الثلاثاء، 10 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/12م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

  أصابع الأخطبوط في تونس تمتدّ برّا وبحرا وجوّا وتصل إلى ما فوق الأرض وما تحتها

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لم تكتف "بتروفاك" و"بريتش غاز" و"شال" وغيرها من الشركات البريطانية بالثروات التونسية المعتادة كالنفط والغاز الطبيعي في البرّ والبحر.


ولم تكتف الشركات البريطانية العملاقة باستغلال هذه الثروات ونهبها بنسبة تصل في بعض الأحيان إلى 100%، أي الملكية التامة لهذه الثروة.


ولم تكتف كذلك باستنزاف ثروة البلاد بالحصول على حق استغلال الحقول ونهبها مدّة تصل إلى أكثر من ثلاثين سنة، أي العمر الإنتاجي لها، كي تسلّمها إلى أهلها قاعًا صفصفًا.


ولم تكتف أيضا بجعل هذا النهب والاستنزاف منظّما بحيث يستظلّ بمظلة قانونية ويحتمي بمؤسسات تابعة للدولة.


لم تكتف بكل ذلك، ولم يسعها البر والبحر، وإنّما توجهت ببصرها إلى ما فوق الأرض والبحر وما تحتهما.


توجهت بريطانيا إلى سماء تونس حيث الشمس التي حبا الله هذه البلاد لاستغلال طاقتها، وأعدّت العدة لتقيم لها أضخم مشروع في أفريقيا وأكبر استثمار للطاقة الشمسية في العالم، لتصدّرها إلى أوروبا عبر مشروع "تونور" في الجنوب التونسي، وكعادة الحكومة التونسية وسابقاتها، عليها توفير الأرض والبنية التّحتية الجاهزة والعمالة الماهرة الرّخيصة للمشروع، في مقابل فتات المائدة، وشرف التصفيق على المشروع، وضمان بقاء المصفقين على الكراسي المعوجة، وسوف يقع استغلال المشروع كالعادة أيضا إلى حدّ الاستنزاف التّام، كي تُسلّم لنا المعدّات والأجهزة رُكاما من الخردة والزبالة لنقيم لها مشروعا ضخما يحفظ هذه الفضلات.


لم يقف الحدّ بالشركات البريطانية عند هذا المدى، وإنّما تجاوز البرّ والبحر والجوّ إلى أعماق أعماق الأرض، حيث صخرة الشيست، والاستعداد لتطبيق تقنيات التكسير الهيدروليكي عليها، واستخراج الغاز الموجود بها، وبطريقة النهب والاستنزاف كالعادة طبعا، ولكن هذه المرّة تتجاوز العملية النّهب والاستنزاف للثروة المعتادة، إلى استنزاف الثروة المائية الموجودة بالمائدة السطحية، باستخراجها واستعمالها كمادة هيدروليكية لعملية التكسير الهيدروليكي بما يصل إلى عشرين ألف متر مكعب للبئر الواحدة، وتدمير ما تبقى من هذه المائدة بما يتسرب لها من غازات سامّة تستعمل كمواد إضافية أثناء عملية التكسير الهيدروليكي، ومن ثمّ تلوث الماء الصالح للشرب وتسميمه، وبعد ذلك تلويث البيئة والمحيط وسطح الأرض بالكمية الضخمة من الغازات المتبقية والمياه المرتجعة والمنتجة الملوثة بالغازات السّامة.


إنّ تقنية التكسير الهيدروليكي هي التقنية الوحيدة المتاحة إلى حدّ الآن لاستخراج الغاز الصخري، ونتائج استعمال هذه التقنية كارثية ومدمّرة، وهذا الأمر ثابت ومؤكد على الميدان في أمريكا، كما هو ثابت ومؤكد أيضا على لسان الخبراء وأهل الاختصاص، وكما يُقرّ بذلك الأمريكيون والأوروبيون وشركاتهم العملاقة، وقد أدّى الوعي على هذه النتائج إلى اندلاع المظاهرات العارمة في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وكندا ورومانيا وغيرها من بلاد العالم.


لقد منحت الحكومة التونسية موافقتها لشركة "شال" البريطانية لاستغلال الغاز الصخري في تونس، والاستعداد لحفر 742 بئرا بالقيروان، على مساحة تمتدّ إلى 378 ألف هكتار على مدى 50 سنة، وقد صرحت الشركة عزمها على استعمال تقنية التكسير الهيدروليكي لاستخراج الغاز من الصخرة.


إنّ مثل هذه الأرقام تُحيل الأذهان إلى تصوّر حجم الأضرار والخسائر التي ستصيب البلاد والعباد، كما تُصوّر لنا مدى استهتار هذه الحكومة بشعبها، ومدى استعدادها للتفريط في هذه البلاد، ويزداد هذا التصوّر حدّة عندما نعلم أنّ نصيب الشركة البريطانية من هذه الثروة هو 85% ابتداء، وأنّ هذه الرخصة تأتي متزامنة مع رفض الشعب الإنجليزي استخراج الغاز الصخري في بلاده بتقنية التكسير الهيدروليكي، رغم عرض الحكومة البريطانية تخفيض الضرائب بنسبة 50% على هذا الغاز، كما تأتي متزامنة مع قرار شركة "شيفرون" الأمريكية وقف مشاريعها الخاصة باستغلال الغاز الصخري في رومانيا، كما تتزامن أيضا مع مصادقة البرلمان الفرنسي على قانون 13 جويلية 2011 الذي يمنع نهائيا استعمال تقنية التكسير الهيدروليكي على الأراضي الفرنسية.


إنّ الحكومة في تونس تعلم الحصاد المرّ لهذا المشروع، فهي تعلم أنّ عشرين ألف متر مكعب من الماء تساوي عشرين مليون لتر، وهو ما يعادل الاستهلاك اليومي للشعب التونسي من ماء الشرب بمعدّل لترين للفرد، وتعلم أنّ ولاية القيروان تقع في المنطقة التي تتجمّع فيها أهمّ منابع المياه المعدنية في البلاد، كما تقع في المنطقة المعرضة للزلزال أكثر من أي منطقة أخرى في تونس، وهي تعلم كذلك أنّ عائدات المشروع لن تكفي تكلفة لعلاج الأمراض التي قد تصيب الإنسان والحيوان من جرّاء المواد الكيماوية التي لا غنى عنها للمشروع، والتي تحتوي على عناصر سرطانية، وعناصر من شأنها أن تسبب اضطرابات هرمونية خطيرة، وهي تعلم أيضا تفصيلات أخرى دقيقة يعلمها أهل الاختصاص.


عندما تقدم الحكومة التونسية على مثل هذا المشروع وهي تعلم ذلك، وعندما يكون المشروع من نصيب الإنجليز، ندرك أنّ الاستراتيجية المرسومة لاستثمار الغاز الصخري في تونس تندرج ضمن مخطط أدقّ وأشمل من مجرّد استثمار.


لكنّ الحكومة التونسية أعجز من أن تصارح الشعب التونسي بالحقيقة، فهي ترتكب الجريمة، وتتخذ من العجز الطاقي، والاستثمار، ونقل التكنولوجيا، والتنمية، وإحداث مواطن شغل جديدة، شعارات وذريعة لذلك، وتوهم النّاس بأنّ هذه مصلحتهم.


وعندما يُرسي المشروع على شركة بريطانية مثل "شال"، تتذرّع بأنّ هذه شركة من الشركات البترولية العملاقة، ذات القدرات التقنية العالية والمتطورة، وهي تتمتع بقدرة مالية فائقة، ومثل هذه الشركة جديرة بأن تحافظ على البيئة والمحيط، وتعتمد المعايير البيئية المتشدّدة، وتحترم المواصفات العالمية المتعلقة بذلك، وتفي بالعهود والمواثيق المبرمة، وبوجودها تضع خبرتها العالية في متناول شبابنا الناشط في القطاع، وفوق ذلك تُضفي على الاقتصاد التونسي نوعا من الثقة لدى المستثمرين الأجانب، مما يدفعهم للقدوم للاستثمار في بلادنا، وتنشيط اقتصادنا بما يجعلنا قادرين على مواجهة آفة البطالة والفقر!!


هذه ذرائع الحكومة، وهي في حقيقة الأمر مجرّد مغالطات وكذب مفضوح، وهي بمثابة ذرّ الرماد في العيون.


أمّا بالنسبة للعجز الطاقي، إذا صحّ، فسببه العجز السياسي لهذه الحكومة وسابقاتها، هذا العجز الذي مكّن الشركات الاستعمارية من نهب واستنزاف ثروات البلاد، ولا يزال يُمكّن لها، وهذا العجز هو الذي حول الفائض الطاقي إلى عجز طاقي، فكيف يُعالج هذا العجز بالتمكين أكثر لمن ينهب ويستنزف طاقة البلاد؟!


وأمّا بالنسبة للاستثمار ونقل التكنولوجيا، فمن المعلوم أنّ الشركات الاستعمارية تعمل بطريقة تمكّنها من إحكام السيطرة وضمان مصالحها فقط، ولا تسمح بنقل التكنولوجيا بهذه البساطة، وإنّما تحتكرها لنفسها دون سواها.


وأمّا بالنسبة للتنمية وإحداث مواطن شغل جديدة، فإنّه محض كذب، إذ المعلوم أنّ قطاع الطاقة والمناجم في تونس يتميّز بالانتقائية وضعف المقدرة التشغيلية، كما أنّ الشركات البترولية التي نشطت وتنشط الآن في تونس، لم توجد أيّ حركية لا على مستوى التنمية، ولا على مستوى التشغيل.


وأمّا بالنسبة لشركة "شال"، فإنّ الحكومة تَسْتَبْلِهُ شعبَها، وتحسب أنّها تصف مجهولا، فتاريخ شركة "شال" وغيرها من الشركات البترولية يشهد بأنّ حقيقتها على عكس ما وصفت الحكومة تماما، والكارثة البيئية التي حلّت بنيجيريا من وراء "شال" يكفي للاستدلال على ذلك.


لقد كانت الشركات البريطانية في عهد بورقيبة وبن علي من بعده، تقوم بأعمالها في صمت مطبق، دون أن تلفت انتباه أحد لها، لكنّها اليوم، وفي ظلّ حكومة الإسلاميين المُعدّلين تجاهر بذلك عن طريق السفير البريطاني في تونس سافرا متحدّيا، وذلك لتذليل هؤلاء المحسوبين على الإسلام وتلويثهم بتمرير المشاريع المحظورة والمدمّرة على أيديهم لتنفّر النّاس منهم ومن ثمّ من الإسلام على طريقة "وداوني بالتي كانت هي الدّاء".

 

 


كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس فتحي المرواني / تونس

 

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع