخيانة الزوجية)، خاصة بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي أمثال "تويتر" و"فيسبوك" و"واتساب"، حيث أصبح من السهل تكوين صداقات وعلاقات لم يكن متعارفاً عليها في السعودية من قبل، فإنشاء مثل هذه العلاقات بين الشباب والفتيات آت من المفاهيم الغربية التي تدعو للاختلاط بين الجنسين، وتعتبر هذه العلاقات ضرباً من الحرية الشخصية.
ومن الأسباب التي أدت أيضاً إلى ارتفاع معدلات الطلاق في السعودية، عدم فهم كثير من الشباب والفتيات المقبلين على الزواج لمعنى الزواج وتحمل المسؤولية وإنشاء أسرة، فبعض الفتيات تظن الزواج عبارة عن ثوب زفاف، ومجوهرات وبيت...الخ، وبعض الشباب يريد أن يتزوج ليفرح العائلة، أو ليقتدي بأصحابه، بل إن بعضهم رسم صورة خيالية غير واقعية للحياة الزوجية من خلال ما يشاهده من مسلسلات وأفلام، فالزوج شاب وسيم أنيق غني مترف يحضر الهدايا لزوجته بمناسبة وبلا مناسبة، والزوجة امرأة جميلة حسناء فاتنة جذابة، متفرغة للحفلات والنوادي والسفر مع زوجها، وكأن هذه المرأة لا تعرف حملاً ولا وضعاً ولا رضاعا ولا تربية أبناء، وكأن هذا الزوج لا يعرف نفقة ولا مسؤولية ولا تربية أبناء، وسرعان ما يصطدم هؤلاء الشباب بالواقع ويحدث الطلاق.
إن هذه النسب المرتفعة في معدلات الطلاق لم تكن لتوجد لو كانت أحكام الإسلام مطبقة، فالإسلام وإن كان قد أباح الطلاق فقد جعله أبغض الحلال إلى الله تعالى كما في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق»، فقد حرص الإسلام على وحدة الأسرة وعدم تفككها، فشرع حلولاً عملية يستهدي بها كل من الزوج والزوجة في حال استفحال الخلاف والشقاق بينهما تبدأ من الوعظ، وأن يهجر وأن يؤدب، وإذا اشتد الخلاف بينهما فيختار كل منهما حَكَما لحل المشكلات الناشئة بينهما، وقد رغَّب القرآن الكريم في إمساك الزوجة المكروهة من زوجها، والصبر عليها، إبقاءً على الأسرة، وحرصا على استمرارها. قال تعالى: ﴿وعاشروهن بالمعروف، فإن كرهتموهن، فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا﴾ [النساء:19].
كما أن الأحكام الشرعية قد حددت لكل واحد من الزوجين ما له من حقوق وما عليه من واجبات، لو التزما بها، لعاش الجميع حياة آمنة مستقرة لا تعرف القلق والاضطراب، ولا تقف على حافة الهاوية مترقبة أو متفادية هذا الكابوس المزعج الذي يدمر أمن الأسر واستقرارها.
لقد كان المجتمع الإسلامي أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وأيام الدولة الإسلامية، نموذجاً للترابط الأسري والحياة المستقرة نتيجة تطبيق أحكام الإسلام، ولكن بعدما غابت شمس دولة الإسلام، حكمنا الطواغيت بأنظمة وضعية، فقدنا في ظلها الاستقرار والأمان، وحل محله الشقاء في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وإذا ما أردنا للمجتمع أن يعود كما كان أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وأيام خلفائه الراشدين، فلا بد لنا من العمل على إيجاد أحكام الإسلام في واقع الحياة وذلك بإقامة الخلافة الراشدة.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أختكم براءة