- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
لن تنتهي الإبادة الجماعية في غزة حتى ننهي اعتمادنا على الديمقراطية
(مترجم)
الخبر:
في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر، جرت الانتخابات الأمريكية لعام 2024، وفاز دونالد ترامب بأغلبية حاسمة على كامالا هاريس. وشارك العديد من المسلمين في الولايات المتحدة مرة أخرى في هذه الانتخابات الديمقراطية على أمل أن تساعد أصواتهم في إنهاء الإبادة الجماعية في غزة. ودعم البعض ترامب، إما إيماناً بوعده بإحلال السلام في المنطقة، أو معاقبة هاريس وإدارة بايدن على دعمهما وتمويلهما المستمر لكيان يهود المجرم. وقد أيد آخرون هاريس، معتقدين أنها "الأقل شراً بين الشرين" وأنها الوسيلة الفضلى التي يمكن من خلالها لمعارضي الحرب على غزة تحقيق أجندتهم. كما أعطى آخرون أصواتهم لممثلة الحزب الأخضر جيل شتاين ومرشح حزب الشعب كورنيل ويست، وذلك بسبب موقفهما القوي المناهض للحرب وتعهدهما بوقف الإبادة الجماعية.
التعليق:
في هذه الانتخابات، وكذلك الانتخابات الديمقراطية في دول غربية أخرى، استخدم العديد من المسلمين استراتيجياتهم لتتبع أفضل السبل في اللعبة الديمقراطية للتأثير على الأحداث في قضية فلسطين. ومع ذلك، فإن الإبادة الجماعية في غزة، واحتلال فلسطين، وقمع المسلمين في أماكن أخرى من العالم لن تنتهي حتى نتخلص من هذا الوهم بأن الانخراط في النظام الديمقراطي والعملية الانتخابية من شأنه أن يحل مشاكلنا بوصفنا أمة إسلامية. هناك مثل إنجليزي يقول: "الجنون هو القيام بالشيء نفسه مراراً وتكراراً وتوقع نتائج مختلفة". ألم نشهد مرارا وتكرارا الفشل الذريع للدول الغربية وغيرها من الدول الديمقراطية في وقف الإبادة الجماعية أو التطهير العرقي للمسلمين في سوريا واليمن وميانمار وأفريقيا الوسطى وكشمير وتركستان الشرقية وأماكن أخرى، بغض النظر عن حجم الفظائع المرتكبة وبغض النظر عن آراء سكانها المسلمين؟ ألم نشهد حروباً استعمارية غربية تجري في أفغانستان والعراق، على الرغم من المعارضة الداخلية الساحقة؟ في بريطانيا، تظاهر الملايين ضد غزو العراق عام 2003، ومع ذلك ذهبت حكومة بلير إلى الحرب على الرغم من هذا التعبير الجماعي عن الرأي العام. والسبب في ذلك هو أن الحكومات الديمقراطية الرأسمالية الغربية لا تحدد أجنداتها وأفعالها في السياسة الخارجية على أساس أصوات الأقلية المحلية أو حتى الرأي العام للأغلبية، بل على أساس المصالح السياسية والاقتصادية طويلة المدى للدولة - مؤسساتها وهيئاتها وهياكلها - والحفاظ على هيمنتها على مناطق العالم، بغض النظر عن الموقف المبدئي للحزب أو الرئيس الذي في السلطة. في هذه الحالة، ترى أمريكا والعديد من الحكومات الاستعمارية الرأسمالية الغربية الأخرى أن من مصلحتها الوطنية الحفاظ على كيان يهود وتعزيزه، بغض النظر عن قوة المعارضة داخل جماهيرها. لذلك، فإن الاعتقاد بأننا كمسلمين يمكننا التأثير على أجندات السياسة الخارجية الأمريكية أو غيرها من الدول الغربية في فلسطين أو بقية البلاد الإسلامية من خلال المشاركة في العملية الانتخابية الديمقراطية، هو "أمر خيالي"!!
علاوة على ذلك، فإن التصويت في هذه الانتخابات الديمقراطية لا يعني مجرد التعبير عن دعم المرشح وسياساته؛ بل هو إقرار بصحة النظام الذي يمثله ويدعمه ويدافع عنه. إنه إضفاء الشرعية والموافقة على النظام الرأسمالي الاستعماري غير الأخلاقي الذي ساعد في إنشاء وتمويل وحماية وتعزيز والحفاظ على كيان يهود. إنه قبول لنظام مكّن هذا الاحتلال المجرم من ممارسة إبادة جماعية دون عقاب والذي أنتج زعماء من أمثال ترامب وبايدن وهاريس الذين لا يترددون في التعبير علناً عن دعمهم الثابت لكيان يهود المجرم بغض النظر عن حجم جرائمه. تكتب مويرا دونيجان، كاتبة العمود في صحيفة الجارديان الأمريكية: "هل تستحق أمريكا ترامب؟ في السنوات التي تلت صعوده إلى السلطة، تفترض إحدى النظريات أنه مجرد تجسيد لشياطين الشعوب التي لم يتم طردها - بقايا العنصرية التي سمحت لهذا البلد ببناء اقتصاده على ظهور العبيد، وعلاقة العنف العابرة التي سمحت له ببناء بلاده وهيمنته العالمية من خلال الاحتلال العنيف والإكراه، وحب المال القذر والتجاهل الوقح للمبادئ التي كانت دائماً دافعاً لاقتصادنا الجشع. في هذه النسخة من القصة، ترامب ليس فقط علامة مرضية، بل إنه مثل عقاب أمريكا..." إن مثل هذه الحقيقة تتردد أصداؤها في النظام الرأسمالي الديمقراطي في مختلف أنحاء العالم الغربي. فهل هذا هو النظام الذي يستطيع أن يحقق العدالة لأهل فلسطين؟ وهل هذا هو النظام الذي نرغب نحن المسلمين في دعمه من خلال المشاركة في الانتخابات الديمقراطية في هذه البلدان؟ وهل نتوقع حقا أي مساعدة من صانع وممول وداعم للقاتل؟
إننا كمسلمين، لكي نتمكن من إنهاء الإبادة الجماعية في غزة، والقمع الذي يتعرض له المسلمون في أماكن أخرى، لا بد أن نرفع رؤيتنا إلى ما هو أبعد من الاستراتيجيات الفاشلة للتغيير. ولا بد أن نتخلص من الاعتقاد الخاطئ بأننا قادرون على حل مشاكلنا من خلال النظام الديمقراطي الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالاستعمار، والذي ارتكب العديد من جرائم الإبادة الجماعية في بلادنا الإسلامية. ولا بد أن نكسر الوهم ونبدد الأسطورة القائلة بأن صناديق الاقتراع قادرة على تغيير قرارات السياسة الخارجية للدول الرأسمالية التي نعيش في ظلها. ولكن هذا غير صحيح! والواقع أن إحدى أفضل السبل للتعبير عن الغضب والمعارضة للإبادة الجماعية في غزة تتلخص في الانفصال عن النظام الذي يمول هذه الإبادة ويسهلها!
إذا أردنا حقا أن ننهي المذابح في غزة، فلا بد أن نبحث عن الحل الصحيح الذي سيحرر أرض فلسطين بالكامل وإلى الأبد. إن هناك جيشا يبيد أهل غزة وبقية فلسطين. ولذلك فإن إنهاء هذه الإبادة الجماعية يتطلب تعبئة جيش للدفاع عن الناس وتحريرهم. ولذلك فلا بد أن يوجه النداء إلى ضباط جيوش المسلمين للاستجابة لواجبهم الإسلامي في الدفاع عن أمتهم وتحريرها. ولكن لا يوجد اليوم حاكم أو دولة في البلاد الإسلامية لديها الإرادة السياسية لتحريك جيشها للوفاء بهذا الواجب. لذلك، نحن المسلمين، نحتاج إلى تحويل تركيزنا إلى تغيير القيادات والأنظمة في بلاد المسلمين بإزالة الأنظمة الخائنة الفاسدة التي ابتليت بها بلادنا، وإقامة الدولة التي تتبنى وتمثل الإسلام والأمة وتقاتل من أجلهما على وجه السرعة. هذه الدولة هي الخلافة على منهاج النبوة. في الواقع، لا يمكن أن يكون هناك نصر لهذه الأمة دون طاعة الله سبحانه وتعالى والاعتماد على حلوله ونظامه وحده. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أسماء صديق
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير