الجمعة، 24 ربيع الأول 1446هـ| 2024/09/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
تأملات قرآنية (9) ذكرى غزوة بدر الكبرى

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 


تأملات قرآنية (9)
ذكرى غزوة بدر الكبرى

 


إخواننا الكرام, أخواتنا الكريمات:


أيها المؤمنون والمؤمنات: الصائمون والصائمات:


مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير:


نحييكم بأطيب تحية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله القائل في محكم كتابه وهو أصدق القائلين: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) والصلاة والسلام على رسول الله القائل: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين". ثم أما بعد: فتعالوا معنا أحبتنا الكرام, وهلم بنا نحن وإياكم نتجه إلى مائدة القرآن الكريم نتأمل ونتدبر آياته جل وعلا عسى أن ينفعنا ويرفعنا بما فيه من الذكر الحكيم إلى أعلى الدرجات في جنات النعيم, إنه ولي ذلك والقادر عليه. ومع الآية الثانية عشرة من سورة آل عمران. يقول الله تعالى: (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴿١٢﴾ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّـهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ). ﴿ آل عمران ١٣﴾.


معاشر المؤمنين والمؤمنات: قال نخبة من المفسرين: "قل -أيها الرسول- للذين كفروا من اليهود وغيرهم والذين استهانوا بنصرك في "بَدْر": إنكم ستُهْزَمون في الدنيا وستموتون على الكفر، وتحشرون إلى نار جهنم؛ لتكون فراشًا دائمًا لكم، وبئس الفراش. قد كان لكم - أيها اليهود المتكبرون المعاندون- دلالة عظيمة في جماعتين تقابلتا في معركة "بَدْر": جماعة تقاتل من أجل دين الله، وهم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وجماعة أخرى كافرة بالله، تقاتل من أجل الباطل، ترى المؤمنين في العدد مثليهم رأي العين، وقد جعل الله ذلك سببًا لنصر المسلمين عليهم. والله يؤيِّد بنصره من يشاء من عباده. إن في هذا الذي حدث لَعِظة عظيمة لأصحاب البصائر الذين يهتدون إلى حكم الله وأفعاله". يقول علماء أصول الفقه: "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب". نزلت هاتان الآيتان بحق هزيمة يهود في بدر, ونحن نستذكر في شهر الصيام انتصارات المسلمين, وأمجادهم العظام, نقول للذين كفروا الذين يتآمرون على المسلمين في هذه الأيام, ويمكرون بهم, ويحيكون لهم الدسائس والمؤامرات, نقول لهم ما أمرنا الله به: (سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ).


معاشر المؤمنين والمؤمنات: امتثالا لقول ربنا جل في علاه: (وذكرهم بأيام الله) يطيب لنا في هذا المقام أن نذكركم بغزوة بدر الكبرى: قال الله تعالى في محكم كتابه وهو أصدق القائلين: (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون). إن من أعظم ذكريات هذه الأمة المباركة, التي حدثت في شهر رمضان المبارك, ذكرى غزوة بدر الكبرى, التي وقعت في اليوم السابع عشر منه, وذلك من السنة الثانية للهجرة وقد أبلى فيها المسلمون بلاء حسنا فنصرهم الله عز وجل على أعدائهم من المشركين نصرا مؤزرا, على الرغم من أنهم كانوا أقل عددا وعدة من المشركين, ولم يأخذوا للقاء أهبته وعدته. ففي شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قافلة تجارية لقريش بقيادة أبي سفيان ابن حرب عائدة من الشام إلى مكة, فيها أموال لقريش, وتجارة من تجاراتهم عليها ثلاثون رجلا من قريش. فندب النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين لاعتراض هذه القافلة وقال لهم: «هذه عير قريش, فيها أموالهم, فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها». فخف بعض الناس, وثقل بعضهم, وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربا، فكان مجموع من خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا.


معاشر المؤمنين والمؤمنات: وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتحسس الأخبار, ويسأل من لقي من الركبان, حتى أصاب خبرا أن محمدا وأصحابه قد خرجوا للاستيلاء على القافلة, فغير طريقه المعتاد, وأرسل إلى قريش من يستنفرهم للدفاع عن أموالهم, ويخبرهم أن محمدا قد عرض لتجارتهم وأموالهم. وبعد أن نجت القافلة طلب أبو سفيان من أبي جهل الرجوع, فقال أبو جهل: (والله لا نرجع حتى نرد بدرا, فنقيم فيها ثلاثا، ننحر الجزور ونسقي الخمر, وتعزف علينا القيان, وتسمع بنا العرب, فلا يزالون يهابوننا أبدا). فوافوها فسقوا كؤوس المنايا مكان الخمر, وناحت عليهم النوائح بدل القيان، فخرجت قريش بألف رجل مجهزين بالأسلحة, معهم مائة فرس, وسبعمائة بعير, أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن يعرف شيئا مما فعله المشركون, وكان خروجه للعير بثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا فقط، حتى إذا قرب من ماء بدر بث العيون والأرصاد لمعرفة أخبار القافلة. فعلم أن قريشا خرجت بهذا الجيش الضخم, وأنها في طريقها إلى ماء بدر. فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في قتال المشركين بعد أن أخبرهم بما علمه من أخبارهم. فتكلم عدد من الصحابة وأحسنوا القول, منهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه, وعمر بن الخطاب رضي الله عنه, والمقداد بن الأسود رضي الله عنه الذي قال: (امض يا رسول الله لما أمرك الله, فنحن معك, والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون, ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون, فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجاهدنا معك من دونه حتى تبلغه). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له.


معاشر المؤمنين والمؤمنات: ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان حريصا على أخذ رأي الأنصار في هذه الموقعة لسببين: لأن أكثر من كان معه منهم. ولأنهم عاهدوه على أن ينصروه ويمنعوه من أعدائه في المدينة, ولم يبايعوه على القتال خارجها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشيروا علي أيها الناس» فقال سعد بن معاذ رضي الله عنه: (والله لكأنك تريدنا يا رسول الله). فقال: «نعم». قال سعد رضي الله عنه: (قد آمنا بك وصدقناك, وشهدنا على أن ما جئت به هو الحق, وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة, فامض يا رسول الله لما أمرك الله, فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد, وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا, إنا لصبر عند الحرب, صدق عند اللقاء, ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك, فسر على بركة الله) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيروا على بركة الله وأبشروا, فإن الله وعدني إحدى الطائفتين, والله إني لكأني أنظر إلى مصارع القوم». مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبق قريشا إلى ماء بدر, وقد أنعم الله تعالى على المؤمنين في بدر بنعم عظيمة وهذه النعم هي: أولا: نعمة المطر: قال تعالى: (وينـزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم, ويثبت به الأقدام).


ثانيا: نعمة الإمداد بالملائكة: قال تعالى: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين).


ثالثا: نعمة النعاس: قال تعالى: (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه).


رابعا: نعمة إلقاء الرعب في قلوب الأعداء: قال تعالى: (إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان).
خامسا: نعمة النصر على الأعداء: وقف أبو بكر رضي الله عنه إلى جوار الرسول صلى الله عليه وسلم, وهو يكثر الابتهال والتضرع ويقول فيما يدعو به: «اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعدها في الأرض, اللهم أنجز لي ما وعدتني, اللهم نصرك». لقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه واثقا من نصر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم لأن وعد الله حق, والله سبحانه لا يخلف الميعاد, ولأن الله سبحانه وتعالى كان قد وعد رسوله بإحدى الطائفتين: أن يعطيه القافلة, أو أن ينصره على أعدائه الكافرين, وما دامت القافلة قد نجت وأفلتت من قبضة المسلمين, فلم يبق إلا النصر الذي سيتحقق لا محالة.


معاشر المؤمنين والمؤمنات: وتزاحف الجمعان, وبدأت المعركة أولا بمبارزة بين رجال من الفريقين, كان النصر فيها للمسلمين, ثم نشبت المعركة وحمي الوطيس, وفي ذروة المعركة كان المسلمون قد استنفدوا جهد أعدائهم, وألحقوا بهم خسائر جسيمة, وأثناء ذلك خفق النبي صلى الله عليه وسلم خفقة في العريش رأى فيها جبريل والملائكة مقبلين, قال: «أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله, هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع». وما هي إلا أن ضعفت صفوف المشركين تحت مطارق هذا الإيمان, وحلت بالمشركين هزيمة نكراء, فقتل منهم سبعون, وأسر سبعون, ووضع المسلمون أيديهم يأسرون, وسعد بن معاذ قائم على باب العريش الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشحا السيف في نفر من الأنصار, يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم, يخافون عليه كرة العدو.
معاشر المؤمنين والمؤمنات: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة:


اللهم اجعل شهر القرآن الكريم هذا, شهر عز ونصر وتمكين للإسلام والمسلمين بقيام دولة الخلافة الثانية على منهاج النبوة, واجعلنا اللهمَّ ممَّن يتدبرون آياتك, فيأتمرون بأمرك, وينتهون عن نهيك: يستمعون القول فيتبعون أحسنه, ويقدرونك حق قدرك, ترضى عنهم, ويرضون عنك, واجعلنا اللهم ممن تقبلت منهم الصلاة والصيام, والدعاء والسجود والقيام, ومن عتقائك في هذا الشهر الكريم من النار, وأدخلنا الجنة مع الأبرار, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع