- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
فيروس كورونا ولحظة مواجهة مع واجبات الأسرة المسلمة
الخبر:
أغلقت المدارس أبوابها في معظم بلدان العالم إلى أجل غير مسمى بسبب تفشي فيروس كورونا. وحسب اليونسكو فقد تجاوز عدد الدول التي أغلقت مدارسها للحد من انتشار الفيروس المئة دولة.
التعليق:
تولت المنظومة الفكرية الغربية والأنظمة التي تبنت فكرها لمدة تزيد عن القرن مهام الأسرة ونصبت نفسها مربياً يرعي شؤون الأطفال ويرتب أمورهم عبر التعليم النظامي ومؤسسات تعليمية ودور رعاية ودور للشباب بينما صرفت جهود الأهالي في الحياة العملية. فكلفت الفرد ذكرا كان أم أنثى بتبعات الثورة الصناعية الكبرى وبناء إمبراطوريات رأسمالية، بينما ترتب الدولة شؤون الفرد وأسرته الصغيرة. وفككت نسيج الأسرة الممتدة بل وحاربتها عبر تعزيز مفهوم الفردية في المجتمع، فتحولت البيوت الكبيرة العامرة بالألفة والقيم حيث ينشأ الطفل في كنف الجد وحنان الجدة وتوجيه العمات والخالات، تحولت إلى قصور وهمية يزهو بها المرء بعلو الذات وتفرد الرأي، ولا يجد فيها النشء ضالته! نعم استحكمت الفردية على الأسرة وأفقدتها السكينة.
كشف فيروس كورونا حقيقة الحياة الأسرية حيث يعود الأبناء والأهل إلى المنزل بعد يوم شاق ويتوجه كل منهم لحجرة يتابع فيها عالمه الخاص. يجمعهم سقف واحد وتبعدهم مسافات عوالمهم المختلفة. يمر اليوم في صخب المهام والالتزامات ويبدأ يوم جديد من دوامة الحياة العصرية وقد لا يتجاوز التواصل الأسري الاجتماع على وجبة طعام أو لحظات تقضيها الأسرة مع التلفاز... وفجأة توقف الروتين اليومي وأصبح أفراد الأسرة أمام واقع مختلف؛ لم يعد وجود الأطفال في المنزل لحظات محدودة أو مجدولة كفترة الإجازة السنوية التي يحضر لها الكثيرون من خلال برامج السفر، وأصبحت التربية عبئأ ثقيلا وأصبح وجود الطفل مصدر قلق!
ساعات أسرية إجبارية أتت دون سابق إنذار وسط تذمر الأطفال وذويهم من إغلاق المدارس وحظر النشاطات. حصر الفيروس الأهل مع أطفالهم وأصبحت المهام ثقيلة بل أربكهم واقع متابعة تربية وتعليم أطفالهم بشكل كبير وكأن هذا الدور ليس بدورهم الفطري! وجد الأهل أنفسهم وجها لوجه مع مسؤوليات خففت عنهم لعقود كي يتفرغوا لمهام أخرى. وفجأة وجدوا أنفسهم دون معين من الأهل بعد أن تابعت الفلسفة الغربية الوافدة محاربة نظام الأسرة الممتدة، ووجدت الكثير من الأسر نفسها في صراع مدمر بين دعم وسند الأسرة الممتدة وبين الفردية وسراب السعادة والاستقلال في شقق ضيقة يضيق فيها المرء من كل من حوله.
أصبح الطفل وحيدا في أسرته، لا يجد ملجأ سوى الأجهزة الإلكترونية التي تعوضه الفراغ النفسي والعاطفي. يشعر بين ذويه في غربة ويجد ملاذه في عالم افتراضي بعيد! وقد صرحت اليونيسكو في موقعها في خضم الحديث عن مضار الاستمرار في إغلاق المدارس أن الأطفال مهددون بالانعزال المجتمعي حيث إنهم لا يجدون فرصة للتواصل مع الآخرين إلا عبر المدارس وأن هذا التواصل أساسي من أجل نمو وتطور الطفل.
إن أمر المؤمن كله خير، ولعلها فترة لإعادة ترتيب الأوراق وإعادة النظر في تأثير الفكر الرأسمالي على حياة الأسرة المسلمة، وترتيب سلم الأولويات في حياة المسلم، فرصة لخلق التوازن في حياة الأسرة المسلمة وتولي المسؤليات حسب التكاليف الشرعية بدلا من أن يكون المرء مجرد ترس في عجلة.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي e قال: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». (متفق عليه)
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
هدى محمد (أم يحيى)
#كورونا | #Covid19 | #Korona