- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح64) طبق الإسلام عملياً منذ سنة 1هـ حتى 1336هـ الموافق 1918م (ج8)
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الرَّابِعَةِ وَالسِّتينَ, وَعُنوَانُهَا: "طُبِّقَ الإِسلامُ عَمَلِيّاً مُنذُ السَّنَةِ الأُولَى حَتَّى سَنَةِ 1336هـ المُوَافِق 1918م". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّانِيَةِ وَالخَمْسِينَ مِنْ كِتَابِ "نظَامِ الإِسلامِ" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "وعلى ذلكَ فالإسلامُ طُبِّقَ عملِيَّاً منذُ السنةِ الأولى للهجرةِ حتَّى سنةِ 1336 هجريَّةً الموافقِ سَنَةَ 1918 ميلاديَّةً. ولَمْ تُطَبِّقِ الأمَّةُ الإسلاميَّةُ طَوالَ هذهِ المُدَّةِ أيَّ نظامٍ سِوَى الإسلامِ. حتَّى إِنَّ المسلمينَ معَ كونهِمْ قدْ ترجَمُوا للعربيَّةِ الفَلْسَفَةَ والعلومَ والثقافاتِ الأجنبِيَّةَ المُخْتَلِفَةَ، لكنَّهُمْ لمْ يُتَرْجِمُوا أيَّ تشريعٍ أوْ قانونٍ أوْ نظامٍ لأيةِ أمَّةٍ مطلقاً، لا للعملِ بهِ، ولا لدراستِهِ. إلَّا أنَّ الإسلامَ بوصفِهِ نظاماً كانَ يُحْسِنُ الناسُ تطبيقَهُ أوْ يُسِيئُونَ هذا التطبيقَ، تَبَعَاً لقوَّةِ الدولةِ أوْ ضَعْفِهَا، وتَبَعَاً لِدِقَّةِ فَهْمِهَا أوْ مُزَايَلَتِهَا للفهمِ، وتَبَعَاً لقوَّةِ حملِ القيادةِ الفكريَّةِ أوِ التَرَاخِي فيهِ، ولذلكَ كانتْ إساءةُ تطبيقِ الإسلامِ في بعضِ العصورِ تَجْعَلُ المجتمعَ الإسلاميَّ مُنْحَدِرَاً بعضَ الانحدارِ، ولا يَخْلُو مِنْهُ أيُّ نظامٍ، لأنَّهُ يَعْتَمِدُ في تطبيقِهِ على البَشَرِ، ولكنَّ إساءةَ التطبيقِ لا تَعْنِي أنَّ الإسلامَ لَمْ يُطَبَّقْ، بلِ المَقْطُوعُ فيهِ أنَّ الإسلامَ طُبِّقَ، ولَمْ يُطَبَّقْ غيرُهُ منَ المبادئِ والنُظُمِ، إذْ إنَّ العبرةَ في التطبيقِ للقوانينِ والأنظمةِ الَّتي تَأْمُرُ الدولةُ بالعملِ بهَا، ولمْ تَأْخُذِ الدولةُ الإسلاميَّةُ أيَّ شيءٍ منْ ذلكَ منْ غيرِ الإسلامِ، وكلُّ الَّذي حصلَ هوَ إساءةُ تطبيقٍ لبعضِ نُظُمِهِ منْ قِبَلِ بعضِ الحُكَّامِ. على أنَّ الشيءَ الَّذي يَنْبَغِي أنْ يكونَ واضِحَاً أنَّهُ يجبُ عليْنَا حينَ نَستعرِضُ تطبيقَ الإسلامِ منَ التاريخِ أنْ نُلاحظَ شيئينِ اثْنَيْنِ: أمَّا أوَّلُهُمَا فيجِبُ أنْ لا نَأْخُذَ هذا التاريخَ عنْ أعداءِ الإسلامِ المُبْغِضِينَ لَهُ، بل نَأْخُذَهُ بالتحقيقِ الدقيقِ منَ المسلمينَ أنْفُسِهِمْ، حتَّى لا نَأْخُذَ الصورةَ المُشَوَّهَةَ. والشيءُ الثاني هوَ أنَّهُ لا يجُوزُ أنْ نستعملَ القِيَاسَ الشُمُولِيَّ على المجتمعِ في تاريخِ الأفرادِ، ولا في تاريخِ ناحِيَةٍ منَ المجتمعِ، فمِنَ الخطأِ أنْ نأخذَ العصرَ الأُمَوِيَّ منْ تاريخِ يَزِيدَ مَثَلاً، وأنْ نأخذَ تاريخَ العصرِ العبَّاسِيِّ منْ بعضِ حوادثِ خلفائِهِ، كذلكَ لا يجوزُ أنْ نحكمَ على المجتمعِ في العصرِ العبَّاسيِّ منْ قراءةِ كِتابِ الأغاني الَّذي أُلِّفَ لأخبارِ المُجَّانِ والشُعَرَاءِ والأُدَبَاءِ، أوْ منْ قراءةِ كُتُبِ التَصَوُّفِ وما شاكَلَهَا، فنَحْكُمَ على العَصْرِ بأنَّهُ عصرُ فِسْقٍ وفُجُورٍ، أوْ عصرُ زُهْدٍ وانْعِزَالٍ، بلْ يجبُ أنْ نأخذَ المجتمعَ بأكمَلِهِ. على أنَّهُ لَمْ يُكْتَبْ تاريخُ المجتمعِ الإسلامِيِّ في أيِّ عصرٍ، وإنَّما الَّذي كُتِبَ هوَ أخبارُ الحُكَّامِ وبعضِ المُتَنَفِّذِينَ، والَّذينَ كَتَبُوا ذلكَ أكثرُهم لَيْسُوا منَ الثُقَاتِ، وهم إمَّا قادِحٌ أوْ مادِحٌ، ولا يُقْبَلُ ما كتبوه دونَ تمحيصٍ, وحينَ نَدْرُسُ المجتمعَ الإسلاميَّ على هذا الأساسِ، أيْ نَدْرُسُهُ منْ جميعِ نواحيهِ، وبالتحقيقِ الدقيقِ، نجدُهُ خيرَ المجتمعاتِ، لأنَّهُ هكذا كانَ في القرنِ الأوَّلِ والثاني والثالثِ، ثُمَّ سائرِ القرونِ حتَّى مُنْتَصَفِ القرنِ الثاني عشرَ الهجريِّ، ونجدُهُ طبَّقَ الإسلامَ في جميعِ عُصورِهِ، حتَّى أواخرِ الدولةِ العُثْمَانِيَّةِ بوصْفِهَا دولةً إسلاميَّةً".
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يُوَاصِلُ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي مَعرِضِ بَحثِهِ لِلقِيَادَةِ الفِكرِيَّةِ الإِسلامِيَّةِ إِجَابَتَهُ عَنْ مَسألةٍ فِي غَايَةِ الأهَمِيَّةِ وَهِيَ: هَلْ طَبَّقَ المُسلِمُونَ الإِسلامَ, أمْ أنَّهُمْ كَانُوا يَعتَنِقُونَ عَقِيدَتَهُ وَيُطَبِّقُونَ غَيرَهُ مِنَ الأنظِمَةِ وَالأحكَامِ؟! وَيُمكِنُ إِجْمَالُ الإِجَابَةِ الوَارِدَةِ فِي هَذِهِ الفَقْرَةِ بِالنُّقَاطِ الآتِيَةِ:
1-منذُ السنةِ الأولى للهجرةِ حتَّى سنةِ 1336 هجريَّةً الموافقِ سَنَةَ 1918 ميلاديَّةً لَمْ تُطَبِّقِ الأمَّةُ الإسلاميَّةُ طَوالَ هذهِ المُدَّةِ أيَّ نظامٍ سِوَى الإسلامِ.
2- إِنَّ المسلمينَ معَ كونهِمْ قدْ ترجَمُوا للعربيَّةِ الفَلْسَفَةَ والعلومَ والثقافاتِ الأجنبِيَّةَ المُخْتَلِفَةَ، لكنَّهُمْ لمْ يُتَرْجِمُوا أيَّ تشريعٍ أوْ قانونٍ أوْ نظامٍ لأيةِ أمَّةٍ مطلقاً، لا للعملِ بهِ، ولا لدراستِهِ.
3- الإسلامُ بوصفِهِ نظاماً كانَ يُحْسِنُ الناسُ تطبيقَهُ أوْ يُسِيئُونَ هذا التطبيقَ، تَبَعاً لِلأُمُورِ الآتِيَةِ:
- تَبَعاً لقوَّةِ الدولةِ أوْ ضَعْفِهَا.
- تَبَعاً لِدِقَّةِ فَهْمِهَا أوْ مُزَايَلَتِهَا للفهمِ.
- تَبَعاً لقوَّةِ حملِ القيادةِ الفكريَّةِ أوِ التَرَاخِي فيهِ.
4- إِسَاءَةُ تَطبِيقِ الإِسلامِ يَنبَغِي أنْ تُفهَمَ كَالآتِي:
1- كانتْ إساءةُ تطبيقِ الإسلامِ في بعضِ العصورِ تَجْعَلُ المجتمعَ الإسلاميَّ مُنْحَدِراً بعضَ الانحدارِ، ولا يَخْلُو مِنْهُ أيُّ نظامٍ، لأنَّهُ يَعْتَمِدُ في تطبيقِهِ على البَشَرِ.
2-إساءةَ التطبيقِ لا تَعْنِي أنَّ الإسلامَ لَمْ يُطَبَّقْ، بلِ المَقْطُوعُ فيهِ أنَّ الإسلامَ طُبِّقَ، ولَمْ يُطَبَّقْ غيرُهُ منَ المبادئِ والنُظُمِ.
3-العبرةَ في التطبيقِ للقوانينِ والأنظمةِ الَّتي تَأْمُرُ الدولةُ بالعملِ بهَا، ولمْ تَأْخُذِ الدولةُ الإسلاميَّةُ أيَّ شيءٍ منْ ذلكَ منْ غيرِ الإسلامِ.
4- كلُّ الَّذي حصلَ هوَ إساءةُ تطبيقٍ لبعضِ نُظُمِهِ منْ قِبَلِ بعضِ الحُكَّامِ.
حينَ نَستعرِضُ تطبيقَ الإسلامِ منَ التاريخِ يَجِبُ عليْنَا أنْ نُلاحظَ شيئينِ اثْنَيْنِ:
أولا: يجِبُ أنْ لا نَأْخُذَ هذا التاريخَ عنْ أعداءِ الإسلامِ المُبْغِضِينَ لَهُ، بل نَأْخُذَهُ بالتحقيقِ الدقيقِ منَ المسلمينَ أنْفُسِهِمْ، حتَّى لا نَأْخُذَ الصورةَ المُشَوَّهَةَ.
ثانيا: أنَّهُ لا يجُوزُ أنْ نستعملَ القِيَاسَ الشُمُولِيَّ على المجتمعِ في تاريخِ الأفرادِ، ولا في تاريخِ ناحِيَةٍ منَ المجتمعِ:
- مِنَ الخطأِ أنْ نأخذَ العصرَ الأُمَوِيَّ منْ تاريخِ يَزِيدَ مَثَلاً، وأنْ نأخذَ تاريخَ العصرِ العبَّاسِيِّ منْ بعضِ حوادثِ خلفائِهِ.
- لا يجوزُ أنْ نحكمَ على المجتمعِ في العصرِ العبَّاسيِّ منْ قراءةِ كِتابِ الأغاني الَّذي أُلِّفَ لأخبارِ المُجَّانِ والشُعَرَاءِ والأُدَبَاءِ، أوْ منْ قراءةِ كُتُبِ التَصَوُّفِ وما شاكَلَهَا، فنَحْكُمَ على العَصْرِ بأنَّهُ عصرُ فِسْقٍ وفُجُورٍ، أوْ عصرُ زُهْدٍ وانْعِزَالٍ، بلْ يجبُ أنْ نأخذَ المجتمعَ بأكمَلِهِ.
- لَمْ يُكْتَبْ تاريخُ المجتمعِ الإسلامِيِّ في أيِّ عصرٍ، وإنَّما الَّذي كُتِبَ هوَ أخبارُ الحُكَّامِ وبعضِ المُتَنَفِّذِينَ، والَّذينَ كَتَبُوا ذلكَ أكثرُهم لَيْسُوا منَ الثُقَاتِ، وهم إمَّا قادِحٌ أوْ مادِحٌ، ولا يُقْبَلُ ما كتبوه دونَ تمحيصٍ.
- حينَ نَدْرُسُ المجتمعَ الإسلاميَّ على هذا الأساسِ، أيْ نَدْرُسُهُ منْ جميعِ نواحيهِ، وبالتحقيقِ الدقيقِ، نجدُهُ خيرَ المجتمعاتِ، لأنَّهُ هكذا كانَ في القرنِ الأوَّلِ والثاني والثالثِ، ثُمَّ سائرِ القرونِ حتَّى مُنْتَصَفِ القرنِ الثاني عشرَ الهجريِّ، ونجدُهُ طبَّقَ الإسلامَ في جميعِ عُصورِهِ، حتَّى أواخرِ الدولةِ العُثْمَانِيَّةِ بوصْفِهَا دولةً إسلاميَّةً.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.