- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
(سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهــي")
المرأة وتولي القضاء
إلى: هاني عقده
السؤال:
(أخي الكريم حفظه الله تعالى، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا الموضوع يتناوله كثير من الشباب.
موضوع أن تكون المرأة قاضيا، المقصود هنا أن تتولى منصب القضاء، هذا الأمر لا بد من إعادة النظر فيه، ففعل الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده والتزام الأمة بذلك من بعدهم وعلى مدى تاريخها الطويل لم تعرف هذا الأمر، ومنذ قيام الدولة الإسلامية الأولى إلى نهاية الدولة العثمانية لم يكن فيها أن امرأة تقلدت منصب القضاء... ويؤخذ بعين الاعتبار عند استنباط حكم تولى المرأة منصب القضاء واقع القضاء والتصدر له، وواقع الحياة العامة ووجود المرأة فيها... فإذا كانت لا تخرج من البيت إلا بإذن زوجها... وإذا كان لا يحل لها الخلوة بالخصوم فمن باب أولى أن لا تكون قاضيا بينهم...) انتهى.
الجواب:
(وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
1- إن السنة هي قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره صلى الله عليه وسلم لقول أو فعل... وهذه كلها في الدلالة سواء إذا صحت وانطبقت على المسألة.
نعم إن فعل النبي صلى الله عليه وسلم دليل شرعي، وهو يصلح لبيان ما أجمل في النصوص الشرعية، ولكن هناك أصولا متبعة في كيفية الاستدلال بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فعدم قيامه صلى الله عليه وسلم بالفعل لا يصلح دليلاً على الحرمة بل لا بد من قيام دليل آخر أو قرينة تدل على أن عدم قيامه صلى الله عليه وسلم بالفعل يفيد حرمة هذا الفعل. فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يرشح الخليفة من بعده، فلم يفهم الصحابة رضوان الله عليهم حرمة ذلك بل طلبوا من أبي بكر أن يرشح من بعده، فرشح عمر رضي الله عنهم أجمعين... لأن عدم فعل الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك الأمر لم يصحبه دليل أو قرينة على أن فعله حرام، أخرج البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قِيلَ لِعُمَرَ أَلاَ تَسْتَخْلِفُ؟ قَالَ: «إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أَبُو بَكْرٍ، وَإِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم». وهكذا كل أمر لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يعني أن فعله حرام إلا إذا كان هناك دليل أو قرينة تفيد التحريم.
ومثل ذلك عدم تولية النبي صلى الله عليه وسلم النساء في القضاء، فإن هذا بمجرده لا يدل على الحرمة، بل لا بد من أن ينضم إليه دليل أو تقترن به قرينة تدل على الحرمة، فلا الدليل موجود ولا القرينة قائمة، وهكذا.
وعليه فلا يفهم من عدم فعل الرسول صلى الله عليه وسلم لأمر أنه حرام إلا بوجود دليل أو قرينة.
2- أما القيود التي ذكرتها على المرأة في أنها (أم وربة بيت وعرض يجب أن يصان، وما يعتريها من الأعذار الطبيعية ما تمتنع معه عن كثير من التكاليف الشرعية... فإذا كانت لا تخرج من البيت إلا بإذن زوجها... وإذا كان لا يحل لها الخلوة بالخصوم فمن باب أولى أن لا تكون قاضيا بينهم...).
فهذه لا تؤثر في جواز القضاء لها، فالحكم الشرعي لا ينص على أن تولي القضاء فرض عليها، بل هو جائز لها، وهي أدرى بظروف بيتها وقدراتها... ثم إن جميع هذه الأمور ليست شرط انعقاد ولا شرط صحة في القاضي ولا في موضوع القضاء، حتى إن الخلوة مع الخصوم التي ذكرتها وكأنك تشير إلى أنها من تمام التحقيق في القضية، فهي ليست كذلك، وإلا لكان القاضي الرجل لا يجوز له القضاء، لأن الخصوم ليسوا كلهم رجالاً، بل فيهم نساء كذلك، فكما لا يجوز للمرأة القاضية أن تختلي بالرجل المتقاضي، فكذلك لا يجوز للقاضي الرجل أن يختلي بالمرأة المتقاضية، هذا فضلاً عن أن الخلوة ليست ضرورية لجلاء القضية، بل عادة يكون في المجلس آخرون مثل كاتب القضاء والشهود والمحارم... ونحو ذلك.
3- إن النصوص الشرعية واضحة في جواز تولية المرأة القضاء لفصل الخصومات بين الناس وكذلك قضاء الحسبة، وحتى تتضح الأدلة وانطباقها على مسألة تولية المرأة القضاء كما ذكرنا آنفاً، أعيد عليك بعض الأمور التي سبق أن وضَّحتها على هذه الصفحة، وذلك ليسهل فهم النصوص الشرعية واستنباط الحكم منها:
أ- هناك أسلوب في اللغة العربية اسمه أسلوب "التغليب"، وهو معروف في أصول الفقه لمن كان عنده علم فيه، وهو يعني أن الخطاب إذا كان بصيغة المذكر أو بصيغة الرجل فإنه ينطبق كذلك على صيغة المؤنث بالتغليب، ولا تخرج منه المرأة إلا بنص يخرجها منه:
فمثلاً قوله سبحانه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فتدخل فيه المؤمنات حتى وإن كانت الآية بصيغة المذكر، لأنه لم يرد نص يخرج المرأة من هذا الحكم.
ومثلا ما أخرجه البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا، اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ». فهو ينطبق على المرأة كذلك بأسلوب التغليب، أي (أَيُّمَا امرأة أَعْتَقَت امْرَأً مُسْلِمًا...). لأنه لم يرد نص يخرج المرأة من هذا الحكم.
ومثلا حديث النسائي في زكاة الإبل... عن أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: «أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ إِبِلٌ لَا يُعْطِي حَقَّهَا فِي نَجْدَتِهَا وَرِسْلِهَا»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَجْدَتُهَا وَرِسْلُهَا؟ قَالَ: «فِي عُسْرِهَا وَيُسْرِهَا، فَإِنَّهَا تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَغَذِّ مَا كَانَتْ وَأَسْمَنِهِ وَآشَرِهِ، يُبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ فَتَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، إِذَا جَاءَتْ أُخْرَاهَا أُعِيدَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فَيَرَى سَبِيلَهُ...» فهو ينطبق على المرأة بأسلوب التغليب إذا لم تزكِّ ما تملكه من الإبل. لأنه لم يرد نص يخرج المرأة من هذا الحكم.
- ومثلاً: قوله تعالى: ﴿َأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾، فالصلاة والزكاة وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فرض على الرجل والمرأة. لأنه لم يرد نص يخرج المرأة من هذا الحكم.
- ومثلاً قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، فالعمل السياسي في كتلة تدعو للإسلام وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر يشمل الرجل والمرأة. لأنه لم يرد نص يخرج المرأة من هذا الحكم.
- ومثلا: أخرج البخاري في صحيحه عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحٍ أَبِي الخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحَارِثِ، رَفَعَهُ إِلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، - أَوْ قَالَ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا - فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا». فهذا يشمل الرجل والمرأة لأنه لم يرد نص يخرج المرأة من هذا الحكم.
ب- لكن أسلوب "التغليب" هذا لا يُعمل به إذا عُطِّل بنص أي إذا خُصص بنص يخرج المرأة من عمومه:
فمثلاً قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾، فالخطاب هنا بصيغة المذكر، ويفيد فرض الجهاد، ولكن لا يستعمل التغليب هنا، فلا يقال إن هذا يشمل النساء بأسلوب التغليب بلفظ "كتب عليكن القتال"، لأن هذا معطل بنصوص أخرى تجعل الجهاد فرضاً على الرجال، فقد أخرج ابن ماجه عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أم المؤمنين رضي الله عنها، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ، لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ». أي أن الجهاد بمعناه القتالي ليس فرضاً على المرأة.
ومثلاً: قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، وهذا النص يفيد فرض صلاة الجمعة ووجوب السعي لها إذا كان النداء، وهنا لا يعمل أسلوب التغليب أي لا يطبق فرض الجمعة على النساء، لأن نصا ورد يخصص فرض الجمعة بالرجال ويخرج النساء من هذا الفرض لقوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَّا أَرْبَعَةٌ: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ»، وقال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، ووافقه الذهبي.
ومثلاً: قوله تعالى ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، فإنه خطاب عام يشمل الرجل والمرأة، حتى وإن كان بصيغة المذكر، وذلك وفق أسلوب التغليب. ولكن هذا العموم خُصص بغير النساء في الحكم، فقد أخرج البخاري عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً». أخرجه البخاري عن أبي بكرة، وبناء عليه فلا يجوز للمرأة تولي الحكم لأن "ولاية الأمر" تعني الحكم. وإذن فأن تكون المرأة حاكماً لا يجوز، أي أنها تخرج من النص العام بالنسبة للحكم، وهذا لا يعني أنها أقل إدراكاً أو تفكيراً من الرجل، بل هو لحكمة يعلمها الله فيها خير للرجل والمرأة على السواء.
ج- وهناك أحاديث تخاطب الرجل والمرأة بأمور، ثم يخصص بعضُها بالرجل دون المرأة، وتبقى الأمور الأخرى شاملة للرجل والمرأة:
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ».
إن هذا الحديث ينطبق بأسلوب التغليب على المرأة بالنسبة لخمسة من السبعة التي لم تعطَّل بنصوص أخرى، فينطبق على شابة نشأت في عبادة ربها... وعلى امرأتين تحابتا في الله... وامرأة طلبها رجل... وامرأة تصدقت... وامرأة ذكرت الله خالية ففاضت عيناها...
ولكن هذا الأسلوب لا ينطبق على الإمام العادل، ورجل معلق قلبه في المساجد لأنهما معطلان بنص، أي خرجت المرأة في حالتين من هذا الحكم كما يلي:
أما "الإِمَامُ العَادِلُ" فهنا أسلوب "التغليب" لا يعمل لأن المرأة لا تتولى الحكم كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ، قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى، قَالَ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً»، فولاية الأمر، أي الحكم لا يجوز من المرأة، وأما غير الحكم كالقضاء وانتخاب الخليفة وأن تنتخب وتنتخب في مجلس الأمة، وغيرها من الوظائف المشروعة التي ليست من الحكم فجائزة لها... وهذا يعني أن كلمة "الإمام العادل" لا تشملها، لأنها لا تتولى الحكم لحكمة يعلمها الله سبحانه.
ومع ذلك فهناك بعض المفسرين من تأول "الإمام العادل" بمعنى الراعي العادل، فطبَّقها على المرأة وفق نص الحديث الذي أخرجه البخاري عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا...». ولكن الأرجح أن التغليب هنا لا يعمل حيث إن كلمة "الإمام العادل" راجحة في الحاكم، فلا تطبق على المرأة.
وأما "وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ" فمعطلة بالنص الذي يفيد أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، وذلك لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه أحمد في مسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُوَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَمَّتِهِ أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّهَا جَاءَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَكَ، قَالَ: «قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي، وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي».
ولكمال الفائدة، فإني أذكر لك ما جاء في تفسير فتح الباري لابن حجر لحديث البخاري المذكور، وبخاصة خاتمة تفسير الحديث، وهذا نصها:
(...ذِكْرُ الرِّجَالِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ يَشْتَرِكُ النِّسَاءُ مَعَهُمْ فِيمَا ذُكِرَ إِلَّا إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْإِمَامِ الْعَادِلِ الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى وَإِلَّا فَيُمْكِنُ دُخُولُ الْمَرْأَةِ حَيْثُ تَكُونُ ذَاتَ عِيَالٍ فَتَعْدِلُ فِيهِمْ، وَتَخْرُجُ خَصْلَةُ مُلَازَمَةِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَالْمُشَارَكَةُ حَاصِلَةٌ...) انتهى
وعليه فحديث السبعة ينطبق كذلك على المرأة إلا بالنسبة للإمام العادل، والمعلق قلبه في المساجد، فلا ينطبق على المرأة، لأن أسلوب التغليب في هاتين الحالتين معطل بنص.
4- والآن نذكر النصوص المتعلقة بالقضاء لنرى إن كانت تشمل الرجل والمرأة، أو هي مخصصة بالرجل دون المرأة:
- أخرج البخاري عن عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: كَتَبَ أَبُو بَكْرَةَ إِلَى ابْنِهِ، وَكَانَ بِسِجِسْتَانَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لاَ يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ»
- أخرج الحاكم في المستدرك على الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ. قَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَقَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ مُتَعَمِّدًا فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِغَيْرِ عِلْمٍ فَهُوَ فِي النَّارِ» "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَلَهُ شَاهِدٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ"
- وأخرج الطبراني في المعجم الكبير عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ قَاضِيَانِ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ، قَاضٍ قَضَى بِغَيْرِ حَقٍّ وَهُوَ يَعْلَمُ، فَذَاكَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَأَهْلَكَ حُقُوقَ النَّاسِ، فَذَلِكَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ، فَذَاكَ فِي الْجَنَّةِ».
- وأخرج الترمذي في سننه عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «القُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: قَاضِيَانِ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ فِي الجَنَّةِ، رَجُلٌ قَضَى بِغَيْرِ الحَقِّ فَعَلِمَ ذَاكَ فَذَاكَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ لَا يَعْلَمُ فَأَهْلَكَ حُقُوقَ النَّاسِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِالحَقِّ فَذَلِكَ فِي الجَنَّةِ».
- وأخرج ابن ماجه في سننه عن ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ، اثْنَانِ فِي النَّارِ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، رَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ جَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ».
- وأخرج البزار في مسنده عَن ابْنِ بُرَيدة، عَن أَبيهِ، رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْقُضَاةُ ثَلاثَةٌ اثْنَانِ فِي النَّارِ وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ قَاضٍ قَضَى بِجُورٍ فَهُوَ فِي النَّارِ وَقَاضٍ قَضَى بِغَيْرِ عِلْمٍ فَهُوَ فِي النَّارِ وَقَاضٍ بِالْحَقِّ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ».
- وأخرج معمر بن راشد في جامعه عن عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَلِيًّا، قَالَ: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: قَاضٍ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ رَأَى الْحَقَّ فَقَضَى بِغَيْرِهِ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ اجْتَهَدَ فَأَصَابَ فِي الْجَنَّةِ»
وبالنظر في هذه الأحاديث نجدها بصيغة المذكر أو بلفظ رجل، فتشمل الرجل والمرأة إلا أن تخرج المرأة منها بنص صحيح، وليس هناك تخصيص لهذه الأحاديث بالرجال، كما خصصت ولاية الأمر "الحكم" بالرجال، ولذلك فيشمل الحكم الرجال والنساء، فيجوز للمرأة أن تكون قاضياً لفصل الخصومات بين الناس أو في قضاء الحسبة.
أما قضاء المظالم الذي ينظر في عزل الحاكم، فهو تابع لعدم تولية المرأة الحكم، ولذلك، فلا يجوز للمرأة تولي قضاء المظالم، أي القضاء الذي له صلاحية النظر في عزل الحاكم إذا كان هناك ما يستوجب عزله.
وكل هذا يدل بوضوح على أن تولي المرأة القضاء "القضاء العادي، وقضاء الحسبة"، هو أمر يجوز للرجل ويجوز للمرأة كذلك.
5- وفي الختام، فإن إلقاء نظرة سريعة على واقع النساء زمن النبي صلى الله عليه وسلم تري صورة مختلفة كلياً عما يوحي به السؤال، فإن النساء كن يخضن غمار الحياة كالرجال، فيقمن بالصراع الفكري والكفاح السياسي، وأول شهيدة في الإسلام هي المرأة سمية التي حملت الدعوة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأم عمارة وأم منيع كانتا ممن بايع الرسول صلى الله عليه وسلم بيعة النصرة في العقبة الثانية إلى جانب الرجال، ويداوين جرحى المعارك، ويقمن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويحاسبن الخليفة... لقد كن بحق شقائق الرجال، ولكن ذلك كله كان ضمن الأحكام الشرعية التي نظمت علاقة الرجال بالنساء، ولم تكن النساء جهداً معطلاً ولا ملازمات البيوت لا يخرجن منها أبداً.
وخاتمة الختام، فإن أجمل تصوير لواقع النساء في الحياة الإسلامية قوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾.
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك
رابط الجواب من موقع الأمير
رابط الجواب من صفحة الأمير على الغوغل بلس