- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
من الكولوسيوم إلى كأس الأبطال، الأفيون الحقيقي للشعوب
(مترجم)
الخبر:
في أعقاب هزيمة باكستان أمام الهند في بطولة كأس الأبطال، اندلعت انتقادات شديدة في مختلف أنحاء باكستان، من المشجعين واللاعبين السابقين ومحللي لعبة الكريكيت على حد سواء.
التعليق:
لقد أصبحت لعبة الكريكيت بطريقة ما رمزاً للقوة والشرف لشعوب شبه القارة الهندية وجميع البلدان التي خضعت مباشرة للحكم البريطاني. وبالنسبة لشعب جنوب آسيا، ترتفع حدة التوترات عندما تكون المباراة بين الهند وباكستان. فرغم أن الفريقين يلعبان على أرض الملعب ولكن من المفترض أن يحملا روح المنافسة، حيث يتم شحن الجماهير من كلا البلدين بالكراهية المتبادلة التي زرعها مبتكر هذه الرياضة منذ أكثر من 150 عاماً. في الواقع، توفر هذه اللعبة منظوراً فريداً لفهم تاريخ وتطور وحتميات وتناقضات الاقتصاد السياسي الرأسمالي. لطالما كانت الهند المنافس الرئيسي لباكستان، ولكن مع تغير الديناميكيات السياسية، رأينا تراجعا في أداء باكستان بينما ارتفع أداء الهند في لعبة الكريكيت، وأصبحت قوة اقتصادية إقليمية أيضاً. وفي الوقت نفسه، ظهر فريق الكريكيت الأفغاني كبديل للهند ويخدم الأغراض الاستعمارية المتمثلة في إيجاد الكراهية بين المسلمين.
الهند وباكستان قوتان نوويتان وخاضتا ثلاثة حروب ولم يتم حل صراعاتهما بعد، يمكن القول إن إبقاء النزاعات دون حل يخدم الأنظمة وتوجهاتها القومية. لم يقم أيّ من الفريقين بزيارة بلد الآخر لخوض سلسلة مباريات ثنائية منذ أكثر من عقد.
لقد ظل شعب باكستان متمسكاً ببعض الانتصارات المجيدة التي حققها في تاريخه، ولكن هذه الأوقات من المجد والانتصار لم تدم طويلاً، وتبعتها فترات من الهزيمة والإذلال بسبب المشهد الدولي، حيث تتداخل الرياضة مع السياسة. كانت لعبة الكريكيت واجهة للحكم الاستعماري البريطاني، وقد قدمت أول نسخة من الرأسمالية الدولية القائمة على الشراكة التجارية بين الحكام والمحكومين، ولهذا السبب كانت أول من أنشأ الدول القومية. كانت هذه اللعبة تجسد بعض الجوانب الأساسية للمجتمع الفيكتوري مثل الروح الرياضية والانضباط، وكانت في الأساس لعبة للطبقة المتحضرة. ومع تطور اللعبة، أصبح الهدف منها نشر هذه القيم "المتحضرة" بين من كانوا يُعتبرون غير متحضرين. في النهاية، كان نبلاء الهند وأمراؤها هم الذين ساعدوا في تجاوز الحواجز الطبقية لهذه الرياضة، فقد كانوا الحكّام الذين نقلوا قواعد البريطانيين كما هي.
يشجع الإسلام على المحافظة على الصحة واللياقة، لأن صحة المسلم الجسدية والعقلية ضرورية للتميز في عبادة الخالق سبحانه وتعالى. سواء أكان الأمر يتعلق بمجتمع صحي أو بساحة معركة نشطة، فإن كل شيء يتطلب صحة عقلية وجسدية للناس. لقد أرسل الله سبحانه وتعالى نبينا محمداً ﷺ بوصفه قدوة، وعاش حياته ليكون مثالا لنا ويسهل علينا طريقة العيش. في الإسلام، للرياضة غرض، ويمكنها أن تلعب دوراً مهماً في اللياقة البدنية والعقلية للناس، لكن الرياضة الرأسمالية الحديثة تتبع في الواقع نمط الأنشطة الوثنية القديمة التي كانت تهدف لإشغال الناس بأمور تبعدهم عن القضايا الجوهرية. حيث تستمر الجماهير في انشغالها بالأمور البسيطة ويظل الحكام في حكمهم دون رقابة. يمكن إرجاع هذا النمط الذي يستخدم الرياضة كوسيلة للتسلية إلى عام 58م، عندما أرسل الإمبراطور الروماني سفينة محملة بالذهب إلى مصر لإحضار الرمال لملء الكولوسيوم حيث تقام ألعاب المصارعة. وبينما كانت هذه السفن في البحر، اندلعت الاحتجاجات في روما لأنها كانت تمر بمجاعة كبيرة. وعندما وصلت السفن إلى مصر، علم الضابط الرئيسي المسؤول عن القافلة بما حدث، فطلب حاكم مصر الروماني مشورته: هل يشتري القمح بالمال لإنقاذ روما أم يعود بالرمال. فأجابه الحاكم أن يعود بالرمال، وتبين أن هذا الجواب كان صائبا، فبمجرد بدء الألعاب مرة أخرى، انتهى التمرد. كانت ألعاب المصارعة تهدف إلى إثارة الحماسة لدى الجماهير من أجل دولهم، ونرى الأمر نفسه يحدث اليوم. فبدلاً من الاستمتاع بالرياضة كنشاط ترفيهي فقط أو للحفاظ على اللياقة، أصبحت المباريات، والاحتفالات، والضجيج الإعلامي أدوات لجذب المشاهدين، من خلال استغلال حاجة الإنسان للانتماء للمجتمع. حيث أصبح الفوز مصدر فخر جماعي بينما الخسارة عار جماعي. وهذا الاستثمار العاطفي هو ما يستغله الرأسماليون، وفي المقابل نشهد صمتاً مخيفاً من جانب وسائل الإعلام إزاء عمليات الإعدام الجماعي للمسلمين في الهند وهدم المساجد. وكما قال ويليام رايش (طبيب نمساوي ومحلل نفسي): "لو أمكن تحويل الطاقات النفسية للجماهير التي تشاهد مباريات كرة القدم أو المسرحيات الكوميدية إلى مسار عقلاني في حركة تحررية، لأصبحوا لا يُقهرون".
وهذا هو المسار العقلاني الذي تحاول الدعاية الرأسمالية تجنبه، بإبقاء الناس مشغولين بأنشطة عبثية. في ظل الدولة الإسلامية لن يكون الإنسان مجرد وسيلة لتحقيق التقدم المادي والإنتاجية. بل سيكون له دور في عيش حياة نموذجية تجذب العالم إلى الإسلام. سيكون الحاكم المخلص؛ الخليفة، مسؤولاً عن حماية المسلمين من هذه المتع التافهة والمغرية التي تحمل في طياتها ضرراً عظيماً. ونتيجة لذلك، ستدرك الأمة المخلصة أن هدف حياة المسلم ليس مجرد تحقيق لحظات قصيرة من النشوة بعد إهدار ساعات وأيام على رياضة. ستُعيد الرياضة في ظل الخلافة تعريف هدفها، وستترك قوة المسلمين أثراً عظيماً في القلوب، بإذن الله.
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً﴾
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
إخلاق جيهان