بسم الله الرحمن الرحيم
ازدياد الاعتداءات على النساء المسلمات في المملكة المتحدة
التي تغذيها وسائل الإعلام المعادية للمسلمين وكذلك السياسة الخارجية الغربية
(مترجم)
في الأسابيع الأخيرة، تُركت امرأتان مسلمتان "مروّعتين" بعد الاعتداء العنصري عليهما من قبل طفلين عمرهما ثمانية أعوام وأربعة عشر عاماً، قاما بنزع الحجاب عن رأسيهما في مدينة إدنبره. وكأن هذا الحادث لم يكن مرعباً بما يكفي، ففي الشهر الماضي أيضا أمر رجل في بريستول امرأة مسلمة بنزع حجابها وهو يضع سكيناً على رقبتها. ليست مثل هذه الحوادث ضد النساء المسلمات نادرة بأي حال. فالإساءة اللفظية، ونزع الحجاب يحدثان في مختلف أنحاء البلاد. فقد أفاد مشروع "أخبر ماما" الذي تقوم به منظمة للحوار بين الأديان تعرف باسم (مسائل إيمان) أنها سجلت في عام واحد 632 حادثة من حوادث الكراهية ضد المسلمين، كانت النساء المسلمات فيها الأكثر استهدافاً. عندما تسمع النساء المسلمات في مختلف أنحاء المملكة المتحدة عن مثل هذه الحوادث فإنهن يعشن في خوف مما قد يتعرضن له في الأماكن العامة. وسواء وُلِدت هذه النساء في المملكة المتحدة وتربَّين فيها أم لا، أو كانت بشرتهن بيضاء أم سوداء، ويتكلمن لغة بقية السكان نفسها أم لا، فإن حقيقة إظهارهنّ علامات التمسك بالإسلام بلبس الحجاب، يعني عموماً احتقارهن ومهاجمتهنّ والنظر إليهنّ باعتبارهنّ العدوّ الداخلي في شوارع المملكة المتحدة.
ما الذي يؤدي إلى مثل هذه النظرة السلبية للإسلام والمسلمين؟
يجب طرح السؤال عن سبب مثل هذه الكراهية تجاه النساء المسلمات التي تجعل حتى الطفل في سن الثامنة يشعر بالحاجة إلى مهاجمتهن. لفهم هذا الأمر يلزمنا أولاً معرفة الطريقة التي يُنظَرُ بها إلى المسلمين داخل المجتمع. لقد وصف تقرير "العنصرية والإصلاح: الإسلام والمسلمون في وسائل الإعلام البريطانية لعام 2012" المقدم إلى لجنة تحقيق ليفيرسون بأنها - أي الطريقة التي يُنظر بها إلى المسلمين - "سلبية بأغلبية ساحقة، ونمطية، وغير دقيقة - وعنصرية." إن مجرد إلقاء نظرة سطحية على الأخبار التي تملأ وسائل الإعلام الرئيسة عن الإسلام والمسلمين تكشف حقيقة وصف المسلمين والإسلام باستمرار بالعنف، واضطهاد المرأة وغير المسلمين، وتهديد المجتمع البريطاني والغربي. فهناك العناوين المثيرة مثل "هجوم بوسطن يثير النقاش حول الإسلام والإرهاب" (بي بي سي، أبريل 2013)، أو "الحرم الجامعي بؤرة للتطرف الإسلامي" (تلغراف، أبريل 2011)، أو برامج مثل برقيات إخبارية (ديسباتشيز) الذي اتهم عام 2011 بعض المؤسسات الإسلامية بأنها مليئة بالكراهية للمجتمع بأسره؛ أو حتى التغطية الأخيرة لقضية عصابة أكسفورد المتهمة بإغراء الفتيات البيضاوات، وذلك من قبل بعض قطاعات وسائل الإعلام التي حاولت الإيحاء بأنها مشكلة متأصلة وموجودة داخل الجالية الإسلامية، وثقافتها التي لعبت دوراً في هذه الجريمة - فكل هذه التقارير تقدم صورة معينة للمسلمين في جميع المجالات. ويرافق هذه الصور السلبية، والأخبار، والبرامج، والعناوين تصريحات متكررة من قبل الساسة الغربيين تهاجم الإسلام، وقوانين الشريعة، أو حتى الجالية الإسلامية، مما يعزز إثارة الذعر ويذكي الكراهية، ويزيد مناخ تخويف المسلمين. ففي عام 2009، هاجم جيم فيتزباتريك، وزير الزراعة في المملكة المتحدة في حينه مفهوم الفصل بين الرجال والنساء في حفلات الزفاف الإسلامية، وربط تلك الممارسة 'بالتطرف'. وفي عام 2011، هاجم جاك سترو بعض رجال الجالية الباكستانية بأن لديهم "مشكلة محددة" في الطريقة التي ينظرون فيها إلى الفتيات البيضاوات، موحياً بأن هذا كان هو السبب للإيذاء الجنسي للفتيات (البيضاوات) في سن المراهقة من قبل عصابة الإغراء في مدينة دربي. وتكرر ذكر هذه الرواية من قبل سيدة فارسي، الرئيسة المشاركة السابقة في حزب المحافظين التي ادعت في ردها على قضية عصابة الإغراء في روتشديل بأن بعض الرجال الباكستانيين يرون الفتيات البيضاوات "لعبة سهلة". لا مفر إذن من أن تشكّل مثل هذه الصورة النمطية للمسلمين الصورة التي يحملها المجتمع العام عنهم؛ مما يقود الناس بما في ذلك حتى الأطفال إلى رؤيتهم على أنهم أعداء يعيشون في مجتمعهم.
أضف إلى ذلك وصف المسلمين الذين يقاتلون ضد الاحتلال الغربي أو الاستعمار الأجنبي في أفغانستان والعراق وكشمير وباكستان ومالي والصومال وفلسطين بأنهم إرهابيون، فضلا عن التشويه المستمر لصورة أولئك الذين يكافحون من أجل إقامة الحكم الإسلامي في ظل دولة الخلافة، كما نرى في سوريا وغيرها من البلدان، بأنهم متطرفون وربطهم بالعنف والإرهاب، وبالتالي تهديدهم للمملكة المتحدة. قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ مؤخرا: "هناك ما يكفي من المجال الآمن في سوريا لبعض الجماعات الإسلامية التي تستخدم العنف لتوفير التدريب المكثف. وهذا أمر (يلزم اعتباره) لا سيما ونحن نقوّم بعض الأفراد الذين يجري تدريبهم (بأنهم) سيسعون إلى تنفيذ هجمات ضد المصالح الغربية في المنطقة أو في الدول الغربية، حالياً أو في المستقبل."
أوجد كل هذا مناخاً من الهستيريا والخوف تجاه المسلمين والإسلام في المملكة المتحدة. والنساء المسلمات هن الأهداف المتقدمة للهجمات الناجمة عن العنصرية وكراهية الإسلام، التي تصدر من هذه البيئة المشحونة بالشك والكراهية بسبب الحجاب والجلباب والنقاب الذي يعرف شخصياتهنّ مباشرة بأنهنّ مسلمات.
السياسة الخارجية الغربية وتأجيج الخوف من الإسلام
في نهاية المطاف: يوجد وراء مثل هذا التشويه لصورة الإسلام والمسلمين من قبل المؤسسة السياسية البريطانية غرض رئيسي واحد للمملكة المتحدة والحكومات الغربية الأخرى، وهو تبرير سياستهم الخارجية في التدخل أو الحروب في العالم الإسلامي كما هو الحال في العراق وأفغانستان والصومال أو مالي بهدف تأمين مصالحها الاقتصادية، ومنع إقامة حكم إسلامي في المنطقة وفق نموذج دولة الخلافة. ذلك لأن مثل هذه الدولة القائمة على شرع الله سبحانه وتعالى وحده لا تكون تابعة لأية قوة أجنبية، وسوف تضع نهاية لنظم الحكم وأنظمة الحياة في العالم الإسلامي التي تخدم مصالح الدول الغربية، وتقيم مكانها قيادة تخدم الشعب بإخلاص. كما أن الخلافة ستنهي أيضا هيمنة وسيطرة الغرب على النفط والغاز والموارد الأخرى في بلادنا الإسلامية، وتضمن بدلاً من ذلك استخدام هذه الموارد لصالح رعايا الدولة. لذلك فإن إقامة دولة الخلافة يهدد مصالح حكومة المملكة المتحدة المالية والسياسية والاستراتيجية في المنطقة. لذلك يستخدم تشويه صورة الإسلام والمسلمين من قبل الحكومات الغربية لإقناع شعوبها بشرعية وجود قواتها في أفغانستان والعراق، وبالتالي ضمان استمرار الدعم الشعبي لما تقوم به من التدمير والتدخل والاحتلال والحروب في العالم الإسلامي، بهدف التأكد من عدم قيام الخلافة في المقام الأول.
كيف ينبغي أن يكون رد فعلنا لهذه الإسلاموفوبيا المتنامية؟
في مثل هذا المناخ الذي تستمر فيه الإسلاموفوبيا بغزو المجتمع عن طريق وسائل الإعلام الرئيسة في المملكة المتحدة، وعن طريق السياسيين على حد سواء، لن يكون إذن من المستغرب، وفقا لتقرير العنصرية والإصلاح المذكور أعلاه، أن يعتقد 75 في المائة من غير المسلمين بأن الإسلام أمر سلبي بالنسبة لبريطانيا، و 63 في المائة لا يعارضون الرأي القائل بأن "المسلمين إرهابيون." في ضوء هذه الإحصاءات المروعة، كيف ينبغي أن يكون رد فعلنا كنساء مسلمات في بريطانيا على هذا المناخ من الكراهية المتزايدة للإسلام والهجمات ذات الدوافع العنصرية؟
(1) إن مجرد سيرنا كنساء مسلمات في الشارع العام في مناطق عيشنا يمكن أن يصبح شأنا مخيفاً بسبب الاعتداء الذي قد نواجهه. ولكن لا ينبغي لهذا الخوف أن يجعلنا أبداً نساوم على ديننا. بل يجب أن نستمر في التمسك بمعتقداتنا الإسلامية والتقيد بواجباتنا الشرعية، بما في ذلك الالتزام بالحجاب، تماماً كما تمسك النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام والمسلمون الأوائل في مكة المكرمة بدينهم على الرغم من مواجهتهم الاضطهاد الشديد على يد قريش. ينبغي أن نذكر أنفسنا بموقف أول شهيدة في الإسلام سمية رضي الله عنها التي تحملت عذاباً لا يطاق لكونها مسلمة، ومع هذا لم تتخل أبداً عن إسلامها، بل فضلت الموت على المساومة على عقيدتها الإسلامية. وهكذا يجب أن نكون جريئات في هذا المناخ الصعب. فالله سبحانه وتعالى يقول: (( إنما ذلكمُ الشيطانُ يخّوفُ أولياءَهُ فلا تخافوهم وخافونِ إن كنتم مؤمنين )) [آل عمران: 175]
(2) يجب علينا الدفاع عن الإسلام والحديث علناً عندما يتعرض الإسلام والمسلمون للهجوم، وألاّ ندع وسائل الإعلام أو السياسيين يوجهون الإهانة إليهما أو نشر الأكاذيب حولهما دون ردّ. كما يجب علينا أيضا كشف النوايا الحقيقية وراء الدعاية الإعلامية السلبية وتصريحات الساسة ضد الإسلام، وبيان أن السياسة الخارجية الغربية - من خلال حروبها المدفوعة اقتصاديا، ودعمها للأنظمة الديكتاتورية، ونهبها لثروات العالم الإسلامي - هي التي سببت ولا تزال تسبب عدم الاستقرار والأمن في المنطقة وما وراءها.
(3) يجب علينا حمل الدعوة الإسلامية إلى زملائنا ومعارفنا من غير المسلمين، لشرح حقيقة الإسلام وقيمه السمحة وقوانينه والخصال العظيمة لرسولنا الحبيب عليه الصلاة والسلام. وبالإضافة إلى ذلك، نحن بحاجة إلى مواجهة الأكاذيب والمفاهيم الخاطئة عن ديننا وعن قضايا أخرى مثل قوانين الشريعة، وموقف ودور المرأة في الإسلام، وطراز اللباس الإسلامي، ونظام الله في الحكم - الخلافة. كما يلزم تسليط الضوء على الإسلام بوصفه طريقة عيش بديلة للحياة، لديه حلول للمشاكل التي يواجهها الغرب نفسه.
قد يبدو في الواقع أن التمسك بالإسلام، والدفاع عنه عندما يتعرض للهجوم، وحمل الدعوة الإسلامية إلى من حولنا مهمة بالغة الصعوبة في هذه البيئة التي نعيش فيها وفي ظل هذا العداء للإسلام. ولكن علينا أن نتذكر قول رسولنا الحبيب عليه الصلاة والسلام: "يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر" [الترمذي].
كما ينبغي أن نذكر أنفسنا بالجنة والثواب العظيم الذي ينتظر أولئك المؤمنين الذين يتمسكون بدينهم، بغض النظر عن المصاعب التي يواجهونها. يقول الله سبحانه وتعالى: (( إنّ الذين قالوا ربُّنا الله ثم استقاموا فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون. أولئك أصحاب الجنّةِ خالدينَ فيها جزاءً بما كانوا يعملون )) [الأحقاف: 13-14]
نساء حزب التحرير / بريطانيا
التاريخ الهجري :11 من رجب 1434هـ
التاريخ الميلادي : الإثنين, 20 أيار/مايو 2013م
حزب التحرير
بريطانيا