- الموافق
- 1 تعليق
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من نظام الإسلام
(ح20)
الأساس الذي يقوم عليه الإسلام (فكرة وطريقة) هو العقيدة
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بُلُوغُ المَرَامْ مِنْ نِظَامِ الإِسلامْ" وَمَعَ الحَلْقَةِ العِشْرِينَ, وَعُنوَانُهَا: "الأسَاسُ الَّذِي يَقُومُ عَلَيهِ الإِسلامُ (فِكْرَةً وَطَرِيقَةً) هُوَ العَقِيدَةُ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَتين الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ وَالثَّالِثَةَ عَشْرَةَ مِنْ كِتَابِ "نظَامِ الإِسلامِ" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "وَمَتَى انتَهَى الإنسَانُ مِنْ هَذَا الحَلِّ أمكَنَهُ أَنْ يَنتَقِلَ إِلَى الفِكْرِ عَنِ الحَيَاةِ الدُّنيَا، وَإِلَى إِيجَادِ المَفَاهِيمِ الصاَّدِقَةِ المُنتِجَةِ عَنهَا. وَكَانَ هَذَا الحَلُّ نَفْسُهُ هُوَ الأسَاسَ الَّذِي يَقُومُ عَلَيهِ المَبدَأُ الَّذِي يُتَّخَذُ طَرِيقَةً لِلنُهُوضِ، وَهُوَ الأسَاسُ الَّذِي تَقُومُ عَلَيهِ حَضَارةُ هَذَا المَبدَأِ، وَهُوَ الأسَاسُ الَّذِي تَنبَثِقُ عَنهُ أنظِمَتُهُ، وَهُوَ الأسَاسُ الَّذِي تَقُومُ عَلَيهِ دَولَتُهُ. وَمِنْ هُنَا كَانَ الأسَاسُ الَّذِي يَقُومُ عَلَيهِ الإِسلامُ - فِكْرَةً وَطَرِيقَةً - هُوَ العَقِيدَةَ الإِسلامِيَّةَ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا). أمَّا وَقَدْ ثبَتَ هَذَا وَكَانَ الإيمانُ بِهِ أَمْرَاً مَحتُومًا كَانَ لِزامًا أنْ يُؤْمِنَ كُلُّ مُسلِمٍ بِالشَّرِيعَةِ الإِسلاميَّةِ كُلِّهَا، لأَنَّهَا جَاءَتْ فِي القُرآنِ الكَريمِ، وَجَاءَ بِهَا الرسولُ صلى الله عليه وسلم وَإِلاَّ كَانَ كَافِراً، وَلِذَلِكَ كَانَ إِنكَارُ الأحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ بِجُمْلَتِهَا، أوِ القَطعِيَّةِ مِنهَا بِتَفصِيلِهَا كُفرًا، سَوَاءٌ أكَانَتْ هَذِهِ الأحكَامُ مُتَّصِلةً بِالعِبَادَاتِ أَمِ المُعَامَلاتِ أمِ العُقُوبَاتِ أمِ المَطعُومَاتِ، فَالكُفرُ بِآيةِ: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ). كَالكُفْرِ بَآيةِ: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا). وَكَالكُفْرِ بِآيَةِ: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا). وَكَالكُفْرِ بِآيَةِ: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ). وَلا يَتَوقَّفُ الإِيمَانُ بِالشَّرِيعَةِ عَلَى العَقْلِ، بَلْ لا بُدَّ مِنَ التَّسلِيمِ المُطْلَقِ بِكُلِّ مَا جَاءَ مِنْ عِندِ اللهِ تَعَالَى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
ونَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: الإِنسَانُ مَهْمَا كَانَ لَونُهُ, وَمَهمَا كَانَ مَوطِنُهُ, وَمَهْمَا كَانَ جِنسُهُ, وَمَهْمَا كَانَتْ لُغَتُهُ, حِينَ يَبلُغُ هَذَا الإِنسَانُ سِنَّ الرُّشْدِ, وَيَخلُو بِنَفسِهِ فِي لَحْظَةِ صَفَاءٍ - كَمَا كَانَ يَحْدُثُ مَعَ نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ وَحْدَهُ فِي غَارِ حِرَاءٍ - يَبدَأُ بِالتَّفكِيرِ فِي نَفسِهِ وَفِيمَنْ حَولَهُ مِنَ النَّاسِ: مِنْ أينَ أتَى هُوَ وَإِيَّاهُم إِلَى هَذِهِ الحَيَاةِ؟ وَلِمَاذَا أتَوا؟ وَإِلَى أينَ يَكُونُ مَصِيرُهُ وَمَصِيرُهُمْ؟ وَيُفَكِّرُ فِي الحَيَاةِ المَوجُودَةِ فِيهِ, وَفِي سَائِرِ الكَائِنَاتِ الحَيَّةِ كَالحَيوَانَاتِ, وَالطُّيُورِ, وَالحَشَرَاتِ, وَالأشْجَارِ الَّتِي تَنمُو وَتَتَكَاثَرُ, وَيُفَكِّرُ فِي الكَونِ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ, وَفِي كُلِّ المَوجُودَاتِ مِنْ حَولِهِ: مَنِ الَّذِي أوجَدَهَا؟ وَمَتَى أوجَدَهَا؟ وَلِمَاذَا أوجَدَهَا؟ وَمَا مَصِيرُهَا؟ هَلْ سَتَبقَى أمْ سَتَفنَى؟ كُلُّ هَذِهِ الأسئَلَةِ وَالاستِفسَارَاتِ تُشَكِّلُ العُقْدَةَ الكُبرَى عِندَ الإنسَانِ, وَإِنَّ حَلَّ هَذِهِ العُقدَةِ الكُبرَى لا يَكُونُ إِلاَّ بِالإِجَابَاتِ الشَّافِيَةِ وَالوَافِيَةِ وَالكَافِيَةِ الَّتِي تُوَافِقُ فِطْرَةَ الإِنسَانِ, وَتُقنِعُ عَقْلَهُ وَتَملأُ قَلبَهُ بِالطُّمَأنِينَةِ. وَإِنَّ حَلَّ العُقْدَةِ الكُبرَى بِهَذِهِ المُوَاصَفَاتِ الثَّلاثِ يَنبَغِي أنْ يُشَكِّلَ عِندَ الإِنسَانِ العَقِيدَةَ القَوِيَّةَ الرَّاسِخَةَ رُسُوخَ الجِبَالِ الرَّوَاسِي الَّتِي لا تَتَزَعْزَعُ, وَلا تَتَزَحْزَحُ قِيدَ أُنْمُلَةٍ, بَلْ يَتَحَدَّى بِهَا صَاحِبُهَا الدُّنيَا بِأسْرِهَا, كَمَا تَحَدَّى نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم: «وَاللهِ يَا عَمُّ لَو وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي, وَالقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أنْ أترُكَ هَذَا الأمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللهُ أو أهْلِكَ دُونَهُ مَا تَركْتُهُ». وَمَتَى انتَهَى الإنسَانُ مِنْ حِلَّ العُقْدَةِ الكُبرَى بِعَقِيدَةِ الإِسلامِ أمكَنَهُ أَنْ يَنتَقِلَ إِلَى الفِكْرِ عَنِ الحَيَاةِ الدُّنيَا، وَإِلَى إِيجَادِ المَفَاهِيمِ الإِسلامِيَّةِ الصاَّدِقَةِ المُنتِجَةِ عَنهَا. وَكَانَ هَذَا الحَلُّ نَفْسُهُ هُوَ الأسَاسَ الَّذِي يَقُومُ عَلَيهِ مَبدَأُ الإِسلامِ الَّذِي يُتَّخَذُ طَرِيقَةً لِلنُهُوضِ، وَهُوَ الأسَاسُ الَّذِي تَقُومُ عَلَيهِ حَضَارةُ الإِسلامِ، وَهُوَ الأسَاسُ الَّذِي تَنبَثِقُ عَنهُ أنظِمَةُ الإِسلامِ، وَهُوَ الأسَاسُ الَّذِي تَقُومُ عَلَيهِ دَولَةُ الإِسلامِ.
وَالمَبدَأُ هُوَ عَقِيدَةٌ عَقلِيَّةٌ يَنبَثِقُ عَنهَا نِظَامٌ يُعَالِجُ كَافَّةَ شُؤُونِ الحَيَاةِ. أمَّا العَقِيدَةُ فَهِيَ - كَمَا عَلِمْنَا - فِكْرَةٌ كُلِّيةٌ عَنِ الكَونِ وَالإِنسَانِ وَالحَيَاةِ, وَعَمَّا قَبلَ هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَعَمَّا بَعدَهَا, وَعَنْ عَلاقَتِهَا بِمَا قَبلَهَا وَمَا بَعدَهَا. وَأمَّا النِّظَامُ المُنبَثِقُ عَنْ هَذِهِ العَقِيدَةِ, فَهُوَ مُعَالَجَاتٌ لِمَشَاكِلِ الإِنسَانِ, وَبَيَانٌ لِكَيفِيَّةِ تَنفِيذِ المُعَالَجَاتِ, وَالمُحَافَظَةِ عَلَى العَقِيدَةِ, وَحَمْلِ المَبدَأِ رِسَالَةً إِلَى العَالَمِ. فَكَانَ بَيَانُ الكَيفِيَّةِ لِتَنفِيذِ المُعَالَجَاتِ, وَلِلمُحَافَظَةِ عَلَى المَبدَأِ, وَلِحَمْلِ الدَّعوَةِ لِلمَبدَأِ طَرَيقَةً, وَمَا عَدَا ذَلِكَ, وَهُوَ العَقِيدَةُ وَالمُعَالَجَاتُ فِكَرَةً, وَمِنْ هُنَا كَانَ المَبدَأُ فِكْرَةً وَطَرِيقَةً.
أمَّا وَقَدْ ثبَتَ هَذَا, وَكَانَ الإيمانُ بِهِ أَمْرَاً مَحتُومًا كَانَ لِزامًا أنْ يُؤْمِنَ كُلُّ مُسلِمٍ بِالشَّرِيعَةِ الإِسلاميَّةِ كُلِّهَا، لأَنَّهَا جَاءَتْ فِي القُرآنِ الكَريمِ، وَجَاءَ بِهَا الرسولُ صلى الله عليه وسلم وَإِلاَّ كَانَ كَافِراً، وَلِذَلِكَ كَانَ إِنكَارُ الأحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ بِجُمْلَتِهَا، أوِ القَطعِيَّةِ مِنهَا بِتَفصِيلِهَا كُفرًا، سَوَاءٌ أكَانَتْ هَذِهِ الأحكَامُ مُتَّصِلةً بِالعِبَادَاتِ أَمِ المُعَامَلاتِ أمِ العُقُوبَاتِ أمِ المَطعُومَاتِ، فَالكُفرُ بِآيةِ: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ). كَالكُفْرِ بَآيةِ: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا). وَكَالكُفْرِ بِآيَةِ: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا). وَكَالكُفْرِ بِآيَةِ: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ). وَلا يَتَوقَّفُ الإِيمَانُ بِالشَّرِيعَةِ عَلَى العَقْلِ، بَلْ لا بُدَّ مِنَ التَّسلِيمِ المُطْلَقِ بِكُلِّ مَا جَاءَ مِنْ عِندِ اللهِ تَعَالَى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.
وسائط
1 تعليق
-
احسنتم الشرح بارك الله فيكم و نفع بكم