الجمعة، 19 رمضان 1445هـ| 2024/03/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

بين التوقيت الشتوي والتوقيت الصيفي في لبنان

إخفاق سلطة، وهُزال كيان، ودويلات الطوائف!

 

 

مع بداية شهر رمضان الكريم، شهر ما يزيد على 1.8 مليار من المسلمين في العالم، وشهر الغالبية العظمى من أهل لبنان، برزت قضية تأجيل الدخول في التوقيت الصيفي، ليكون استثنائياً هذه السنة في آخر أسبوع من نيسان بدل آخر أسبوع من آذار، كما جرت العادة منذ سنين، بدعوى التهوين على المسلمين في صيامهم، كما زعم رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي ورئيس المجلس النيابي نبيه بري! وفور إعلان ذلك وإقراره، ظهرت أصواتٌ تهاجم الأمر في أوساط نصارى لبنان السياسية والدينية، هجوماً غريباً في محتواه، حتى وصل الأمر برئيس التيار العوني جبران باسيل بأن يصف من يعملون بالتوقيت الصيفي بأنهم هم المتحضرون! وأنَّ من لا يفعلون هم رجعيون متخلفون! وقامت كذلك أطرافٌ سياسيةٌ في السلطة مناوئةٌ لمن أعلنوا تأجيل الدخول في التوقيت الصيفي، قاموا مستغلين سيطرتهم على وزارات معينة بمخالفة قرار رئاسة وزارتهم! ثم بعد أخذ القرار والسير فيه لأيام، عُقدت جلسة لمجلس الوزراء في 2023/3/27م لمناقشة الأمر، خرج بعدها ميقاتي ليعلن العودة عن القرار والبدء بالتوقيت الصيفي ليلة الأربعاء الخميس 29-2023/3/30م! وهنا نقول:

 

أولاً: إنَّ قيام رئيس مجلس الوزراء ورئيس المجلس النيابي بإعلانه، ثم العودة السريعة عنه! يؤكد المؤكد، بشكل عام، وهو إخفاق السلطة الحاكمة والطبقة السياسية الفاسدة وأحزابها في إدارة (الدولة)، ورهن قراراتها لمصالح سياسية إقليمية ودولية، وما اتخاذ مثل هذا القرار وسرعة الرجوع عنه إلا مظهرٌ آخرُ من مظاهر الإخفاق، وهذا ليس محل جدل هنا. وإن دل ما حدث على شيء، فإنما يدل على هُزال هذا الكيان وانعدام القرارات السياسية المؤثرة والحازمة، عِلاوة على أن تكون مستقلة.

 

ثانياً: من ناحية سياسية، فإنَّ هذا القرار وخطوة "تسريب" التسجيل بين بري وميقاتي - لحظة اتخاذ القرار - لم يكونا عبثاً، بل كان يراد منهما إيصال رسائل سياسية للأطراف المناوئة على مستويين: الأول بعد حديث ميقاتي عن انخفاض نسبة النصارى في لبنان إلى 19.4٪، فيقول هذا التسريب ضمناً: إنَّ هذين المكونين من المسلمين ومَنْ خَلْفَهُما، أي أمريكا، إذا اجتمعا، يمكنهما السير بما لا يستطيع الطرف الآخر ومَنْ خَلْفَهُ، أي فرنسا وبريطانيا، وقفه؛ أما المستوى الثاني فهو لدفع الطرف الآخر لإبراز حقده، ما قد يؤذيه في أوساط المسلمين الموالين له محلياً وإقليمياً، وبالتالي يُضعف قوته في مسألة رئاسة الجمهورية، لا سيما إذا تم ربط ذلك بالتقارب السعودي الإيراني، والانفتاح على النظام السوري من قبل السعودية، ذلك التقارب وذلك الانفتاح اللذين لم يخرجا من تحت عباءة أمريكا؛ لذلك، كانت حركة رجالاتها في لبنان واضحةً في إثارة واتخاذ هذا القرار، ما يُرجح أنها كانت رسالةً سياسيةً، وليست قضيةً تتعلق برعاية شؤون المسلمين، أو رأفةً بأوضاعهم وأوضاع عموم أهل لبنان.

 

ثالثاً: أما تلك الأصوات التي خرجت بخطاب طائفي، ووصفت من يستمرون بالتوقيت الشتوي لأيام معدودات بالرجعيين والمتخلفين! فقد كشفت مرةً أخرى عن الوجه الحقيقي لدويلة الطوائف، وعن أنَّ كل مسألة في لبنان، صَغُرت أم كَبُرت، تجتهد الطوائف فيها لتحصد من ورائها هدفاً سياسياً شعبوياً جماهيرياً ليس إلا، بينما لا يعود ذلك على الناس بأية فائدة تذكر، في الخروج من أوضاعهم المتردية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وهذا يدل كذلك على هُزال هذا الكيان وطريقة ربط بعضه ببعض.

 

رابعاً: لقد كشف هذا الأمر عن أنَّ كذبة ما يحب هؤلاء تسميته العيش المشترك، وعن أنَّ كذبة ما يحبون تسميته الوطن الواحد، هي حصان طروادة لاستمرار الهيمنة على (الدولة) ومؤسساتها؛ فقاموا، ومعهم وسائل إعلام وبعض الوزارات التي تزعم أنها تمثل كل أهل لبنان، بالاعتراض العملي والعلني على قرار ما يسمونه هم الدولة! وكان الأولى بهم، وهم الزاعمون العيش المشترك والوطن الواحد، أن يعلنوا لأكبر (شريك) في البلد، المسلمين، أنَّ ساعةً من نهار لا تُقدم ولا تؤخر أكانت في آخر آذار أم آخر نيسان، لا سيما في بلد غير صناعي مثل لبنان، وأنهم يُقدرون الغالبية العظمى من أهل لبنان، أي المسلمين؛ لكن الأمر ليس كذلك عندهم، بل الأمر محاولة إثبات أنَّ لبنان، البلد المسلم، منفصلٌ عن محيطه الإسلامي التاريخي، أو كأنه فرعٌ لا أصل له، عبر هذه الحركات والتحركات الطائفية التي لا توصف إلا بالصبيانية والمحاولات البائسة واليائسة، والتي تؤكد - مرة أخرى - هُزال هذا الكيان.

 

خامساً: أما لمن هم محسوبون أنهم زعاماتٌ للمسلمين في لبنان، من رئاستي مجلس النواب ومجلس الوزراء ومن النواب المسلمين: اعلموا أنَّ الموضوع عند من تزعمون تمثيلهم من المسلمين، ليس ساعة صيام زائدةً أو ناقصةً، فالمسلمون باقتناعهم التام بفرض ربهم الذي كتبه عليهم، يصومون - في بعض مناطق العالم - ساعات تكاد تكون كل اليوم ولا يترددون، بل إنَّ الموضوع عند المسلمين في لبنان أن يكون مَنْ يقودهم يمثلهم فعلاً، قوياً بقوتهم، وليس مُضعفاً لهم بخطابه وتصرفاته، وليس مساهماً في زيادة أعبائهم، وليس حامياً للفاسدين، وليس متصرفاً بشكل يُظهر أنَّ الطرف الآخر منتصرٌ في دويلة الطوائف هذه؛ لكننا - وبشكل جلي ومؤكد - نقول: لستم أنتم هؤلاء، لأنكم لا تملكون إرادة العمل إلا عبر الارتباط بالقوى الدولية والإقليمية ارتباط تبعية، لا سيما أمريكا التي تجوب سفيرتها لبنان جيئةً وذهاباً أكثر مما تفعلون! لتقف بنفسها على إدارة الأزمات كما تريد.

 

أيها المسلمون في لبنان: لقد رأيتم كيف تخبط من يزعمون تمثيلكم في أمر يتعلق بدينكم، ورأيتم كيف صَمَتَ من يجب عليهم التكلم من النواب الذين أعدتم انتخابهم، أو من وضعوا أنفسهم ممثلين لكم دينياً في دويلة الطوائف هذه! فهل أنتم مستمرون بالقبول أن يكون هؤلاء هم وسطكم السياسي، يتكلمون باسمكم، ويعتلون المناصب الكبرى بحجة تمثيلكم، ويبنون أمجادهم الذاتية والشخصية على حساب عِزتكم وحياتكم وقوت عيالكم؟!

 

أيها المسلمون في لبنان: لقد آن الأوان في ظل التغيرات التي تحصل في العالم اليوم، وهذا الانقسام العمودي المؤذِن بالخير داخل أكبر القوى الدولية، آن الأوان، أن تطلبوا من أبنائكم أن يُظهروا حقيقة انتمائهم لأمة الإسلام؛ وأن يكون من يمثلهم هو من يحمل دينهم وإسلامهم بوصفه عقيدةً سياسيةً، تَصْلُحُ وتُصْلِحُ كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ وأن لا تنسوا أنَّ لبنان ليس منقطعاً عن محيطه الشامي القريب، ولا عن محيطه الأوسع من المسلمين، الأمة، بل هو فرعٌ لأصل؛ وأن تعلموا أنَّ لبنان الكيان الهزيل الذي صنعته فرنسا لتسلخكم عن الأمة، لا يصلح لرعاية شؤون المسلمين ولا غير المسلمين؛ وأن تعملوا على إعادة لبنان منبراً للإسلام يشع منه نوره، وليس منبراً للفاسدين والطائفيين والمنافقين من أتباع السياسيين؛ وأن تتذكروا أنكم عشتم تحكمون رقعةً واسعةً من العالم ما يزيد على الألف وثلاثمائة عام، عاش فيها معكم غير المسلمين في سعة وأمن واطمئنان، دون طائفية أو عرقية أو مفهوم أقلية، بل رعايا في دولة الإسلام، عليكم من الواجبات فيها أكثر مما عليهم، ولهم من الحقوق ما لكم.

 

أيها المسلمون في لبنان: إنَّ كل هذا الذي نطلبه منكم وندعوكم له، نحن إخوانَكم وأبناءَكم في حزب التحرير في ولاية لبنان، وفي كل العالم، لا نطلبه ونحن لا نملك أدواته، بل ندعوكم لتطبيقه عملياً مع حزب التحرير، الذي وضع تصوراً منبثقاً من الأدلة الشرعية ومبنياً عليها، بصورة نقية متبلورة واضحة من الإسلام وحده، وجَعَلَ من هذا التصور مقدمةً عمليةً لدستور دولة في 191 مادةً في الأحكام العامة، وفي نظام الحكم، والنظام الاجتماعي، والنظام الاقتصادي، وسياسة التعليم، والسياسة الإعلامية، والسياسة الخارجية؛ وهو يعمل لوضع كل ذلك موضع التنفيذ في دولة إسلامية؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة، على يد الأمة وأبنائها من أهل القوة والنصرة. فهل أنتم مستجيبون في هذه الأيام المباركة من شهر رمضان، أعاده الله عليكم بالاستخلاف والتمكين والأمن؟

 

﴿يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ

 

 

 

التاريخ الهجري :7 من رمــضان المبارك 1444هـ
التاريخ الميلادي : الأربعاء, 29 آذار/مارس 2023م

حزب التحرير
ولاية لبنان

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع