بسم الله الرحمن الرحيم
كيف يجب أن يكون الرد على الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(مترجمة)
هز العالم الإسلامي تحدٍّ آخر من طرف الغرب. فبالإضافة إلى ما قامت به مجلة شارلي إيبدو الأسبوعية الفرنسية، فقد قامت الكثير من وسائل الإعلام الأوروبية بإعادة طباعة ما كان قد نشر سابقاً من رسوم كاريكاتورية عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إن الكفار قد ذهبوا إلى أبعد من ذلك؛ ففي 2015/1/14م صدر عدد جديد من المجلة يحوي رسوماً كاريكاتورية جديدة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وطبع منها مليون نسخة بدل 60 ألف نسخة كما هو معتاد، ثم زادوا عدد الطبعة ليصل إلى 3 مليون نسخة، ثم صاروا يريدون رفع عدد النسخ لتصل إلى خمسة بل إلى سبعة ملايين نسخة. وهذا أمر غير معتاد في تاريخ الجرائد والمجلات الفرنسية كلها، وهو دليل صارخ على كُره الغرب للإسلام. فلم يعد عندهم أي احترام للمسلمين، وهم، أي الكفار، يسخرون من حبيبنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم صراحة ويستخدمون مقتل الرسامين ذريعة لهجومهم المبدئي على القيم الإسلامية، محاولين حمل المسلمين على الاعتراف بحق غير المسلمين في الاستهزاء بقيم الإسلام ومقدساتنا.
وبطبيعة الحال فإن كل مسلم مخلص يسأل عما يجب فعله في هذه الحالة، وكيف يمكن وقف الاستهزاء برسول الله عليه الصلاة والسلام، وكيف يكون الرد الحقيقي على هذا التحدي، وكيف نعاقب أولئك المجرمين على جرائمهم، ومن ثم كيف نعمل على القضاء نهائيا على الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم من قبل الغرب؟
لو نظرنا في سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وسيرة الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم، وفي تاريخ الدولة الإسلامية، منذ بدايتها وحتى تاريخ هدمها، فسيتضح لنا تماماً أن الإسلام قد وضع حلاً لهذه المشكلة، حيث واجه المسلمون حالات مماثلة مرات عدة. لقد حافظ الإسلام على العقيدة بأحكام كثيرة، وقد منعت هذه الأحكام بفاعلية محاولات النيل من الإسلام أو المساس بمقدسات المسلمين على مر القرون، ليس فقط داخل حدود الدولة الإسلامية بل أيضا على أراضي الدول الأخرى.
ويكفي أن نذكر ما جرى في 1890م حين قام الكاتب الفرنسي مارك دي باريس بكتابة سيناريو لمسرحية تعرض على خشبة مسرح كوميديا فرانسيس، وفيها إساءة لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، فقام حينها الخليفة عبد الحميد بإرسال رسالة إلى فرنسا يمنعها فيها من عرض تلك المسرحية، فأطاعت فرنسا أمره ومنعتها، وأرسلت للسلطان الرسالة التالية: "نحن متأكدون بأن الموقف الذي اتخذناه تجاه أمر السلطان سيعزز العلاقة التي بيننا...".
ثم قام الكاتب الفرنسي بعدها بمحاولة عرض مسرحيته في بريطانيا، وبدأ التحضير للعرض في أحد المسارح الإنجليزية المشهورة، فما كان من السلطان إلا أن أرسل رسالة أخرى يطلب فيها منع عرض المسرحية، فمنع عرض المسرحية في بريطانيا، واعتذرت بريطانيا عن سكوتها عن محاولة الكاتب عرض مسرحيته فيها. لا بد هنا من التأكيد على أن هذا الأمر حصل حين كانت الإمبراطورية البريطانية تحتل مركز الدولة الأولى في العالم، كما هي أمريكا اليوم، وفرنسا أيضا كانت من الدول الكبرى وقتها، ومع ذلك فإن الخلافة العثمانية لم تسمح لهما بالإساءة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان الغرب يتصور تماماً مدى ما يحمل المسلمون من حبٍّ لرسولهم ولدينهم وأنهم جاهزون للذود عنهما والحفاظ على قيمهم مهما كلفهم الأمر.
وهكذا، فإن الدولة هي التي حمت العقيدة، ومنعت المساس بشرف الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. ولذلك لا بد أن يفهم الجميع أن الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم والإساءات الأخرى للعقيدة الإسلامية ستتوقف فقط عندما تقام دولة الخلافة الإسلامية.
من هذا، يتبين بأن الطريق الوحيد لمنع الإساءة إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، هو العمل لإقامة الخلافة. وجدير بالذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تحمل صنوف الأذى في طريق إقامة الدولة، من الاستهزاء والاعتداء المادي على شخصه. فمنهم من ألقى على ظهره أمعاء الشاة وآخر وضع الشوك في طريقه، وثالث وضع القمامة عند باب بيته، ورابع حثى على رأسه الشريفة التراب. وما تعرض له صحابته الكرام، من أصناف العذاب، وحتى القتل. وهكذا فإن الطريق التي سلكها الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانت من أجل حماية المسلمين وتطبيق شرع الله وحده، وهو الطريقة لإقامة الخلافة. هذه الطريقة تتضمن إنشاء التكتل، الذي أخذ على عاتقه أعباء العمل بين العرب لدعوتهم إلى الإسلام، ليصبح دينهم. وفيها طلب النصرة من أهل القوة الذين يحمون الرسول صلى الله عليه وسلم ويسلمونه الحكم. وبعد 13 عاماً من العمل الجاد، والتضحيات الجسام، هيأ الله لنبيه أنصاراً من أهل يثرب التي صارت تعرف بالمدينة المنورة فيما بعد، فسلموه الحكم وأقيمت أول دولة للإسلام على يد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
واليوم، يمتلئ العالم كُرهاً للإسلام، فصار القتل الجماعي للمسلمين أمراً مألوفاً، وصارت الإساءة إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أمراً متكرراً، وصار اضطهاد المسلمين بسبب إسلامهم أمراً طبيعياً في العديد من دول العالم. وهنا نذكّر المسلمين بأن إقامة الدولة الإسلامية هو واجب جماعي يقع على عاتق كل المسلمين، ولا بد لهم من السير على طريق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مع صحابته.
أما بالنسبة للمسيرات والمظاهرات التي ينظمها المسلمون للرد على الإساءة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنها وإن كانت تعبر عن غضب المسلمين على المسيئين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنها لا تنتج أثراً مباشراً في وقف الإساءة إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم... وعليه فلا يجوز أن يقتصر الرد على إساءة الغرب المتكررة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالتنفيس عن المشاعر ومن ثم السكوت والرضا... بل إن الرد الحقيقي على تصرفات الكفار إنما يكون بالمسارعة للعمل من قبل الأمة الإسلامية جمعاء لإقامة دولة الخلافة بطريقة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. وعندها فإن أعداء الإسلام سيحاسَبون على أعمالهم أمام أمير المؤمنين، الخليفة العادل، كما فعل الخليفة عبد الحميد. إن إقامة الخلافة الراشدة الثانية هي وحدها التي ستعيد للمسلمين عزتهم وتحميهم، وستجعل أعداء الإسلام يحسون من جديد أنه لا يمكن التعدي على قيم المسلمين ومقدساتهم.
يقول الله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
التاريخ الهجري :27 من ربيع الاول 1436هـ
التاريخ الميلادي : الأحد, 18 كانون الثاني/يناير 2015م
حزب التحرير
روسيا