الخميس، 26 شوال 1446هـ| 2025/04/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
معضلات الغرب في قضايا حسمها الإسلام قبل أربعة عشر قرناً

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معضلات الغرب في قضايا حسمها الإسلام قبل أربعة عشر قرناً

(مترجم)

 

 

الخبر:

 

تواجه شركة "بريتيش ستيل"، المشغلة لآخر فرنَين عاليين لصهر الحديد الخام في المملكة المتحدة بمدينة سكونثورب، خطر الإغلاق بعد رفض مالكتها الصينية، مجموعة "جينغيي"، عرضاً حكومياً بقيمة 500 مليون جنيه إسترليني لدعم استمرار العمليات. وأثار هذا التطور مخاوف جدية من إنهاء إنتاج الصلب الأولي في البلاد، ما يهدد بفقدان نحو 2700 وظيفة. وفي خطوة عاجلة، أقرّت الحكومة البريطانية في 12 نيسان/أبريل 2025 قانون "التدابير الخاصة بصناعة الصلب"، الذي منحها صلاحيات استثنائية لضمان استمرار تشغيل الأفران ومنع تدهور حالتها إلى مستوى غير قابل للإصلاح. ويهدف هذا التدخل إلى حماية قطاع حيوي للاقتصاد الوطني وتأمين مستقبل العمالة المرتبطة به.

 

التعليق:

 

تصاعدت الأزمة المتعلقة بشركة بريتيش ستيل عندما حاولت مجموعة جينغيي بيع شحنة من فحم الكوك الضروري لعمليات الإنتاج، ما دفع الحكومة البريطانية إلى التدخل وتأمين الشحنة لضمان استمرار الإنتاج. وقد كشف هذا التدخل عن هشاشة الاعتماد على الملكية الأجنبية في البنى التحتية الحيوية، وأوضحت الحكومة البريطانية أن تدخلها جاء لحماية المصالح الوطنية. ومع ذلك، لا بد من طرح تساؤلات أعمق حول جذور هذه الأزمة. فقد عرّف الإسلام الملكية العامة بوضوح، «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ» (سنن أبي داود). ورغم ذلك، لا تزال الدول الرأسمالية الغربية تعاني في التعامل مع هذا المفهوم، حيث يتم احتكار الموارد العامة بشكل روتيني أو تسليمها لقلة من المشغلين الخواص الذين يتحكمون في المياه والطاقة والخدمات العامة المقدمة للناس مقابل أسعار مرتفعة واستثمارات متدنية. وقد أضافت ملكية مجموعة صينية لشركة بريتيش ستيل بُعداً إضافياً للأزمة، إذ أصبح من الممكن أن يؤدي امتلاك أطراف أجنبية لبنية تحتية وطنية حساسة إلى إدخال أبعاد عدائية إلى جانب الدوافع الربحية. وجاء الرد البريطاني من خلال السيطرة الحكومية على العمليات، وهو حل وسط لا يرقى إلى التأميم الكامل، حيث لا تزال مجموعة جينغيي المالكة القانونية لبريتيش ستيل. لقد عانت المملكة المتحدة لعقود من التعامل مع الصناعات الحيوية دون وجود تعريف متفق عليه لمفهوم الملكية العامة، وظل الموضوع عالقاً بين السياسيين الاشتراكيين، الذين ينكر بعضهم فكرة الملكية الخاصة بشكل كامل، وبين الحكومات المحافظة التي تعتبر كل شيء ملكية خاصة إلى أن يتم التوصل إلى تسوية وسطية.

 

بين عامي 1945 و1951، شرعت حكومة حزب العمال البريطانية، برئاسة كليمنت أتلي، في تنفيذ برنامج شامل للتأميم بهدف تأمين السيطرة العامة على ما كان يُعتبر صناعات حيوية. وبموجب قانون تأميم صناعة الفحم لعام 1946، تم ضم نحو ألف منجم فحم خاص إلى مجلس الفحم الوطني. وفي إطار قانون النقل لعام 1947، تم توحيد السكك الحديدية الأربع الكبرى مع هيئة نقل لندن وعدد كبير من شركات الحافلات تحت مظلة لجنة النقل البريطانية. كما أنشأ قانون الحديد والصلب لعام 1949 مؤسسة الحديد والصلب لامتلاك كبرى شركات إنتاج الصلب. أما قانون الغاز لعام 1948 فقد دمج أكثر من ألف مرفق غاز محلي ضمن مجالس إقليمية للغاز، في حين أنشأ قانون الكهرباء لعام 1947 هيئة وطنية موحدة للكهرباء، وأخضع قانون بنك إنجلترا لعام 1946 البنك المركزي البريطاني للملكية العامة. وقد عكست هذه الإجراءات قناعة راسخة بأن القطاعات الأساسية - من الطاقة إلى التمويل - يجب أن تُدار لخدمة المصلحة العامة، لا لتحقيق أرباح خاصة.

 

على النقيض من ذلك، قامت الحكومات المحافظة بقيادة مارغريت تاتشر وجون ميجور (1979–1997) بشكل منهجي بعكس الكثير من الإطار الذي كانت تقوده الدولة، من خلال تنفيذ سياسات الخصخصة وتحرير السوق. فقد مهدت الطروحات الأولية لأسهم شركتي بي بي (BP) وبريتيش أيروسبيس الطريق لعمليات بيع كبرى لاحقة، مثل خصخصة شركة الاتصالات البريطانية (British Telecom) بموجب قانون الاتصالات لعام 1984، وشركة الغاز البريطانية (British Gas) بموجب قانون الغاز لعام 1986، بالإضافة إلى تفكيك وبيع مرافق الكهرباء والمياه بموجب قانون الكهرباء لعام 1989 وقانون المياه لعام 1989 على التوالي. وحتى شركة بريتيش ستيل تم تحويلها إلى شركة مساهمة وبيعها بموجب قانون بريتيش ستيل لعام 1988، فيما انتقل ما تبقى من عمليات الفحم إلى القطاع الخاص بموجب قانون صناعة الفحم لعام 1994، وتم منح امتيازات تشغيل خدمات السكك الحديدية بموجب قانون السكك الحديدية لعام 1993. وقد زُعم أن الخصخصة ستؤدي إلى تعزيز الكفاية، وتحفيز المنافسة، وتقليل العبء المالي الواقع على دافعي الضرائب.

 

مع مرور الوقت، تلاقت توجهات اليسار واليمين على فكرة متفرقة مفادها أن دور الحكومة يجب أن يقتصر على ترك الأسواق تدير الموارد والخدمات العامة الحيوية، مع الاكتفاء بوضع أطر تنظيمية لتحديد إرشادات الأسعار ومعايير تقديم الخدمات. ومع ذلك، بدأ يظهر خطاب متنامٍ، تسارع ظهوره خلال فترة حكم ترامب، يعترف أخيراً بأن السوق الحرة العالمية لا ينبغي أن تُترك دون ضوابط تتحكم في الاقتصاد. فحتى قبل أزمة بريتيش ستيل، كانت المملكة المتحدة قد بدأت تتخذ خطوات للحد من الهيمنة الصينية على شبكة الجيل الخامس (G5) لديها، بينما قام ترامب بهدم عقيدة العولمة تماماً عبر فرض رسوم جمركية صارمة تهدف إلى إعادة بناء القاعدة الصناعية الأمريكية التي شهدت تراجعاً على مدار العقود مع ارتفاع الدين العام لأمريكا.

 

يتخبط الغرب بسبب فهمه المحدود لمفهوم الملكية العامة وإصراره المبدئي على حرية السوق، ما يؤدي إلى أزمات متكررة يتم التعامل معها بشكل ترقيعي عبر فرض الرسوم الجمركية والتشريعات الطارئة، وذلك على أساس كل حالة على حدة.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

د. عبد الله روبين

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع