الأحد، 20 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

أهل السودان؛ اتق شر الحليم إذا غضب!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

اشتهر شعب السودان بين الشعوب الإسلامية الأخرى بحبه الشديد للإسلام والمسلمين، واشتهر بتمسكه القوي بأحكام الله سبحانه وتعالى وبحفظ القرآن الكريم وتعلمه، وانعكس ذلك في سلوكهم وأصبح رأيًا عامًّا في البلاد؛ مثل بر الوالدين واحترام الأعمام والأخوال ووجهاء القبائل وصلة الرحم والسؤال المستمر عن الأهل والجيران والأصدقاء وكرم الضيافة والبساطة وجعل "الحالة بين البيوت واحدة"، فلا يـأكل أحدهم إن كان أهله أو جيرانه جياعًا؛ فالإيثار سجية يسارع إليها الناس، وتوزيع الأكل والشرب على الجيران وتبادل الزاد لترسيخ المحبة بين الناس وتبادل الهدايا في الأعياد بقلوب صافية، فلا حسد ولا تباغض بين المسلمين وبين غير المسلمين هنا، فالجميع يعيش في طمأنينة، وكالاحترام المتبادل بين مختلف الأعمار، فلا يوجد صغير لا يحترم الشيخ الكبير، والاحترام سائد بين الرجال والنساء في الأسرة وفي المنطقة وفي المجتمع عامة، فارتداء الزي الشرعي الصحيح للفتيات وعدم الاختلاط هو الأصل بين الرجال والنساء الأجانب، وغض البصر واحترام الشاب للفتاة وتحمل مسؤولية حمايتها إن كانت من منطقته أو غيرها، فهي العرض الذي يجب أن يصان، وهو الرجل الشهم الذي يُعتمد عليه ليصون أمانات الله تعالى والمجتمع، وكان أهل السودان يحرصون على الزواج المبكر وتربية البنت على احترام الزوج وطاعته، وهذا أمر مفروغ منه لأنه حكم شرعي أصبح عرفًا عامًّا في البلاد، وكما ينشأ الصبي على صفات الرجل القوي؛ فهو الذي يشد من عضد والده ويبر أمه ويحترم أهل زوجته الطيبة ويؤدي لها كامل الحقوق والواجبات.


كما عُرف أهل السودان بالقدرة على الصبر عند الابتلاء والشفافية في المعاملات والطيبة والصبر على الأذى ومقابلة السيئة بالحسنة لعل الله يتقبل منهم؛ فهم العافون عن الناس والكاظمون الغيظ.. واشتهر المسلمون في السودان بحبهم النقي للمسلمين وفهمهم لرابطة العقيدة الإسلامية وشوقهم لتحرير فلسطين ولوحدة المسلمين، ولم يكن ذلك على المستوى الفردي أو على مستوى المجتمع، بل كان حتى على مستوى الحكم والبلد، حيث لم يرض الناس إلا بحاكم يطبق عليهم الشريعة ليطيعوه ويقبلوا به!


فكانت كل فئات المجتمع على قلب رجل واحد؛ فالهمة في العمل والإحسان في الإيمان والسعي نحو الأفضل دائما وحب العلماء واتخاذهم نماذج مشرقة من سمات الطيبين والطيبات، ولم تكن المنفعة يوما هي المتحكمة في أفكار ومفاهيم الناس..


إلا أن هذا كله قد تغير الآن! فعلى مدى عشرين سنة كشّرت الحكومة عن أنيابها وضيعت الدين ورهنت رقاب المسلمين للغرب الكافر!


فتدهورت الأوضاع الاقتصادية تدهورًا كبيرًا في السنوات الأخيرة أثر وبقوة على المجتمع في السودان وعلى أهله الطيبين؛ فأصبحت هذه القيم السامية التي عكست الهوية الإسلامية التقية النقية لأهل السودان أصبحت قيمًا لا مكان لها في بلد حكمه نظام رأسمالي فاشل أدى إلى انحطاط الفكر في السودان وإلى البعد عن الإسلام، فعمل النظام على نشر الأفكار الفاسدة، وأصبحت المنفعة أساس التعامل في العلاقات بين الناس؛ حيث جندت حكومة المؤتمر الوطني الكثير من الشباب والفتيات لكسب ولائهم، فأغرتهم بالأموال والبيوت والسيارات والوظائف، فتحولت نفسيات الناس الطيبة إلى نفسيات تلهث وراء الثروة والشهرة والتبعية للنظام الحاكم في البلاد، كما تسبب النظام في تفسخ العلاقات، حتى داخل الأسرة الواحدة، من خلال دعم المنظمات النسوية التي توسوس للبنات بالخروج عن طاعة الوالد والزوج ومنع الزواج المبكر ورفع كل الحواجز بين الرجال والنساء؛ فخلعت البنت يدها وحلت محل العفة والاحترام مفاهيمُ هدامةٌ كالحداثة والتحرر في العلاقة بين الرجل والمرأة والمساواة، فتغيرت نظرة الرجل إلى المرأة وتغيرت نظرة المرأة إلى نفسها، فأصبحت تقيس نجاحها على أساس جمالها، وأصبح الرجل يقيّمها على أساس هذا الجمال وليس عقلها ودينها وخلقها!


فلقد تغير المجتمع في السودان وتغير الأشخاص وتغيرت الشخصيات لأن المفاهيم السائدة قد تغيرت! فعندما تصبح المنفعة المادية أساس الأفكار ويغيب الخوف من الله تعالى يتبدل السلوك إلى الأنانية والجشع. فبسبب الأوضاع الاقتصادية ضاع مفهوم الرحمة والإيثار؛ لأن الحاكم الذي يرعى شؤون الناس غير موجود، فلقد زرع النظام القسوة بين الناس والبعد عن الدين بسبب فساد النظام على جميع الأصعدة! واستخدم النظام أساليب قمعية لإسكات الناس وتكميم أفواههم ليصمتوا على سياسات الحكومة الفاشلة كانفصال الجنوب والرحيل بالنفط والعجز في ميزانية الدولة بسبب نهب الثروات، وجعل المواطن يتحمل تبعيات فساد النظام المتهور!


وسبّب ذلك الإحباط لأبناء السودان الذين يصلون الليل بالنهار لتحصيل لقمة العيش، ولا يزال الكثير منهم يعيشون على حافة العوز والفقر المدقع! فظهرت الآن على المجتمع صفات سلبية؛ ككثرة التأفف وقلة الصبر، وانعدام الاحترام وكثرة الانتهازية، والكسل واستسهال الحرام، والخوف من النظام الجائر وعدم محاسبته، بل مجاراته، والاستفادة قدر المستطاع منه حتى" تمشي الأمور"! فتبدلت صفات الشهامة والمسؤولية بالتهرب، وانتشرت أساليب النصب والاحتيال المختلفة، وتفشى الانحطاط الفكري؛ فما عاد الناس يهتمون للعلم والتعلم والإبداع تقربا إلى الله تعالى، وحل التبلد والجمود مكان القصائد ودراسة اللغة العربية والقرآن الكريم، فخبى حب التدين وافتُقدت طيبتهم المعهودة! وكيف لا يحدث ذلك فالراعي قد رتع، فكيف لا ترتع الرعية! ومن يحكمه الرويبضة يبرز أسوأ ما في عقليته ونفسيته وسلوكه.. فلا تتعدى إنجازات نظام المؤتمر الوطني ادعاء الرئيس البشير الذي صرح في 26 سبتمبر 2013 بأن "السودانيين لم يسمعوا عن "الهوت دوغ" قبل حكمي"، هذا التصريح الذي أطلقه أثناء الاحتجاجات العنيفة في أواخر سبتمبر على سياسة الحكومة برفع الدعم المزعوم عن المحروقات وزيادة أسعارها لتكون خطوة أخرى لسحق البسطاء من الناس وصناعة المزيد من الفقراء، كانت هذه القشة التي قصمت ظهر البعير وأطلقت شرارة التغيير!


فلا بد للشمس أن تشرق مهما طال الظلام، ولا بد للمعدن النفيس أن يلمع وإن غطّته الأتربة، فها هي السودان تنتفض لتلحق بأخواتها، فليس بجديد على الأهل في السودان أن يخرجوا في ثورات؛ فهم من أوائل الشعوب الإسلامية الذين خرجوا، في الثمانينات ضد النميري وفي التسعينات، وكانت النتيجة حكومة الإنقاذ! فلا عجب أن تثور السودان مرة أخرى ليعود أهلها الطيبون طيبين مرة أخرى! فقد خرجوا وطالبوا بإسقاط نظام البشير الرأسمالي الذي أفقر الجميع، وسقط في غضون ثلاثة أيام من الاحتجاجات المئاتُ برصاص الأمن والشرطة، ولم يزد ذلك الناسَ إلا إصرارا على كسر حاجز الخوف وحاجز الصمت، وبقي أن تتوفر لثورتهم القيادة الواعية؛ فيجب على الثوار أن يفهموا سبب خروجهم فهما شرعيا صحيحا حتى يستقيم مسار الثورة فتنجح، ويجب عليهم أن يجعلوا ثورتهم خالصة لله تعالى وأن يكون خروجهم وهتافاتهم كلمة حق في وجه سلطان جائر وجهاد في سبيل إعلاء كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله. فسبب شقاء الناس في السودان وفي كل العالم هو هذه الأنظمة العلمانية الرأسمالية الجاثمة على صدور المسلمين، فمن أجل أن يتحقق التغيير المنشود فإنه يجب الرجوع إلى الله تعالى وإلى نظام الإسلام الصحيح الذي يطبق في الدولة الإسلامية الواحدة للأمة الإسلامية الواحدة؛ فالقضية مشتركة بين المسلمين في أنحاء العالم، وليست شأنًا سودانيًّا أو سوريًّا أو مصريًّا، بل قلع الطغاة وتنصيب خليفة المسلمين هي القضية المصيرية، وحين ننصر الله تعالى باتباع أوامره واجتناب نواهيه ينصرنا ويرفع عنا الظلم والذل ونعيش في ظل الإسلام العادل، ويكون الشهيد شهيدًا في سبيل الله تعالى وفي سبيل إقامة شرع الله تعالى.

 


كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم حنين

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع