بسم الله الرحمن الرحيم
المشاركة في الانتخابات البلدية حرام والمصلحة المزعومة فيها غير معتبرة شرعاً
تحاول الأحزاب السياسية الدنماركية والتي دائما ما تتنافس بالهجوم على الإسلام وأحكامه، تحاول الآن إغراء المسلمين للمشاركة في الانتخابات البلدية. ففي الوقت الذي يطالبون فيه المسلمين أن يفصلوا بين الدين والسياسة، نراهم الآن يطلبون من الأئمة والقائمين على المساجد أن يحثوا المسلمين على التصويت!
وفي الوقت الذي تتعرض فيه الجالية للهجوم من بعض السياسيين الدنماركيين، إلا أن تلك الدعوات للمشاركة في الانتخابات وحث الناس عليها، لاقت وللأسف استجابة لدى المراكز الإسلامية فقاموا بدعوة المسلمين للمشاركة بالحرام المحقَّق بمبرر أن المشاركة تجلب مصلحة للمسلمين.
حتى لو سلمنا جدلاً أن هناك مصلحة للجالية، فإن المصلحة التي يدعون الناس للمشاركة على أساسها، هي مصلحة غير معتبرة شرعا لتعارضها مع قطعيات الإسلام المعلومة بالضرورة في ديننا.
فالمصلحة المعتبرة عند القائلين بها هي في المباحات، أما المصلحة التي تحل حراماً وتحرم حلالاً فهي ملغاة وغير معتبرة شرعاً عند جميع الفقهاء.
فكيف لنا القول أن إبرام العقود الربوية والتراخيص لدور الخمر والدعارة وإجراء عقود الزواج المحرمة من مثل زواج المثليين - وهي أعمال تقوم بها البلدية - هي مصالح للمسلمين، بالإضافة إلى الأعمال الأخرى التي تقوم بها البلدية ضمن مساحة من التشريع وأخرى للحكم وكل ذلك من المحرمات القطعية في الإسلام.
إن أحكام الإسلام تقر وتحث الناس على اختيار وتوكيل من يمثلهم في الحكم، وقد يكون التصويت والانتخاب أسلوباً لذلك، إلا أن الواقع في الأنظمة العلمانية يختلف كل الاختلاف، فالسياسيون والممثلون للناس يُوكََّلون للقيام بأعمال تخالف أحكام الإسلام.
إن الانتخاب هو شكل من أشكال التوكيل، وبالتالي فإن الحكم الشرعي في قضية المشاركة الانتخابية متعلق بواقع ما طلب الانتخاب فيه. فإذا كان الانتخاب متعلقا بأعمال يحرم القيام بها، وهو هنا كذلك، فإنه يكون حراما لأنه اختيار لأشخاص ليقوموا بعمل حرام.
وعليه فإن المشاركة في الانتخابات البلدية حرام لأنها توكيل للقيام بأعمال محرمة.
وفوق ذلك فإن خيار المصوت محصور في أحزاب علمانية لا تتردد ولا تتورع في الهجوم على الإسلام وأحكامه كلما سنحت لها الفرصة بذلك، فتارة تهاجم الخمار وتزعم أنه رمز لظلم المرأة، وتارة تطعن في وجهة نظر الإسلام للعلاقة بين الرجل والمرأة ولكيفية تربية الأطفال وتنشئتهم، وتارة أخرى تهاجم الحدود الشرعية من مثل حد الزنا وحد اللواط.
ومثال بسيط على ذلك ما قامت به وزيرة الاندماج السابقة (كارين هيكروب) من الحزب الاشتراكي (Socialdemokratiet) من تحريض شباب وبنات المسلمين للتمرد على أهاليهم إذا منعوهم من التمتع بالحياة الغربية الحرة...
إن مصلحتنا العليا كجالية مسلمة هي في الحفاظ على هويتنا وقيمنا، وأن ما يتوهّمه البعض من مصالح آتية عبر الوعود الانتخابية ما هي إلا سراب يحسبه الظمآن ماءً.
ولو أدرك القائلون بالمشاركة الأضرارَ التي ستلحق بالمسلمين من جراء سياسات الأحزاب للدمج في حال فوزها، لما تجرأوا على دعوتهم تلك ولتراجعوا.
إن الحفاظ على استقلال مساجدنا واستقامة العاملين عليها هو أيضاً مصلحة حيوية للمسلمين، وبالمقابل فإن ربط مصالح المسلمين بالنظام السياسي هو مغامرة وتفريط في استقلال تلك المساجد واستقامة القائمين عليها.
فالمتوقع أن يطلب السياسيون من المسلمين ومن الجمعيات والمساجد الامتناع عن تصريحات أو نشاطات إسلامية معينة مقابل تحقيق تلك المصلحة الموهومة.
وأما في ما يتعلق بالسؤال المهم حول قدرتنا على بناء المساجد، وافتتاح مراكز جديدة، ومدارس، وتوفير الأطعمة الحلال، وما شابه ذلك بدون المشاركة في الانتخابات، فإن علينا إدراك أن معظم هذه الاحتياجات هي من حقوقنا كمواطنين، ولا داعي لأن نعتبرها فضلاً نستجديه أو مِنّة يمنّون بها علينا، والمشاركة السياسية ليست من شروط حصول الناس على حقوقهم.
والواقع أن أغلب الناس في الدول الغربية لا ينتخبون ويتخذون مواقف سلبية من مجمل النظام السياسي.
ومع ذلك لا يفقدون حقوقهم الأساسية كمواطنين. وبالتالي ما نحتاج إليه حقاً، هو أن نطالب بحقوقنا بحزم، بالقول والعمل.
أما ما يتعلق بالمطالب التي لا تعتبر من الحقوق الأساسية، فإنّ بالإمكان تحقيقها كمشاريع خاصة تمولها الجالية، وسجلاتنا في هذا المجال تتحدث عن نفسها، فلقد بنت الجالية مساجد عديدة ومدارس ومراكز ومشاريع لتوفير الأطعمة الحلال، اعتماداً على مساهمات أبناء الجالية وجهودهم التي لم تفتر، وبدون مساعدات من الحكومة والبلديات.
أما القول بأن عدم المشاركة سيؤدي إلى العزلة وإلى إيجاد مجتمع مواز للمجتمع الدنماركي فإنه قول مغلوط، فالانخراط في المجتمع لا يُختزل فقط في المشاركة في النظام السياسي، بل يجب علينا أن نكون نشيطين سياسياً، ولكن على أساس الإسلام.
فالإسلام يحدد بالتفصيل شكلاً فريداً وواضحاً من النشاط، حيث لا يتم المساس بالمبادئ، ولا يتم التخلي عن الأهداف، ولا يتمّ المراوغة بالأساليب.
وبالتالي يجب أن ننخرط في المجتمع على جميع مستوياته، ولكن بشروطنا والأهداف المحددة حصراً التي يحددها الإسلام.
يجب علينا العمل من أجل تعزيز وجود مجموعة موحدة ومستقلة وقوية قادرة على الانخراط الإيجابي، حيث نكون متميّزين لنكون قدوة في المجتمع.
وأما الزعم كذلك بأن عدم مشاركة المسلمين في الانتخابات هو بمثابة خدمة للتيار اليميني، فإنه قول مُضِل يُراد منه تخويف المسلمين.
ثم أليس التيار اليساري الحاكم الآن هو من يطبق سياسات الدمج الحالية والتي لا تختلف في مضمونها عن سياسة الحكومة السابقة في عهد (اندرس فوغ راسموسن)؟ الفرق الوحيد بين السياستين هو في مستوى قذارة الخطاب عند الطعن في المسلمين، حتى هذا الفرق يكاد يختفي الآن ليصبحوا سواءً في مستوى القذارة في الخطاب.
وإنه لَمِنَ الخطأ أن يظن البعض أن مصلحة الجالية ستتحقق عن طريق التيار اليساري، هذا التيار الذي لا يتردد في خذلان منتخبيه اليساريين، كما وأنه يجهر بحقده على الإسلام ونبيه وقيمه وحَمَلَتِه، ناهيك عن مشاركته في مراقبة المسلمين داخليا، وفي سفك دمائهم واحتلال بلادهم خارجيا.﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾.
أيها المسلمون: إنّ وجود جالية مستقلة وقوية، يكون بأهم ما تملكه الجالية من رجال ونساء وشبان يتحلَّون بالإخلاص والمواظبة والالتزام بالمبادئ، وعندئذ سيمكننا السير قدماً للتعامل مع كل قضايانا وإيجاد مؤسسات مستقلة تنشر الإسلام، وتعمل على بناء شخصيات إسلامية قوية، تتصدى للدعايات المعادية للإسلام، وتتولى تبليغ الدعوة الإسلامية للمجتمع كله.
إن نظرة خاطفة حولنا، تكشف عن وجود مجتمع يعاني من مشاكل عديدة، ويسوده السخط على الأحوال الاجتماعية على نطاق واسع.
ولذلك يجب على المسلمين أن يكونوا هم الجانب المشرق في المجتمع، والشعاع الهادي الذي يجتذب المخلصين ومنفتحي الذهن من غير المسلمين، ممن يتوقون إلى الحياة الهنيئة والحلول الحقيقية للمشاكل، ولا يكون ذلك إلا حين نصبح المثال الذي يُحتذى، ونحمل الدعوة الإسلامية قولاً وعملاً للجميع.
أيها المسلمون: أنتم أبناء خير أمة أخرجت للناس.
إن الرضا بالواقع والركون إليه لا يليق بكم، وكذلك العمل من أجل ما يتوهم أنها مصالح، بل يتحتم عليكم أن تنشطوا لتحقيق أهدافنا المستندة إلى الإسلام وحده.
فنحن كلما تخاذلنا أمام النظام والواقع الراهن سنجد أنفسنا نزداد هبوطا في مهاوي التنازلات، ونعمد عن غير قصد إلى تأويل الإسلام بما يوافق الواقع السيئ، مما يجلب سخط الله علينا، بدلاً من تحويل الواقع ليتطابق مع الإسلام، وبالتالي نفوز بمرضاة الله سبحانه وتعالى الذي أمرنا بقوله:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
التاريخ الهجري :12 من محرم 1435هـ
التاريخ الميلادي : الجمعة, 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2013م
حزب التحرير
اسكندينافيا