الخميس، 19 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/21م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام  (ح138) الحَلْقَةُ الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثونَ بَعدَ المِائَةِ  لا يكونُ أحدٌ خليفةً إلا إذا وَلاّهُ المسلمون

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

(ح138) الحَلْقَةُ الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثونَ بَعدَ المِائَةِ

 لا يكونُ أحدٌ خليفةً إلا إذا وَلاّهُ المسلمون

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

أيها المؤمنون:

 

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا: "لَا يَكُونُ أَحَدٌ خَلِيفَةً إِلَّا إِذَا وَلَّاهُ الـمُسلِمُونَ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ السَّابِعَةِ وَالتِّسعِينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:  

 

المادةُ الثامنةُ والعشرونَ 28- لَا يَكُونُ أَحَدُ خَلِيفَةً إِلَّا إِذَا وَلَّاهُ الـمُسلِمُونَ، وَلَا يَملِكُ أَحَدٌ صَلَاحِيَّاتِ الخِلَافَةِ إِلَّا إِذَا تَمَّ عَقْدُهَا لَهُ عَلَى الوَجْهِ الشَّرعِيِّ كَأَيِّ عَقْدٍ مِنَ العُقُودِ فِي الإِسلَامِ.

 

المادةُ التاسعةُ والعشرونَ 29- يُشتَرَطُ فِي القُطْرِ أَوِ البِلَادِ الَّتِي تُبَايِعُ الخَلِيفَةَ بَيعَةَ انعِقَادٍ أَنْ يَكُونَ سُلطَانُهَا سُلطَاناً ذَاتِياً يَستَنِدُ إِلَى الـمُسلِمِينَ وَحْدَهُمْ لَا إِلَى أَيِّ دَولَةٍ كَافِرَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ أَمَانُ الـمُسلِمِينَ فِي ذَلِكَ القُطْرِ دَاخِلِيًّا وَخَارِجِيًّا بِأَمَانِ الإِسلَامِ لَا بِأَمَانِ الكُفْرِ. أَمَّا بَيعَةُ الطَّاعَةِ فَحَسْبُ مِنَ البِلَادِ الأُخرَى فَلَا يُشتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ.

 

المادةُ الثلاثونَ 30- لَا يُشتَرَطُ فِيمَنْ يُبَايَعُ لِلخِلَافَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُستَكْمِلاً شُرُوطَ الانعِقَادِ لَيْسَ غَير، وَإِنْ لَـمْ يَكُنْ مُستَوفِياً شُرُوطَ الأَفضَلِيَّةِ، لِأَنَّ العِبْرَةَ بِشُرُوطِ الانعِقَادِ.

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أَيُّهَا الصَّائِمُونْ, يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ معنا لإِقَامَتِهَا, وَهَذه هي الـمَوَادُّ الثَّامِنَةُ والعِشْرُونَ, وَالتَّاسِعَةُ وَالعِشرُونَ, وَالثَّلَاثُونَ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَوَادِّ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:

 

أولا: المادةُ الثامنةُ والعشرونَ 28- لَا يَكُونُ أَحَدُ خَلِيفَةً إِلَّا إِذَا وَلَّاهُ الـمُسلِمُونَ، وَلَا يَملِكُ أَحَدٌ صَلَاحِيَّاتِ الخِلَافَةِ إِلَّا إِذَا تَمَّ عَقْدُهَا لَهُ عَلَى الوَجْهِ الشَّرعِيِّ كَأَيِّ عَقْدٍ مِنَ العُقُودِ فِي الإِسلَامِ.

 

وَدَلِيلُهَا كَونُ الخِلَافَةِ عَقْدَ مُرَاضَاةٍ وَاختِيَارٍ. لِأَنَّ كَونَهَا عَقْداً يَجعَلُهَا لَا تَتِمُّ إِلَّا بِعَاقِدَينِ، فَلَا يَكُونُ أَحَدٌ خَلِيفَةً إِلَّا إِذَا وَلَّاهُ إِيَّاهَا مَنْ يَتِمُّ انعِقَادُهَا بِهِمْ شَرْعاً، فَإِذَا نَصَّبَ أَحَدٌ نَفسَهُ خَلِيفَةً دُونَ بَيعَةِ مَنْ تَنعَقِدُ الخِلَافَةُ بِبَيعَتِهِمْ لَا يَكُونُ خَلِيفَةً. حَتَّى تَجرِيَ بَيعَتُهُ بِالرِّضَا وَالاختِيَارِ مِمَّنْ تَنعَقِدُ بِهِمْ. فَكَونُ الخِلَافَةِ عَقْداً يَقتَضِي وُجُودَ عَاقِدَينِ، استُكْمِلَتْ فِي كُلٍّ مِنهُمُ الأَهلِيَّةُ الشَّرعِيَّةُ، لِتَوَلِّي العَقْدِ وَإِتمَامِهِ. وَعَلَى هَذَا فَإِنَّهُ إِذَا قَامَ مُتَسَلِّطٌ وَاستَولَى عَلَى الحُكْمِ بِالقُوَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُصبِحُ بِذَلِكَ خَلِيفَةً، وَلَو أَعْلَنَ نَفسَهُ خَلِيفَةً لِلمُسلِمِينَ، لِأَنَّهُ لَم تَنعَقِدْ لَهُ خَلَافَةٌ مِنْ قِبَلِ الـمُسلِمِينَ. وَلَو أَخَذَ البَيعَةَ عَلَى النَّاسِ بِالإِكْرَاهِ وَالإِجْبَارِ لَا يُصبِحُ خَلِيفَةً وَلَو بُويِعَ، لِأَنَّ البَيعَةَ بِالإِكرَاهِ وَالإِجْبَارِ لَا تُعتَبَرُ, وَلَا تَنعَقِدُ بِهَا الخِـلَافَةِ، لأَنَّهَا عَقْدُ مُرَاضَاةٍ وَاختِيَارٍ لَا يَتِمُّ بِالإِكرَاهِ وَالإِجبَارِ، فَلَا تَنعَقِدُ إِلَّا بِالبَيعَةِ عَنْ رِضاً وَاختِيَارٍ. إِلَّا أَنَّ هَذَا الـمُتَسَلِّطَ إِذَا استَطَاعَ أَنْ يُقنِعَ النَّاسَ بِأَنَّ مَصْلَحَةَ الـمُسلِمِينَ فِي بَيعَتِهِ، وَأَنَّ إِقَامَةَ أَحْكَامِ الشَّرعِ تُحَتِّمُ بَيعَتَهُ، وَقَنِعُوا بِذَلِكَ وَرَضُوا، ثُمَّ بَايَعُوهُ عَنْ رِضًا وَاختِيَارٍ، فَإِنَّهُ يُصبِحُ خَلِيفَةً مُنذُ اللَّحْظَةِ الَّتِي بُويِعَ فِيهَا عَنْ رِضاً وَاختِيَارٍ، وَلَو كَانَ أَخَذَ السُّلطَانَ ابتِدَاءً بِالتَّسَلُّطِ وَالقُوَّةِ. فَالشَّرطُ هُوَ حُصُولُ البَيعَةِ، وَأَنْ يَكُونَ حُصُولُهَا عَنْ رِضاً وَاختِيَارٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَنْ حَصَلَتْ لَهُ البَيعَةُ هُوَ الحَاكِمَ وَالسُّلطَانَ، أَمْ لَـمْ يَكُنْ.

 

ثانيا: المادةُ التاسعةُ والعشرونَ 29- يُشتَرَطُ فِي القُطْرِ أَوِ البِلَادِ الَّتِي تُبَايِعُ الخَلِيفَةَ بَيعَةَ انعِقَادٍ أَنْ يَكُونَ سُلطَانُهَا سُلطَاناً ذَاتِياً يَستَنِدُ إِلَى الـمُسلِمِينَ وَحْدَهُمْ لَا إِلَى أَيِّ دَولَةٍ كَافِرَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ أَمَانُ الـمُسلِمِينَ فِي ذَلِكَ القُطْرِ دَاخِلِيّاً وَخَارِجِيّاً بِأَمَانِ الإِسلَامِ لَا بِأَمَانِ الكُفْرِ. أَمَّا بَيعَةُ الطَّاعَةِ فَحَسْبُ مِنَ البِلَادِ الأُخرَى فَلَا يُشتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ.

 

وَدَلِيلُهَا هُوَ امتِنَاعُ أَنْ يَكُونَ لِلكُفَّارِ سُلْطَانٌ عَلَى الـمُسلِمِينَ مِصدَاقاً لِقَولِهِ تَعَالَى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلكَافِرِينَ عَلَى الـمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا). (النساء 141) فَإِذَا وُجِدَ سُلطَانٌ لِلكُفَّارِ عَلَى قُطْرٍ مِنَ الأَقطَارِ الإِسلَامِيَّةِ فلَا يَحِقُّ لِذَلِكَ القُطْرِ أَنْ يُقِيمَ خَلِيفَةً، لِأَنَّهُ بِإِقَامَةِ خَلِيفَةٍ إِنَّما يُقِيمُ سُلْطَاناً، وَهُوَ -أَي ذَلِكَ القُطْرُ- لَا يَملِكُ السُّلطَانَ، فَلَا يُعطِيْهِ. وَسُلطَانُهُ سُلطَانُ كُفْرٍ، وَلَا يَقُومُ الخَلِيفَةُ بَوَسَاطَةِ سُلطَانِ الكُفْرِ.

 

هَذَا مِنْ حَيثُ السُّلطَانُ، أَمَّا مِنْ حَيثُ الأَمَانُ فَإِنَّ دَلِيلَهُ هُوَ دَلِيلُ دَارِ الكُفْرِ وَدَارِ الإِسلَامِ، فَإِنَّ إِقَامَةَ الخَلِيفَةِ إِنَّما هِيَ لِجَعْلِ الدَّارِ دَارَ إِسَلَامٍ. وَلَا تَكُونُ الدَّارُ دَارَ إِسَلَامٍ بِـمُجَرَّدِ إِقَامَةِ حُكْمِ الإِسلَامِ, بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَمَانُهَا بِأَمَانِ الإِسلَامِ لَا بِأَمَانِ الكُفْرِ. لِأَنَّ الدَّارَ حَتَّى تَكُونَ دَارَ إِسلَامٍ يُشتَرَطُ أَنْ يَجتَمِعَ فِيهَا أَمرَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تُحكَمَ بِالإِسلَامِ, وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ أَمَانُهَا بِأَمَانِ الإِسلَامِ لَا بِأَمَانِ الكُفْرِ.

 

ثالثا: المادةُ الثلاثونَ 30 - لَا يُشتَرَطُ فِيمَنْ يُبَايَعُ لِلخِلَافَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُستَكْمِلاً شُرُوطَ الانعِقَادِ لَيْسَ غَير، وَإِنْ لَـمْ يَكُنْ مُستَوفِياً شُرُوطَ الأَفضَلِيَّةِ، لِأَنَّ العِبْرَةَ بِشُرُوطِ الانعِقَادِ.

 

وَدَلِيلُهَا هُوَ الأَدِلَّةُ الَّتِي وَرَدَتْ فِي صِفَاتِ الخَلِيفَةِ، فَقَدْ وَرَدَتْ فِي صِفَاتِهِ أَدِلَّةٌ كَانَ الطَّلَبُ فِيهَا طَلَباً غَيرَ جَازِمٍ كَقَولِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ». رَوَاهُ البُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ، فَإِنَّهُ إِخبَارٌ, وَصِيغَةُ الإِخبَارِ وَإِنْ كَانَتْ تُفِيدُ الطَّلَبَ وَلَكِنَّهُ لَا يُعتَبَرُ طَلَباً جَازِماً مَا لَـمْ يَقْتَرِنْ بِقَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى الجَزْمِ، وَلَـمْ يَقْتَرِنْ بِقَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى الجَزْمِ وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ. أَمَّا مَا وَرَدَ فِي الحَدِيثِ «لاَ يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ» فَإِنَّهُ نَهْيٌ عَنْ مُعَادَاتِهِمْ وَلَيسَ تَأْكِيداً لِقَولِهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ». هَذَا فَضْلاً عَنْ أَنَّ كَلِمَةَ (قُرَيشٍ) اسْمٌ وَلَيسَ صِفَةً وَيُقَالُ لَهُ فِي عِلْمِ الأُصُولِ لَقَبٌ، وَمَفهُومُ الاسْمِ أَيِ اللَّقَبِ لَا يُعْمَلْ بِهِ لِأَنَّ الاِسْمَ أَيِ اللَّقَبَ لَا مَفهُومَ لَهُ. وَلِذَلِكَ فَإِنَّ النَّصَّ (فِي قُرَيشٍ) لَا يَعنِي أَنْ لَا يُجْعَلَ فِي غَيرِهِمْ. وَعَلَيهِ فَإِنَّ هَذَا الحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى شَرطِ أَفضَلِيَّةٍ, وَلَيسَ عَلَى شَرْطِ انعِقَادٍ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ قَرِينَةٍ تَصرِفُ الطَّلَبَ لِلجَزْمِ، بَلْ إِنَّ هُنَاكَ قَرِينَةً تَصرِفُهُ إِلَى عَدَمِ الجَزْمِ، فَإِنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم حِينَ عَرَضَ نَفسَهُ عَلَى قَبِيلَةِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَقَالُوا لَهُ: «أَيَكُونُ لَنَا الأَمْرُ مِنْ بَعْدِكَ» قال: «إِنَّ الأَمْرَ للَّهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ». رَوَاهُ ابْنُ إِسحَقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّلَبَ غَيرُ جَازِمٍ، لِأَنَّ جَوَابَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَنْ يَكُونَ الأَمْرُ لَـهُمْ مِنْ بَعدِهِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَـلَامُـهُ عَلَيهِ، ويَـجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِغَيرِهِمْ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَرطَ القُرَشِيَّةِ هُوَ شَرطُ أَفضَلِيَّةٍ.

 

أَمَّا شُرُوطُ الانعِقَادِ فَهِيَ الَّتِي يَرِدُ فِيهَا طَلَبٌ جَازِمٌ حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَى عَدِمِهِ العَدَمُ كَمَا هُوَ فِي تَعرِيفِ الشَّرطِ، أَيْ يَتَرَتَّبُ عَلَيهِ عَدَمُ صِحَّةِ الخِلَافَةِ لَهُ فِي حَالِ عَدَمِ كَونِهِ مِنْ قُرَيشٍ، وَهَذَا يَعنِي الجَزْمَ فِي طَلَبِ كَونِهِ مِنْ قُرَيشٍ، وَجَوَابُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم لِقَبِيلَةِ بَنِي عَامِرٍ يَصرِفُ الطَّلَبَ عَنِ الجَزْمِ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا وَرَدَ مِنْ نُصُوصٍ فِي شُرُوطِ الانعِقَادِ، فَمَثَلاً وَرَدَ فِي شَرْطِ البُلُوغِ أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم رَفَضَ أَنْ يُبَايِعَهُ صَبِيٌّ حِينَ رَفَضَ بَيعَةَ عَبدِ اللهِ بْنِ هِشَامٍ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ لِصِغَرِهِ. فَإِنَّهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُشتَرَطُ فِي الخَلِيفَةِ أَنْ يَكُونَ بَالِغاً، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَتِ البَيعَةُ لَا تَصِحُّ مِنَ الصَّبِيِّ فَمِنْ بَابِ أَولَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ خَلِيفَةً. فَمَا وَرَدَ مِنَ الصِّفَاتِ بِصِيغَةِ الطَّلَبِ الجَازِم تُعتَبَرُ شَرْطاً فِي انعِقَادِ الخِلَافَة لَهُ، وَمَا عَدَاهَا لَا يُشتَرَطُ حَتَّى وَلَو وَرَدَ فِيهَا نَصٌّ مَا دَامَ الطَّلَبُ فِيهِ غَيرَ جَازِمٍ.

 

أيها المؤمنون:

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

آخر تعديل علىالأحد, 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2024

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع