- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
طالبان والاتفاق على تمكين أمريكا من الانسحاب الآمن من أفغانستان
الخبر:
نشرت الصحف العالمية ووكالات الأنباء صور أفراد من الشعب الأفغاني وهم يتسلقون أجنحة طائرات الشحن الأمريكية وكأنها هي طائرة النجاة من الجحيم إلى النعيم. ونشرت صورة ادعت أنها لشخصين سقطا من على جناح الطائرة التي أقلعت من مطار كابول.
التعليق:
لقد وجدت ولربما أوجدت آلة الإعلام الغربي ضالة ثمينة وهي تصور محاولة أفغانيين الهرب من مصير بائس إلى شاطئ الأمان في أمريكا وأوروبا! وبقيت محطات التلفزة العالمية ومنها الجزيرة تعيد وتكرر مشهد المتهافتين على التعلق بأجنحة الطائرات بمنظر يبعث على الشفقة من جهة والاشمئزاز من جهة أخرى. وحاولت آلة الرأسمالية الغربية أن تختزل ما حصل في أفغانستان بهذه الصور والمناظر، ولسان حالهم يقول إن الشعب في أفغانستان يفر من شبح عودة الإسلام للحكم. وبقيت هذه الصور تشكل الخلفية للمسرح السياسي وتصريحات المسؤولين في أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، وهي بمجموعها تطالب طالبان بأن تلتزم ما أسموه زورا وبهتانا حقوق الإنسان، واحترام الحريات، وضمان حقوق المرأة، وعدم التعرض (للأقليات) وغيرها من الترهات التي يخفون وراءها مطامعهم الاستعمارية وأنيابهم الملوثة بدماء المسلمين في أفغانستان واليمن وليبيا وسوريا وميانمار...
وبكل حرفية إعلامية وحقد دفين على الإسلام والمسلمين، لم تحفل وسائل الإعلام الغربية وأذنابها في بلاد المسلمين، لم تحفل بانضمام أكثر جنود الجيش الأفغاني لصفوف طالبان أو على الأقل للوقوف على الحياد، بالرغم من صرف أمريكا أكثر من 80 مليار دولار على رشوة الجنود ومحاولة تغريب شخصياتهم وإذابتها في بوتقة الغطرسة الأمريكية. ومن خلال التركيز على دراما المطار، تم صرف النظر عن تهافت المدن والقرى وإعلان ولائها لمقدم طالبان ولما تمثله من تبنٍّ للفكر الإسلامي علنيا، بعيدا عن تفاصيل السياسة والالتزامات السياسية والتي لا يراها ولا يدركها عموم الناس. فالظاهر للعيان والملموس للناس عامة هو التوجه القوي نحو عودة الإسلام ليسود في البلاد بدلا من فساد حكام أفغانستان الذين صنعتهم آلة الإفساد الأمريكي.
فالحقيقة التي لا تستطيع آلة الإعلام أن تخفيها من خلال صورة تتكرر مئات المرات على شاشات التلفزيون، هي أن الشعب في أفغانستان هو شعب مسلم بأجمعه يحب الإسلام ويثور لأجل الإسلام وقد قاتل 10 سنين ضد الاحتلال الشيوعي لأفغانستان وأتبعه 20 عاما ضد الاحتلال الأمريكي. وإن صورة الطائرة الكئيبة لا يمكن أن تطمس حقيقة شعب أفغانستان. ولعل هذه الحقيقة بعينها وهي حقيقة تجذر الإسلام ومفاهيمه والولاء لعقيدته هي التي تخيف الغرب وترهبه أكثر من السلاح الذي يحمله مقاتلو طالبان في أفغانستان أو حماس في غزة أو حزب إيران في لبنان. وفي الوقت نفسه هذه الحقيقة عينها هي التي تلاحق بإصرار أقطاب الصف الأول من الحركات المسلحة والمتصدرة للشأن الإسلامي لتجبره على الانحياز الدائم لمبدأ الأمة وأن لا تنحرف باتجاه البوصلة الغربية تحت حجج واهية لا تنسجم مع عقيدة الأمة.
لقد رأينا وشاهدنا من قبل إبان الربيع العربي كيف وقفت الأمة مع كل من كان يحمل توجها إسلاميا بغض النظر عن حقيقة أو عمق أو مصداقية هذا التوجه. ولما رأت الأمة عدم التزام أصحاب التوجه الإسلامي وعدم سيرهم في مشروع إسلامي واضح انفضت عنهم فباتوا لقمة سائغة لأعداء الإسلام وأتباع الشيطان. وأفغانستان ليست صبغة أخرى من الأمة بل هي من جنسها ومن نتاج عقيدتها.
أما طالبان فسوف تدرك سريعا أن الأمة في أفغانستان لن تقبل منهم أي تجاذبات قد تؤدي إلى تقزيم الإسلام وحصره في العلاقات الشخصية والقضاء في الأحوال الشخصية وتطبيق الحدود. إذ إن الشعب لا بد أن يلمس بشكل مباشر العدل في القضاء كما يلمسه في توزيع الثروات الحقيقي، ويلمسه في عدل الحدود الشرعية كما يلمسه في العلاقات الدولية، ويلمسه في الحفاظ على مصالح المسلمين بدلا من الحفاظ على خطوط الإمداد بالغاز للشركات الرأسمالية العالمية. الشعب في أفغانستان كما هو في الأمة جمعاء هو شعب مسلم يدين بالإسلام، بالرغم من خضوعه لعقود خلت لاستعمار بشع وإقصاء ممنهج عن حقيقة الإسلام. ولن يكون سهلا على طالبان أن تناور وتتهرب من الحقائق تحت أي ذريعة، وإن فعلت فإن الجموع الحاشدة التي استقبلتها بقلوب صادقة وصدور مكشوفة سيكون لها رأي آخر ليس من خلال الهرب على متن طائرات المستعمر المحتل بل من خلال نصرة من يقف بكل قوة وجرأة مع دين الله كاملا غير منقوص في شؤون الحكم كما في شؤون القضاء، وفي شؤون المال كما في شؤون الحدود، وفي شؤون العلاقات الدولية كما في شؤون العلاقات الداخلية ولسانهم يلهج بقوله تعالى:
﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
#أفغانستان #Afganistan #Afghanistan
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. محمد جيلاني