الخميس، 19 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/21م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحكومات الغربية استغلت قصة ملالا ونضالها من أجل تعليم البنات لمصالح استعمارية سياسية

 

الخلافة وحدها هي التي ستعيد إلى المرأة نظاماً تعليمياً راقياً

 

(مترجم)

 


لقد صدَم إطلاقُ النار على الفتاة الباكستانية ذات الخمسة عشر عاماً، ملالا يوسف زاي في أكتوبر الماضي، وروَّع الكثيرين في أنحاء العالم - مسلمين وغير مسلمين. والرواية السائدة التي تم ترويجها من قبل وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان، والحكومات الغربية والسياسيين هي أن محاولة اغتيال هذه الفتاة من قبل "إسلاميين" في باكستان كان بسبب معارضتهم لنشاطها في مجال حقوق المرأة والدعوة لتعليم البنات في البلاد. في أعقاب إطلاق النار، احتشد العديد من المؤسسات والشخصيات لدعم قضيتها، مشيدة بها لوضعها تعليم المرأة محطّ الاهتمام العالمي، بما في ذلك رئيس الوزراء البريطاني السابق والمبعوث الخاص للتعليم العالمي للأمم المتحدة، جوردون براون، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ووزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة هيلاري كلينتون، ثم دُعِيَت ملالا في الثاني عشر من يوليو للحديث إلى جمع من الشباب في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، حيث دعت إلى ضرورة التعليم الإلزامي المجاني لكل طفل.


إن قضية تحسين الحقوق التعليمية للفتيات في باكستان وفي العالم قضية نبيلة. ومع ذلك، فإن المحاولات الفجّة من قبل الحكومات الغربية والمؤسسات والسياسيين لاستغلال هذه الفتاة الصغيرة، ونضالها، الاستغلال المروع لها من أجل هدفهم السياسي في تعزيز نشر العلمانية والقيم الليبرالية الغربية بين النساء والفتيات في العالم الإسلامي من خلال التعليم، وإضعاف الهوية والقيم الإسلامية، كل هذه المحاولات هي أبعد ما تكون عن النبل والنزاهة. وتتجلى سخرية دعمهم لملالا وعدم الاهتمام الحقيقي بالحقوق التعليمية للمرأة المسلمة في موقفهم المنافق وسكوتهم على حظر الحجاب والنقاب في دول علمانية مثل فرنسا، وبلجيكا، وتركيا، وأوزبكستان التي حَرَمَتْ الفتيات والنساء المسلمات من التعليم الجيد لمجرد التزامهن باللباس الإسلامي. ينبغي بالتأكيد طرح السؤال التالي - أين كانت أصوات السياسيين والمعارضة القوية في هذه الدول العلمانية من أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي قضت ضد حق المرأة المسلمة في فرنسا وتركيا في الحصول على تعليم جيد، مع التزامها أيضا بمعتقداتها الإسلامية؟


كما تم استخدام قصة ملالا لتغذية وإعادة فرض الأسطورة القديمة بأن الإسلام والحكم الإسلامي يضطهد المرأة ويحرمها من حقوقها، وأنها بحاجة إلى التحرر على النمط الغربي، وهي الأسطورة التي استخدمت تاريخياً وعلى مدى عقود، وصولاً إلى العصر الحديث، للحفاظ على الهيمنة العلمانية الغربية على البلاد الإسلامية من خلال محاربة ظهور الإسلام دولياً بقصد منع قيام نظام إسلامي في العالم الإسلامي، من شأنه أن يهدد المصالح الغربية السياسية والاقتصادية. مع ذلك، فإنه ليس الإسلام، بل السياسة الخارجية الغربية الاستعمارية هي التي قد حرمت النساء والفتيات في باكستان والعديد من البلدان الإسلامية الأخرى من التعليم المفيد. لقد أوجدت "الحرب على الإرهاب" واحتلال أفغانستان مناخاً دائماً من انعدام الأمن وعدم الاستقرار في باكستان وأفغانستان والمنطقة بأسرها، يتميز بالهجمات المتكررة من قبل الطائرات بدون طيار والقنابل التي قتلت الآلاف على مر السنين، بما في ذلك أعداداً لا تعد ولا تحصى من النساء، والفتيات، والأطفال. فقد أفاد تقرير لجنة الأمم المتحدة لحقوق الأطفال بأنّ مئات من الأطفال لقوا حتفهم "نتيجة للهجمات والغارات الجوية من قبل القوات العسكرية الأمريكية في أفغانستان" بين عامي 2008 و 2012، ويرجع ذلك إلى استخدام "القوة العشوائية". فأين هي حقوق هؤلاء الأطفال؟ من الواضح أن وفاتهم هي أضرار جانبية مبرّرَة لدى هذه الحكومات الاستعمارية من أجل تأمين مصالحها في المنطقة. وقد أوجد هذا الاحتلال والحروب وعدم الاستقرار أيضا بيئة ينعدم فيها الأمن، مليئة بالجريمة والاختطاف، والاغتصاب. كل هذا قد يؤدي إلى أن العديد من أولياء الأمور يمنعون بناتهم من السفر بعيداً عن منازلهم، بما في ذلك الذهاب إلى المدرسة. وعلاوة على ذلك، كيف يمكن للدول التي تعاني من عدم الاستقرار والدمار وانعدام الأمن من توفير أي نوع جيد من التعليم لمواطنيها؟ بعد أكثر من 10 أعوام من الاحتلال، لا زال ما يقرب من 9 من كل 10 نساء في أفغانستان أميين. وبالتالي، فإن السياسة الخارجية الغربية الاستعمارية المدمرة لم تحرم الفتيات من التعليم فحسب، بل حرمتهن من حياتهنّ وكرامتهنّ، وتقف كواحدة من العقبات الرئيسة أمام تعليمهنّ الفعّال.


إلى جانب هذا، سمحت الأنظمة العلمانية المدعومة من الغرب في البلاد الإسلامية بتغلغل الثقافة الليبرالية في دولها من خلال الصناعات الترفيهية وإعلاناتها، وكذلك من خلال تطبيق نظام التعليم العلماني. فهذه الثقافة تقدس الحرية الجنسية؛ وتضفي الطابع الجنسي على المرأة وتتعامل معها كسلعة تجارية وتحط من قدرها؛ كما تشجع الرجال على معاملة النساء وفقاً لرغباتهم - كل ذلك ساهم في ارتفاع مستويات التحرش الجنسي والبلطجة والاغتصاب في المدارس والشوارع في دول مثل باكستان، بنغلاديش، ومصر. وقد تسبب هذا في أن الكثير من الفتيات والنساء شعرن بالتردد في مغامرة الخروج من منازلهنّ للحصول على التعليم. وبالإضافة إلى ذلك، فإن النظام الرأسمالي الغربي الفاشل دمر اقتصاد بلدان العالم الإسلامي، وأثقل كاهلها بالديون الضخمة بسبب قروض ربوية ثقيلة وفشل السياسات الاقتصادية، بحيث أنّ ما ينفق على تسديد الديون أكثر مما ينفق على التعليم، والرعاية الصحية، والبنية التحتية وغيرها من الخدمات العامة. والنتيجة هي عدم كفاية المدارس وتآكلها، وقلة عدد المعلمين وضعف تدريبهم، وعدم وجود الكتب والمعدات اللازمة. إضافة إلى ذلك، فإنّ إفقار الشعب من خلال السياسات الرأسمالية المفروضة على البلدان الإسلامية من قبل الدول الغربية ومؤسساتها مثل صندوق النقد الدولي وكذلك عدم وجود التعليم المجاني، كل ذلك جعل كثيراً من الآباء يفضّلون على مضض تعليم أبنائهم على تعليم بناتهم. ليس من المستغرب بالتالي أن أكثر من 60% من النساء في باكستان وحوالي 50% من النساء في بنغلاديش ومصر أميّات.


وبالتالي فإن السياسة الخارجية الغربية، والنظام العلماني الرأسمالي الذي فرض على البلاد الإسلامية هو الذي يشكل أكبر عقبة أمام توفير تعليم جيّد للنساء والفتيات في العالم الإسلامي.


إن الإسلام واضحٌ حول تعليم الإناث. فالرسول صلى الله عليه وسلم  يقول: "طلب العلم فريضة على كل مسلم"، كما أن الإسلام لا يوجب فقط على النساء تعليم ما يتعلق بالإسلام وحلوله لشؤون الحياة، بل حث الرجل والمرأة على دراسة كل علم نافع، فقد كانت زوجة النبي، صلى الله عليه وسلم، عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها) إحدى علماء الإسلام العظام، وكذلك كانت عالمة أيضا في الطب، والشعر، والمعارف العامة. ثم إنّ الإسلام يوجب على الدولة الإسلامية أن تكون رائدة في العالم، حيث تشجع الرجال والنساء على المساهمة في تحسين المجتمع وعلى التفوق في شتى مجالات الحياة، بما في ذلك النواحي الأكاديمية، والعلوم، والطب، والتكنولوجيا، والصناعة. إلاّ أنه لا يمكن ضمان تحقيق جميع هذه الالتزامات التعليمية وحقوق النساء إلاّ من قِبل نظام يقدِّر بالفعل العقيدة الإسلامية ويؤكّد على أهمية تعلم الإناث. هذا النظام هو دولة الخلافة التي يستند دستورها حصرياً إلى القرآن والسنة. وبالتالي، ووفقاً للإسلام، يجب على الخلافة أن تستثمر بكثافة في التعليم، وأن توفر التعليم الابتدائي والثانوي المجاني للفتيات والفتيان على حد سواء، وأن تموّل الدراسات العليا على قدر المستطاع . كما يؤكد الإسلام على توفير مدارس إناث متخصصة ومستقلة عن مدارس الذكور التزاماً بالتنظيم الإسلامي في الفصل بين الجنسين، بحيث تدار تلك المدارس من قبل مدرسات مؤهلات ومدربات تدريبا جيدا، وبرواتب مجزية. وتشجع الدولة النساء على التخصص في مختلف المجالات وتهيء لهنّ ذلك ليصبحن على سبيل المثال عالمات في الإسلام، والطب، والعلوم، والرياضيات، والهندسة، والقضاء والتعليم العالي وتكنولوجيا المعلومات. كل هذا يتم تمويله من قبل نظام اقتصادي إسلامي سليم يحتوي كل الآليّات لبناء اقتصاد مستقر وازدهار اقتصادي، ينفَّذ من قبل نظام حكم إسلامي يعطي الأولوية للتعليم ويعتبره حقاً أساسياً لكل فرد من أفراد الرعية. وسوف تسعى الدولة من خلال التعليم، وأجهزة الإعلام، والنظم القضائية إلى القضاء على أي مواقف ثقافية في مجتمعها تمنع النساء من الحصول على التعليم. وأخيراً، فإن النظام الاجتماعي الإسلامي وقوانين الشريعة الأخرى تضمن الحفاظ الدائم على المنزلة العالية للنساء، وعدم الحط من قدرهن أبدا، ومعاملة الرجال لهنّ باحترام وليس وفقاً لرغباتهم، وأن تصدر عقوبات قاسية على أي انتهاك لكرامتهنّ، وضمان بيئة آمنة يمكن للفتيات في إطارها أن يسافرن إلى مدارسهنّ ومتابعة دراستهنّ. كل ذلك سوف يؤدي إلى القضاء على الأمية بين الإناث وتحقيق الطموحات التعليمية للمرأة.


في ظلّ نظام الخلافة هذا ازدهر تعليم المرأة تاريخياً، فوجدت مخترعات رائعات مثل مريم الاسطرلابي التي كانت رائدة في تطوير الأسطرلاب في القرن العاشر لحساب موقع الشمس والنجوم؛ والمهندسات الممتازات مثل فاطمة الفهريّة التي شيدت أول جامعة في العالم في القرويين في المغرب، وآلاف كثيرة من العالمات على النحو المفصل في كتاب مكون من أربعين مجلداً للباحث محمد أكرم الندوي الذي قدم السير الذاتية ل8000 من العالمات اللواتي وجدن خلال فترة الحضارة الإسلامية. وفي ظل هذا النظام الإسلامي الحنيف، سمحت جامعة الأزهر العريقة في القاهرة للمرأة بالدراسة وإعطاء المحاضرات فيه - وهو حق لم تكتسبه النساء في الغرب في جامعاتهن إلا بعد قرون. لقد كانت نسبة المحاضرات في العديد من الكليات الإسلامية التقليدية أعلى بالفعل من عدد المحاضرات في الجامعات الغربية اليوم. كان كل هذا نتيجة جعل المسلمين الإسلام العامل المحوري والدافع الوحيد للتنمية في حياتهم. كانت الخلافة بالتالي الدولة الرائدة حقّاً في العالم في تعليم الإناث، وإن شاء الله سوف توجد مرة أخرى نظام تعليم من الدرجة الأولى للنساء والفتيات ثانية بعد إقامته!


أيها الإخوة والأخوات، جرى كتابة سيناريو قصة ملالا من قبل حكومات استعمارية غربية، ليس لتحسين حقوق المرأة ولكن لمواصلة تدخلها الاستعماري وللسيطرة على العالم الإسلامي. التعليم الذي يقدمه الغرب للمنطقة ليس أميناً بل يهدف إلى زيادة نشر العلمانية، وقيمها الليبرالية التي أفسدت شبابنا؛ لذا يجب رفضه بشدة. ومن خلال العودة إلى جذورنا وقوانيننا الإسلامية من خلال إقامة دولة الخلافة يكون لدينا المفتاح الوحيد لتحقيق الطموحات التعليمية للمرأة، وضمان تحقيق كافة حقوقها التي وهبها الله تعالى. يقول الله سبحانه وتعالى: (( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون )) [ الصف: 8].

نساء حزب التحرير / بريطانيا

 

 

التاريخ الهجري :20 من رمــضان المبارك 1434هـ
التاريخ الميلادي : الإثنين, 29 تموز/يوليو 2013م

حزب التحرير
بريطانيا

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع