السبت، 07 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/09م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
هبوط سعر اليورو مقابل الدولار

بسم الله الرحمن الرحيم

 

هبوط سعر اليورو مقابل الدولار

 

 

 

الخبر:

 

أوردت وكالات الأنباء خبر هبوط سعر صرف اليورو مقابل الدولار إلى أدنى مستوى له بحيث أصبح اليورو يساوي 1 دولار بعد أن كان سعر الصرف 1.25 دولار لكل يورو.

 

التعليق:

 

لا شك أن هبوط سعر اليورو مقابل عملات أخرى أهمها الدولار هو نتيجة طبيعية للتضخم المالي الذي أصاب أوروبا وأمريكا ودولا أخرى. وجاء هذا التضخم جراء ضخ هائل للنقد من بنك الاحتياط المركزي في أمريكا وبنك أوروبا المركزي، خاصة أثناء جائحة كورونا، والتي توقفت فيه عجلة الإنتاج وتباطأ الاقتصاد المحلي والعالمي بشكل كبير. فكان الحل الأمثل لهذه الدول هو الاستمرار في ضخ النقد بكميات كبيرة زادت عن 20 تريليون دولار في أمريكا خلال الفترة من بداية 2020 وحتى نهاية 2021. ما يعني أن أمريكا قد أنتجت خلال سنتين ما يعادل 80% من مجموع الدولارات التي أنتجتها منذ بداية طباعة الدولارات في أمريكا.

 

وقد تبعت أوروبا خطوات أمريكا فأنتجت كميات هائلة من اليورو دون أن يكون لها غطاء اقتصادي أو غيره. وقد أدى تصرف أمريكا وأوروبا هذا إلى حدوث تضخم بمقدار زاد عن 8.5% في أوروبا وعن 9% في أمريكا. وقد صاحب هذا التضخم زيادة في أسعار الحاجات الأساسية والضرورية للناس كالغذاء والدواء والطاقة والسكن والمواصلات البرية والجوية وأسعار الشحن.

 

والمدقق في مسألة التضخم هذه يجد أنها تعود لسببين اثنين تم بموجبها إطلاق العنان لعملية إصدار النقود بكميات هائلة لعلاج أزمة طارئة وتوفيرها بكميات كبيرة لتغطية الآثار الناجمة عن ضعف الإنتاج أو تأثر خطوط التزويد بالبضائع أو الخدمات.

 

أما السبب الأول فهو تحرير النقد من أي رابط مستقل ذي قيمة ذاتية بحيث تستند قيمة النقد وكميته إلى هذا الرابط. وقد كان النقد في العالم كله خاصة الدولار والعملات الصعبة الأخرى تستند إلى الذهب بصفته معدناً له خصائص ذاتية تجعل منه صالحا ليكون مقياسا للنقود التي تصدرها الدول. إلا أن الربط بين النقد والذهب قد تخلصت منه أمريكا أولا في سنة 1971 حيث ألغت العمل بأحد بنود معاهدة بريتون وودز والقاضي بتقييد إنتاج الدولار بنسبة 35 دولاراً لكل أونصة ذهب، ومن ثم جعل باقي العملات العالمية تستند في سعر الصرف المتبادل إلى هذه القيمة. ولما ألغيت هذه الاتفاقية الخاصة بسعر صرف الدولار مقابل الذهب، أصبحت عملية إصدار النقود خاصة الدولار غير مقيدة بما لدى الدولة من ذهب قل أو كثر.

 

أما السبب الثاني فقد جاء من خلال فك الارتباط بين الدولار في أمريكا ومن ثم العملات الأخرى كاليورو في أوروبا وبين الإنتاج الاقتصادي، والذي قضى بالسماح للنقد أن تزداد كميته وضخه في السوق دون أن يرادفه نمو في الاقتصاد ومنتوجاته. ما يعني أن الدولة قد تنتج تريليون دولار أو يورو دون أن يصاحب ذلك إنتاج سلع وخدمات بقيمة تريليون دولار. وقد ظهر هذا جليا إبان جائحة كورونا حيث توقفت عجلة الإنتاج بشكل كبير في أمريكا وأوروبا ودول أخرى، إلا أن عجلة إنتاج النقود استمرت في ضخ مئات المليارات وكثير من التريليونات على مستوى العالم.

 

من هنا كان لفك الارتباط بين النقد في أي دولة وبين الذهب من جهة وبين النقد والنمو الاقتصادي من جهة أخرى، الأثر في وجود كميات هائلة من النقود في السوق تزيد بمرات عما هو متوفر فيه من سلع وخدمات. ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير من أجل المساعدة على التخلص من الزيادة المفرطة في كمية النقود المتوفرة في السوق. وحين لا تتمكن الدولة أو مجموعة الدول كالاتحاد الأوروبي من تصريف ما لديها من أموال نقدية، فإن قيمة عملتها لا بد أن تهبط. فإذا لم تهبط قيمة العملات الأخرى كالدولار مثلا بنفس نسبة هبوط اليورو، فإن سعر صرف اليورو مقابل الدولار سوف يقل. وهذا بالضبط ما حصل في الآونة الأخيرة حين وصل سعر صرف اليورو إلى دولار واحد بعد أن كان يزيد عن 1.25 دولار. وهذا لا يعني أن الدولار حاله أحسن من حال اليورو، حيث إن الدولار فقد جزءا كبيرا من قيمته الشرائية دون أن يفقد الكثير من قيمة صرفه أمام العملات الأخرى.

 

والحاصل أنه ما دام النقد سواء أكان اليورو أو الدولار أو الين أو الوان ليس له مرجع ثابت ليتم إنتاجه مقابله كالذهب، ولم يكن هناك تنسيق دقيق بين المنتوجات الاقتصادية وكمية النقود التي يتم إصدارها، فإنه لا محالة ولا مفر من حصول التضخم المالي والذي يؤدي إلى اضطراب في عجلة الإنتاج، واقتصاد السوق بشكل عام.

 

والحقيقة التي لا بد من إدراكها هي أن العالم وتحت قيادة أو هيمنة أمريكا قد قطع شوطا كبيرا في عمليات إصدار النقد دون روابط وثيقة، ما يجعل عودته مستحيلة لنظام الذهب ولجعل النقد متماهيا مع الإنتاج الاقتصادي الحقيقي. وسوف تبقى مسائل التضخم المالي، وارتفاع الأسعار وضعف الإنتاج عبارة عن قنابل موقوتة تتفجر في الدول بين الحين والآخر، وتزداد قوة هذا الانفجار سنة وراء سنة.

 

ولا يوجد مخرج للعالم من آفات التضخم وارتفاع الأسعار وضعف الإنتاج إلا مخرجا واحدا يتمثل في وجود دولة مبدئية يكون فيها ربط النقد بالذهب أمرا متعلقا بالمبدأ وما ينبثق عنه من أحكام، وكذلك الربط بين النمو الاقتصادي وإصدار النقد، بحيث لا يتم إصدار نقود إن لم يكن هناك بضاعة كافية لاستهلاك هذه النقود، أي مواءمة النمو الاقتصادي والنمو المالي وإصدار النقد. وما هذه الدولة المبدئية إلا دولة الخلافة على منهاج النبوة القائمة قريبا بإذن الله.

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

د. محمد جيلاني

آخر تعديل علىالأحد, 24 تموز/يوليو 2022

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع