الخميس، 19 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/21م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

هل تنجح المؤامرات الغربية ضد المسلمين في تونس؟

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لقد تميزت تونس في التاريخ الإسلامي قديما وحديثا بجهادها وقادتها العظام، وبوقوفها كالطود الشامخ في وجه الاستعمار الأول، وتميزت أيضا بعطائها العلمي وانتشار المراكز العلمية المشهورة في أرضها مثل الزيتونة والقيروان وغيرها... وتألق هذا البلد المعطاء في الثورات الحديثة ضد الظلم والاستبداد والقهر والتسلط، الذي مورس وما زال يمارس في كل بلاد المسلمين...


فكانت تونس برجالها ونسائها مفتاحا طيبا كسر إرادة الظلم، وذلك بالتجرؤ على الوقوف في وجهه ثم قلعه من أرضها، وتمثل بالثورة العملاقة التي أرغمت الحاكم المستبد "بن علي" وبعض زمرته على الفرار من أرض تونس الطاهرة...


ولكن الغرب بحقده وخبثه أراد أن يقلب الأمور، ويغيّر مجراها حتى لا يقطف الشعب التونسي العظيم ثمرة تضحياته بالشكل الصحيح... فماذا فعلت الدول الغربية الكافرة لحرف الثورة في تونس عن مسارها الصحيح، وإلهائها بأمور جانبية لا تسمن ولا تغني من جوع؟!


إن هذا السؤال يرجعنا إلى الوراء قليلا عندما ثار شعب تونس العظيم في زمن الاستعمار (1981- 1963) واستطاع بجهاده وشهدائه وقادته العظام أن يطرد الاستعمار، لكنه لم يستطع أن يقطف الثمرة بالشكل الصحيح بسبب دهاء الاستعمار وخبثه ومكره، وفي الوقت نفسه بسبب عدم تبلور الهدف المراد عند الشعب، وطريقة إيجاد هذا الهدف في أرض الواقع، وإنما كان جل اهتمام الشعب هو الانعتاق من الاستعمار دون تحديد شكل البلاد بعد المستعمر، ولا الفكر الذي سيسير عليه الناس بعد هذه المرحلة الحاسمة، ولا الطريقة التي سيختار فيها من يحكمه ويقوده... لذلك استطاع الاستعمار أن يأخذ بمقود القيادة في هذه الدول - سياسيا - بعد أن خرج منها عسكريا، وذلك عن طريق العملاء السياسيين الذين تقمّصوا ولبسوا لباس الثورة والحرية وغير ذلك من شعارات براقة، كانت تخفى على الناس نتيجة سير هذه القيادات خلف هذه الشعارات، فظلت تونس منذ تلك الحقبة - كسائر البلاد التي تحررت - تُحكم بعملاء سياسيين للغرب، كلما ذهب عميل ورثه عميل آخر بطريقة أو بأخرى؛ إما بالانقلاب أو بتزوير الانتخابات، أو بالقمع والقهر... وكان آخر هذه الحقبة الرئيس المخلوع "بن علي".


والحقيقة أن ما جرى في ثورة تونس الأخيرة يشبه إلى حد بعيد ما جرى في الاستعمار الأول (الفرنسي)؛ من حيث اندفاع الناس وثورتهم ضد الظلم والقهر والتسلط، ويختلف قليلا في المرحلة الحالية بوجود الأحزاب الإسلامية التي تعمل لإيصال الفكر الحضاري الإسلامي إلى سدة الحكم، وبوجود قطاع واسع من الأمة يؤيد هذا المشروع الحضاري.


والسؤال هنا هل يمكن لهذا المشروع الحضاري العظيم أن ينطلق من أرض تونس؟ وما هي المعوقات التي تقف في طريقه الآن؟ وكيف يمكن للواعين المخلصين أن يتغلبوا على هذه المعوقات؟


وللإجابة عن هذا السؤال المهم في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ تونس أقول:


إن المشروع الحضاري الإسلامي يمكن له أن ينطلق من أي أرض إسلامية في بلاد المسلمين، لا تخضع مباشرة للاستعمار العسكري، ويمكن أن تكون نقطة ارتكاز، ثم انطلاق إلى الدول المجاورة، والسبب هو أن جلَّ الناس الموجودين في هذه البلاد - إن لم يكن كلهم - يريد الإسلام ويؤيده ويطالب بحكم الإسلام، لكن هذا الأمر خطير على الاستعمار، ويكيد له بكل السبل ويحاول جاهدا تضليل أهله عنه كي لا يصل إلى دائرته الصحيحة.


والحقيقة أن الدول الاستعمارية وضعت وما زالت تضع العقبات واحدة تلو الأخرى في تونس، وأيضا ضللت وما زالت تضلل الناس عن الهدف الصحيح، ومن هذه العقبات التي يضعها الاستعمار الغربي في وجه الشعب التونسي العظيم لثنيه من هدفه السامي:


1. تشويه صورة الفكر الإسلامي ومن يحمله من المسلمين:


وهذا ظاهر من خلال ما تقوم به السلطة الحاكمة في تونس، وما تقوم به وسائل الإعلام المسمومة داخل تونس وخارجها، وما تقوم به أيضا الأحزاب المأجورة من تصوير الأحزاب الإسلامية والتجمعات على أنها تريد إرجاع تونس إلى عصور التأخر والانحطاط، أو تريد أن تقيّد حريات الناس وتكبتهم، وغير ذلك من افتراءات على دين الله وعلى المسلمين.


2. إبراز موضوع المرأة والتجمعات النسوية داخل تونس، والقول - كذبا وبهتانا - بأن نساء تونس متحررات على النمط الغربي، ولا يردن تطبيق أحكام الشرع التي تفرض قيودا على اللباس، وعلى علاقة المرأة مع الرجل أو المجتمع بشكل عام، وقد شجعت بعض الجهات السياسية في الداخل والخارج مجموعة من النساء في أكثر من مناسبة للتظاهر وإبراز موضوع "الكبت الديني" حسب زعمهم، وأن هؤلاء النسوة يطالبن بالتحرر والديمقراطية على منوال الغرب.


3. مساعدة بعض القادة السياسيين للوصول للحكم عن طريق الانتخابات ومساندة العسكر، وإظهار هؤلاء القادة على أنهم يمثلون رغبة الشعب الدينية، وأنهم أيضا يمثلون الإسلام السياسي في تونس، وهذا الأمر ظهر في وصول حركة النهضة وإظهارها للإسلام السياسي على أنه النظام الديمقراطي والحريات، ولم تغير هذه الحركة في جوهر الأمور شيئا؛ لا من ناحية القوانين ولا من ناحية العلاقات الخارجية، ولا من ناحية تتعلق بالحياة السياسية داخليا وخارجيا، وإنما شوهت مفهوم الدين عند عامة الناس وقلبت الأفكار، وزادت الفقر في البلاد، ولم تستطع إحداث أي تغيير جذري ملموس على أساس الدين، لدرجة أن الناس صاروا يرفضون هذه الحكومة، ومنهم من يرفض الدين على هذه الشاكلة البئيسة، مما أوقع البلاد في أزمات سياسية جديدة، وفتح البلاد على التدخلات الخارجية تتلاعب بها الدول الكبرى كما تشاء.


4. ربط البلاد اقتصاديا بالغرب تماما كما كان الأمر في السابق، وذلك عن طريق الاقتراض من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وإعطاء امتيازات للتنقيب عن الثروات وخاصة الغاز الصخري، وهذا الأمر جعل البلاد رهينة للتدخلات والإملاءات الغربية، يضع عليها الغربيون الشروط الاقتصادية والسياسية التي يريدون بحجة أن البلاد مقبلة على أزمات اقتصادية.


5. إيجاد الفتن والشروخ بين شرائح المجتمع؛ وذلك بالتصفيات الجسدية لبعض القادة السياسيين، وهذا الأمر يعمد إليه الاستعمار باستمرار في البلاد التي تقوم ضده، وقد استخدم هذا الأسلوب في الجزائر ويستخدمه الآن في مصر، وها هو يستخدمه داخل تونس عن طريق أيدٍ مرتبطة بالنظام السابق، كي يشغل الناس عن الهدف الأصلي وهو إنقاذ البلاد والأخذ بيدها إلى بر الأمان.


6. تحييد الجيش والعسكر عن الأحداث حتى لا يتدخل في حسم الأمور مستقبلا لصالح إنقاذ البلاد، وفرض التغيير بالقوة بسبب الفتن وتسلط العملاء السياسيين على البلد.


وهذا الأسلوب يستخدمه الاستعمار دائماً في البلاد التي تكثر فيها الثورات، فإما أن يحيّد الجيش حتى لا يحسم الأمر في اتجاه معين كما جرى في إيران، وإمّا أن يجعل الجيش سيفاً مسلطاً على الناس يتحكم بأمورهم كما هو الحال في مصر اليوم ، وكلا الأمرين شر من الآخر..


هذه أبرز العقبات والمعوقات التي تواجه المخلصين من حملة الدعوة داخل تونس لأخذ الرأي العام المنبثق من الوعي العام على الإسلام داخل تونس، فهل ستنجح القوى الاستعمارية ومن يساندها من أيد آثمة في الداخل في تضليل الشعب التونسي عن هدفه الأصيل إلى ما لا نهاية؟! أم أن الأمور ستكون غيمة صيف سرعان ما تنقشع ليظهر نور الشمس وضاحا وضاءً أمام المسلمين من أهل تونس؟ وفي الوقت نفسه كيف يعمل حملة الدعوة على تسريع الأمور نحو هذا الهدف العظيم بإعادة تونس إلى أصالتها وإلى تاريخها وحضارتها؟


إنّ هذا الخداع لن يطول أمره على شعب تونس المعطاء بإذن الله، حتى ولو تغيرت أساليبه وتعددت وسائله، والسبب هو أن هذا الشعب يرفض الذلّ والظلم ويحب الإسلام، وإن كان قسم منه لا يعرف حقائق الأمور فإنه سرعان ما سيعرفها بعد أن تُبين ويرى أثرها في أرض الواقع... وخاصة أن أساليب الاستعمار ضعيفة ورخيصة، ولا تناسب طموح المسلمين وغاياتهم النبيلة.


هذا من ناحية ومن ناحية ثانية فإن الخداع لا يطول أمره، وسرعان ما سينكشف ستره، والأحزاب المأجورة مهما غيّرت لونها وتظاهرت بأنها تريد خدمة الشعب فإن الشعب سيعرف ذلك من خلال الأحداث والنتائج على أرض الواقع.


فقد خُدع الشعب الجزائريّ بداية الأمر بما تصنعه الأيدي الآثمة من مجازر ولكنه سرعان ما عرف الحقيقة بأن أيدي النظام هي التي تفتعل الأحداث، وخُدع قسم من شعب مصر في البداية بما يقدّمه العسكر بأن الإسلام هو السبب في الأزمات، وفي عدم الأمن والأمان، ولكنه سرعان ما اكتشف الحقيقة بأن النظام وأجهزته هم سبب كل الأزمات، وأن انعدام الأمن سببه أيضاً النظام، وأنه هو الذي يوجد الفتن...


أمّا دور حملة الدعوة في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ تونس فإنه تاريخي ومفصلي، وأن عليهم واجبًا عظيمًا في أمور عديدة تنتج عنها الوعي العام والرأي العام لصالح الإسلام ودولة الإسلام، وينتج عنها الكشف السياسي للعملاء وطرق وأساليب عملهم الشيطاني داخل الشعب التونسي، وينتج عنها أيضاً استقطاب الشعب بإعطاء ولائه لله وللإسلام ولحملة الدعوة، واستقطاب القوى الفاعلة في الجيش من أصحاب القوة لحماية المشروع الحضاري والمساعدة والوقوف لتطبيقه عملياً وحمايته من اعتداء المعتدين.


أمّا الأعمال التي يقوم بها حملة الدعوة متمثلة بما يأتي:


أولاً: العمل في كافة القطاعات الجماهيرية، وبكافة الأساليب والوسائل بأقصى طاقة ممكنة لإيجاد الرأي العام المنبثق من الوعي العام على حكم الإسلام، وما يحدثه هذا الحكم في أرض الواقع لأهل تونس ولأمة الإسلام بشكل عام.


ثانياً: كشف وفضح كل المؤامرات التي تحوكها وتضعها الدول الاستعمارية وأدواتها، وخاصة مسألة تشويه الإسلام، وإيجاد الفتن بين الناس.


ثالثاً: العمل على طرح المشروع الإسلامي بشكل لافت للنظر ومؤثر بين كل أوساط الشعب ونقض كلّ فكر خلافه وتعريته فكرياً وسياسياً أمام الجماهير.


رابعاً: كسر الحاجز ما بين الشعب ومشروعه الحضاري وبين الجيش؛ لأن الجيش هو الحامي للشعب ومشروعه الذي يضعه نظام حياة، وليس حارساً على مشاريع الاستعمار الغربي، ومحاولة إقناع القادة بهذا الأمر.


خامساً: الاتصال بالأوساط السياسية والمؤثرة داخل البلاد لتحميلهم المشروع الحضاري للإسلام وبيان المخاطر التي تحدق بالبلاد بسبب المشاريع الاستعمارية الخطيرة.


هذا بإيجاز ما يمكن أن يُفعل داخل تونس هذه الأيام - وما يتلبس به حملة الدعوة المخلصون هناك - لإزالة الغمة والتضليل عن أهلها ولإيجاد المشروع الحضاري للإسلام، وإن أهل تونس هم أهل جدّ وعطاء كما ثبت ذلك في التاريخ، وكما أثبتوا عملياً في بداية التصدي للظلم، ونأمل من العلي القدير أن تكون بداية التغيير لصالح الإسلام من أرض الزيتونة والقيروان تماماً كما كانت بداية الثورة المخلصة على الظلم من أرض تونس.


فنسأله تعالى أن يعجّل بالفرج لأمة الإسلام جميعاً إنه سميع قريب مجيب الدعاء.



كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حمد طبيب - بيت المقدس

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع