بسم الله الرحمن الرحيم
لا أمنَ ولا أمان، ولا قيمةَ للإنسانِ إلاَّ في دولةِ الخلافة الإسلامية الراشدة!
تشهد البلاد في الذكرى الثانية للثورة اضطرابات سياسية حادة، تحولت إلى صراع دموي أسفر عن مقتل أكثر من 52 شخصاً في بورسعيد والقاهرة ومدن أخرى، والمئات من المصابين، كما وذكر مصدر أمني أن رجلين قتلا بخرطوش في القاهرة يوم الأربعاء ليرتفع إجمالي عدد القتلى إلى (54) قتيلاً [رويترز 30/1].
إن هذه الأحداث وغيرها قد أبرزت الإحساس المتزايد لدى الناس بالأزمة التي تواجه البلاد، والتي في مقدمتها الأمن والأمان، اللذان يعتبران من أساسيات وضروريات الحياة. وكان أكثر ما لفت الأنظار فئة جديدة رآها الناس للمرة الأولى، وهي مجموعة من الشباب الملثمين يرتدون السواد ويطلقون على أنفسهم اسم "بلاك بلوك"، حيث قذفوا العديد من المقرات العامة بالحجارة وأشعلوا فيها النار عبر إلقاء الزجاجات الحارقة. كما وجاءت تصريحات وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي على الصفحة الرسمية للقوات المسلحة يوم الثلاثاء 29/1/2013 في تحذير واضح، حيث قال: "إن الصراع السياسي في البلاد يدفعها إلى حافة الانهيار"، وهذه رسالة قوية من أكبر مؤسسة في البلاد والتي تضطلع بدورٍ أمني مهم، تشعر بالقلق على مصير البلاد، وأضاف إن "التحديات والإشكاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تواجه مصر حالياً تمثل تهديداً حقيقياً لأمنها وتماسك الدولة المصرية".
في 2 و3\7\2012م انعقد في القاهرة مؤتمر المعارضة السورية الخارجية العلمانية التوجُّه واللاشعبية بعيد انعقاد مؤتمر جنيف الدولي في 30\6\2012م الذي بحث الشأن السوري ووضع حلاً أمريكياً له، (ذكر أنه حل يعتمد في تفاصيله على النموذج المصري). وقد أريد لهذا المؤتمر أن يكون من متمِّمات ومكمِّلات مؤتمر جنيف؛ لذلك أعلن أن هدفه هو بلورة رؤية مشتركة لمرحلة ما بعد نظام بشار بحيث تكون مقرراته متناسقة مع مقررات مؤتمر جنيف. وبالفعل فقد خرج هذا المؤتمر ببيان ختامي معدَّة مقرراته سلفاً، بدليل أنه أعلن أنه قد تم التوافق عليها، ثم جاء من يُكذِّب وجود هذا التوافق من بين المؤتمِرين. هذا وقد ظهر في هذه المقررات أمران:
- تناسقها مع مقررات مؤتمر جنيف حيث تنازلوا عن إسقاط النظام برمَّته إلى إسقاط رأس النظام ورموزه، وطالبوا بـ"تشكيل حكومة تسيير أعمال بالتوافق بين قوى المعارضة السياسية والثورية وسلطة الأمر الواقع ومن لم تتلطَّخ يداه بدماء السوريين أو نهب المال العام" وكذلك تناولت وثيقة العهد الوطني الأسس الدستورية لسوريا المستقبل وهي العدالة والديمقراطية والتعددية، على نفس ما طالب به مؤتمر جنيف.
- كشفت هذه المقررات بُعد هذه المعارضة الخارجية عن فكر الشعب السوري وحسِّه ومعاناته، وأنها تتحكَّم بها عقلية سايكس بيكو، وأنها لا تختلف عن حكَّام العمالة في شيء، وذكَّرت الناس أكثر أنها تشكَّلت بإرادة دولية ورعاية إقليمية هيَّأت لها التمويل اللازم والدعاية المضلِّلة، ورسمت لها الأهداف المشبوهة، فبدا بشكل واضح أنها لا تمثِّل الناس الثائرين بشيء، وبات ينظر إليها على أنها جزء من المؤامرة.
أيها المسلمون الثائرون في شام الإسلام:
إن شياطين الغرب وعلى رأسهم أمريكا، ومعهم صنائعهم من أنظمة الخيانة في المنطقة وأذنابهم من ممثلي المعارضة الخارجية... يريدون أن يضيِّعوا دماءكم في الدنيا والآخرة. وإننا في حزب التحرير ندعوكم لأن تصفعوا هذا الغرب المتجبر على وجهه بإعلان رفضكم لمؤتمراته وأفكاره ونظام حياته الذي يريد أن يفرضه عليكم بعد رحيل بشار بدولة مدنية ديمقراطية. فأعلنوا أن غايتكم رضا الله سبحانه وتعالى باستئناف الحياة الإسلامية التي ارتضاها لكم ربكم وخالقكم بإقامة دولة الخلافة، واقطعوا الطريق على المعارضة الخارجية التي تغذُّ السير للتآمر عليكم والفظوهم عن آخرهم، وثقوا بربكم وبدينكم وبنبيِّكم محمد عليه الصلاة والسلام وبشراه في الخلافة الراشدة، وأن الشام تكون عقر دارها.
أيها الأنصار من أهل القوة الأخيار في شام الإسلام:
يا قادة جيشنا المخلصين، ويا جنود جيشنا الأبرار، إننا نضعكم أمام مسؤولياتكم التي سيحاسبكم عليها ربكم وأمتكم بأن تحموا شعبكم وتدفعوا عنه شرّ الطاغية المجرم بشار ومَن وراءَه من دول الكفر والطغيان، عاجلوهم بحركة تغيير صحيح شامل يقلب الطاولة على رؤوس الطاغية وسادته وعصابته. فالسبق السبق أيها الأشاوس، فإن الوقت بدأ يضيق على المخلصين، خاصة بعد مؤتمر جنيف وتوابعه من مؤتمر القاهرة هذا، أو اللقاء الذي ستعقده "مجموعة أصدقاء الشعب السوري" في باريس يوم الجمعة في 06\7\2012م أو مؤتمر آخر من مثله سيعقد فيما بعد في روسيا، واجعلوا هذا التغيير لإقامة شرع الله بإعطاء النصرة لـحزب التحرير، واعلموا أن الله تعالى إذا أراد نصر فئة مؤمنة فلا رادَّ لأمره، وإذا خذل أقواماً فلن تغني عنهم قوتهم من الله شيئاً، ولو آزرهم من في الأرض جميعاً، قال تعالى: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ).
ألا هل بلغنا... اللهم فاشهد.
فالظاهر للعيان، والذي لا يحتاج إلى دليل ولا برهان، أن الدولة في مصر غير قادرة على توفير الأمن والأمان لرعاياها، كما أن حياة المواطن ليست هي الأساس لديها، ودمه يهون عليها، فالدولة مشغولة بعدِّ القتلى والجرحى دون اتخاذ خطوات جادة لوقف نزيف الدم، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَتْلُ مُؤْمِنٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا» (سنن النسائي). ووسط كل هذا الهرج والمرج يتوجه الرئيس إلى ألمانيا لإقناع أوروبا بسلامة "الخطى الديمقراطية" (رويترز 30/يناير)، وكأن الأمر لا يعنيه، بينما الدم الطاهر يسيل ليل نهار في أنحاء البلاد ولا مغيث، بل لا سامع ليُغيث!
أيها الأهل في مصر الكنانة:
إن الإسلام أوجب الرعاية على الدولة، فهي مسؤولة عن رعاياها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فالإِمَامُ الذي على الناس رَاعٍ وَهو مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (متفق عليه). فيجب على الدولة أن توفر الحاجات الأساسية لكل فرد، وهي: المأكل والملبس والمسكن، بالعدل والإنصاف، من غير تفريق بين مسلم وغير مسلم؛ فللكل حق الرعاية والعناية.
وكذلك واجب على الدولة توفير الحاجات الأساسية للجماعة وهي: الأمن والصحة والتعليم، فالأمن على رأس الأولويات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من بات منكم آمناً فى سربه، معافى فى بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» (صححه النسائي). فتوفير الأمن من أهم واجبات الحاكم في الإسلام، ورحم الله القائل:
وإذا اؤْتُمِنْتَ على الأمانةِ فَارْعَها إنّ الكريمَ على الأمانةِ راعِ
وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب أروع المثل في حفظ الحاكم لأمن رعاياه، جاء في صحيح البخاري: "ولَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ لَيْلَةً، فَخَرَجُوا نَحْوَ الصَّوْتِ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ اسْتَبْرَأَ الخَبَرَ (أي تبيَّنه)، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ، وَفِي عُنُقِهِ السَّيْفُ، وَهُوَ يَقُولُ: «لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا»" ثُمَّ قَالَ: «وَجَدْنَاهُ بَحْرًا» أَوْ قَالَ: «إِنَّهُ لَبَحْرٌ»"، مما يدلُّ على حرص الراعي على أمن رعيته. ولكن بعد أن هُدمت دولة الإسلام -دولة الخلافة- أصبحت الأمة بلا أمن ولا أمان، بل أصبح المسلمون كالأيتام على موائد اللئام، وما أرخص الإنسان في بلادنا اليوم! فلا قيمة لنا في ظل أنظمة وضعية، وقوانين بلا هُوِّية ولا مرجعية، ولا خير في ديمقراطية هالكة متهالكة، لا تنبع من عقيدتنا، ولا تحفظ لنا كرامتنا ولا دماءنا!
أيها الأهل في مصر:
إن سر قوة هذه الأمة، ومكمن عزّها، ومنبع مجدها، هو في دينها وعقيدتها، ومدى التزامها بمبدئها. ولن يعود الأمن والاستقرار والألفة بين الناس ما لم نَعُد إلى ديننا، قال تعالى: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)) [الأنعام]، فإذا امتثل الناس لشرع الله، وطبقوا أحكامه، وأقاموا دولته دولة الخلافة، ضمنوا الأمن التام في أموالهم وأعراضهم ودمائهم.
ونحن في حزب التحرير ندعوكم لِتَغُذّوا السير معنا لإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، واعلموا أن الله امتنَّ على المؤمنين بالأمن في مظنَّة الخوف لمَّا انقادوا لحكم الله ورسوله، حيث قال تعالى: ((هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)) [الفتح].
التاريخ الهجري :21 من ربيع الاول 1434هـ
التاريخ الميلادي : السبت, 02 شباط/فبراير 2013م
حزب التحرير
ولاية مصر