- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الرعاية الصحية في الدولة الإسلامية
الحلقة التاسعة والعشرون
في هذه الحلقة سوف نتناول ما يخص الصيدلة والصناعة الطبية في الدولة الإسلامية:
الصيدلة هو العلم الذي يختص بتركيب وصرف الأدوية العلاجية، وتربط الصيدلة علوم الصحة بعلوم الكيمياء، وهي تعنى بسلامة ونجاعة الأدوية.
والصيدلة كالتطبيب خدمة صحية يجوز للفرد أن يعرضها للناس بشكل خاص، كأن يقوم بفتح صيدلية ويصرف الدواء، أو ينشئ مصنعا للدواء بقصد الربح. إلا أن كون الصيدلة قد تؤدي إلى ضرر إن لم يكن المتعاطي لها من أهل العلم بفنونها يجعلها كالتطبيب بحاجة إلى ترخيص من الدولة لممارستها، وذلك منعا للضرر المترتب على مباشرة الجاهل لصنع الدواء وصرفه، وفق قاعدة «لا ضرر ولا ضرار».
فكل من باشر أعمال الصيدلة أو صرف دواء دون إذن وترخيص فأضر بمريض ضمن مقدار ضرره وجنايته، وعوقب تعزيرا من قبل الدولة سواء أوقع الضرر بالمريض أم لم يقع.
ولقد كان الأطباء المسلمون في العصر العباسي هم أول من فصلوا مهنة الصيدلة عن الطب ولقد تفرغ العديد من العلماء في ذاك الزمان لاكتشاف الوصفات العلاجية المفيدة. حتى نجحوا في إنشاء أول صيدلية في التاريخ في بغداد بفضل تلك الجهود الطيبة وكان ذلك في القرن السابع الميلادي في عهد الخليفة المنصور
فالدولة تقوم بالإشراف على صناعة الأدوية وإنتاجها مباشرة، ولها أن تمنع صناعة نوع ما من الأدوية.
لما أخرج البيهقي وأبو داود عن عبد الرحمن بن عثمان قال: «سَأَلَ طَبِيبٌ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عَنْ ضِفْدَعٍ يَجْعَلُهَا فِى دَوَاءٍ فَنَهَاهُ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عَنْ قَتْلِهَا»، صححه الألباني.
كما توفر الدولة الدواء للمرضى، إما بشرائه من مصانع الدواء وشركاته في الدولة أو في الخارج، وإما بإنشاء مصانع للدواء تملكها الدولة وتنتج الأدوية المطلوبة. وتشكل لجنة من الأطباء والصيادلة تحدد الأدوية التي على الدولة أن توفرها مجانا، وهي الأدوية التي يسبب عدم توفيرها للمريض ضررا بصحته، دون الأدوية والمستحضرات الكمالية. كما تحدد هذه اللجنة الأدوية التي لا تصرف إلا بوصفة من الطبيب، والأدوية التي يستطيع الصيدلي صرفها دون وصفة من الطبيب، وكل هذا من رعاية الإمام لرعيته الواجبة عليه.
ولأن الدواء حاجة حيوية قد يؤدي نقصها أو فقدانها إلى ضرر على الفرد والجماعة، فإن الدولة تبذل قصارى جهدها في تحقيق الاكتفاء الذاتي في صنع الدواء، حتى لا تحتاج إلى استيراد الدواء وبالتالي تتعرض لابتزاز الدول الكافرة أو ضغوطها السياسية.
ونشير هنا إلى أن المصانع في الدولة الإسلامية ومنها مصانع الدواء تقوم على أساس الصناعة الحربية، ولذلك تكون مصانع الدواء (سواء التابعة للأفراد أم الدولة) معدة وقابلة دائما لمتطلبات الصناعة الحربية والمضادات الحيوية والتطعيمات ضد الأسلحة البيولوجية على أوسع نطاق ممكن وفي أسرع وقت.
وإذا ما استورد الأفراد أو الدولة الدواء من دول أخرى فلا بد أن يخضع الدواء المستورد للفحوص والتحليل على يد الصيادلة والكيميائيين في الدولة الإسلامية قبل أن يصدر ترخيص من مصلحة الصحة بجواز استيراده، خصوصا وأن شركات الأدوية العالمية لم تتورع في السابق عن بيع شحنات من الدواء الفاسد للمسلمين، كشحنات الدم الملوث بالإيدز، الذي أرسلته شركات الأدوية الفرنسية مطلع ثمانينات القرن الماضي إلى العراق وليبيا وتونس والجزائر.
ومن أجل إطالة أمد العلاج وتحقيق الربح، فإن شركات صناعة العقاقير تنتج عقارا لمعالجة الآثار وليس علاجا للمرض، فقد زادت صناعة الأدوية والعقاقير حتى غدت شركات الأدوية شركات ضخمة ميزانياتها تعادل ميزانيات دول!! فطبقا لبيانات عام 2014م فإن إجمالي مبيعات أكبر 12 شركة لصناعة الدواء في العالم بلغ 508 مليار دولار أمريكي.
فمثلا منذ عدة عقود لم نجد شركة أدوية كبرى تقوم بأبحاث جدية من أجل إنتاج مضادات حيوية جديدة خصوصا مع تطور البكتيريا والطفيليات واكتسابها مناعة لأغلب المضادات الحيوية الموجود حاليا. لأن المضاد الحيوي يستخدم لمدة محدودة يتحقق بعدها الشفاء، مما يعني قلة استهلاك الدواء مقارنة بالأدوية التي تؤخذ بشكل دائم (كالأدوية لعلاج المشاكل الجنسية أو أدوية الكولسترول والسكري). فالأمر غير مربح عندهم.
وقد صرحت "المكتبة البريطانية للمعارف الطبية" وكذلك باحثون في جامعة "نيوكاسل" في أستراليا. أن الترويج للأمراض هو توسيع لحدود المرض وبالتالي زيادة لنمو الأسواق بالنسبة لهؤلاء الذين يبيعون ويقدمون العلاجات، فحملات التوعية بالأمراض التي تمولها العديد من شركات الأدوية، تهدف في كثير من الأحيان إلى بيع الأدوية أكثر منها إلى التوعية أو التثقيف بشأن أمراض ما أو الوقاية الصحية منها.
جمع وإعداد: راضية عبد الله