- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
الشام بحاجة لدولة إسلامية، وليس لدولة وطنية
الخبر:
نشرت قناة الجزيرة في موقعها الإلكتروني نص الإعلان الدستوري للجمهورية العربية السورية، وفقاً لما نشرته وكالة الأنباء السورية "سانا". (الجزيرة نت، 2025/03/14م)
التعليق:
ثار جدل إثر وقبل صدور الإعلان الدستوري في سوريا، من جهة طريق تشكيل لجنة إعداد الإعلان وأعضائها، ومن جهة محتوى الإعلان. ولفتت النظر داخل أوساط الإسلاميين المادة الثالثة في الإعلان والتي تنص على أن "دين رئيس الجمهورية الإسلام، والفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع". وفي هذه العجالة لست بصدد المناقشة القانونية للمادة وأثرها، إنما أنا بصدد إلقاء الضوء على ما هو أساسي وما هو جذري في قضية إيجاد الشرع في واقع الحياة.
جاء في الإعلان الدستوري المذكور "... وحرصاً على إرساء قواعد الحكم الدستوري السليم المستوحى من روح الدساتير السورية السابقة، ولا سيما دستور عام 1950..". وبالفعل، عند الرجوع لدستور 1950 نجده في مادته الثالثة أيضاً ينص على أن "دين رئيس الجمهورية الإسلام" وأن "الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع".
مثلما أن دستور نظام أسد البائد لعام 2012 ينص في المادة الثالثة أيضاً على أن "دين رئيس الجمهورية الإسلام" وأن "الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع".
بدايةً أقول إن هناك فرقاً كبيراً بين أن يكون القرآن والسنة هما الأساس للتشريع، وأن يكون القرآن والسنّة أو العقيدة الإسلامية - للدقة - هي الأساس للدستور والدولة والأنظمة.
فكون العقيدة الإسلامية أساس الدستور يعني أنها هي الباعث على إقامة الدولة والمحددة لشكلها. وأن الدولة هي دولة للمسلمين جميعاً، بل هي دولة للناس جميعاً، ولا تستثني العجم أو العرب الآخرين أو غير المسلمين من تابعيتها. أما الباعث على إنشاء الدولة الوطنية (سوريا أو غيرها) فأمر مختلف جذرياً. ففي مقدمة الإعلان الدستوري في سوريا، النص على أنه ".. واستناداً إلى القيم العريقة والأصيلة التي يتميز بها المجتمع السوري بتنوعه وتراثه الحضاري، وإلى المبادئ الوطنية والإنسانية الراسخة، وحرصاً على إرساء قواعد الحكم الدستوري السليم المستوحى من روح الدساتير السورية السابقة، ولا سيما دستور عام 1950 - دستور الاستقلال -، وإعمالاً لما نص عليه إعلان انتصار الثورة السورية الصادر بتاريخ 29 كانون الثاني/يناير 2025، الذي يُعد أساسا متيناً لهذا الإعلان. فإن رئيس الجمهورية يُصدر الإعلان الدستوري..".
وفي المقابل، وحين البحث في الدساتير التي بين أيدينا نجد أساس الدستور والدولة واضحاً ودقيقاً في مشروع دستور حزب التحرير (191 مادة) والذي قال عنه الحزب إنه مشروع دستور لدولة الخلافة، وضعه كي يتصور المسلمون واقع الدولة الإسلامية. وأنه دستور إسلامي، منبثق من العقيدة الإسلامية، ومأخوذ من الأحكام الشرعية، بناءً على قوة الدليل. وبالعودة إلى المادة الأولى من مشروع الدستور هذا، نجدها تنص على أن "العقيدة الإسلامية هي أساس الدولة، بحيث لا يتأتّى وجود شيء في كيانها أو جهازها أو محاسبتها أو كل ما يتعلق بها، إلّا بجعل العقيدة الإسلامية أساساً له. وهي في الوقت نفسه أساس الدستور والقوانين الشرعية بحيث لا يُسمح بوجود شيء مما له علاقة بأي منهما إلّا إذا كان منبثقاً عن العقيدة الإسلامية".
كما أننا وجدنا الحزب في مشروع الدستور قد فصّل في بيان أدلة المادة وشرحها، وبين أن الرسول ﷺ قد أقام الدولة على أساس العقيدة الإسلامية، وأمر بحمل السلاح في سبيل بقاء العقيدة الإسلامية أساساً للدولة، وأمر بالجهاد من أجل العقيدة الإسلامية. فيجب أن يكون وجود العقيدة الإسلامية كأساس للدولة، ممثلاً في كل شيء يتعلق بوجود الدولة، فلا يجوز أن يكون لدى الدولة أي مفهوم عن الحياة والحكم إلا إذا كان منبثقاً عن العقيدة الإسلامية، فلا يسمح مثلاً بمفهوم الديمقراطية أن يتبنى في الدولة لمخالفته للأحكام الشرعية، ولا يجوز أن يكون لمفهوم القومية أو الوطنية أي اعتبار أو وجود؛ وذلك لمخالفتهما الأحكام الشرعية التي جاءت بذمهما وبيان خطرهما. كما أنه يمنع قيام جماعات على أساس غير العقيدة الإسلامية.
هكذا تكون الدولة دولة إسلامية، وليس كتلك الدساتير التي زينوها بمواد لا معنى لها، كتلك التي تقول إن "دين الدولة الإسلام والفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع"!
وهكذا تكون الدولة دولة إسلامية، لا مكان فيها لملكية أو جمهورية، ولا قومية عربية ولا قومية فارسية ولا وطنية كويتية أو سورية أو مصرية، ولا مكان فيها لعلمانية ناعمة أو صلبة، ولا مكان فيها إلا للعقيدة الإسلامية وما انبثق عنها من أفكار وأحكام، فالعقيدة لا تقبل شريكاً، قال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للهِ﴾.
وهكذا يتبين لنا أثر العقيدة الإسلامية في النظرة للحياة وفي منهج الاستدلال وفي أساس الدولة. فالقضية ليست في مادة أو مواد في الدستور تضفي عليه مسحة دينية، بينما يكون الدستور نفسه والأنظمة والقوانين والسياسات التي تطبق في الداخل والخارج من غير الإسلام!
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
م. أسامة الثويني