- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2024-10-30
جريدة الراية: تطورات حرب يهود على لبنان
منذ شهر تقريباً، شهدت الحرب بين كيان يهود ولبنان متمثلاً بـحزب إيران في لبنان، أو بالمقاومة الإسلامية، كما يسميها إعلام هذا الحزب، تصعيداً كبيراً، لا سيما بعد اغتيال أمينه العام حسن نصر الله بغارة جوية مدمرة على منطقة الضاحية الجنوبية، محل وجود نصر الله في بنية عميقة تحت الأرض في 2024/09/27م؛ وفي بداية تشرين الأول/أكتوبر 2024م تحديداً أعلن كيان يهود عن بدء عملية برية، قال عنها إنها محدودةٌ، مستهدفةً مواقع للحزب وأنفاقاً في القرى والمناطق الحدودية؛ وبعد زيارة المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين، ولقائه مسؤولين لبنانيين، على رأسهم رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي صرح عقب اللقاء قائلاً إنّ الأمور جيدة، فما لبث أن قام يهود بقصف غير مسبوق على محيط مستشفى رفيق الحريري الحكومي في العاصمة بيروت! مع استمرار استهدافات يقول عنها يهود إنها مصالح للحزب أو قيادات ميدانية.
وبرغم إصابة الحزب البليغة على المستويات القيادية، إلا أنه ما زال يقوم بتصد فعال ضد محاولات قوات يهود الاستقرار في مناطق دخولها برياً، ويكبدها خسائر عسكرية بشرية ومادية، وما زال الحزب قادراً على توجيه ضربات صاروخية سواء لتجمعات الجنود قرب الحدود، أو في أعماق أكبر تصل لمدن أساسية في فلسطين المحتلة عام 48، بل وصلت لاستهداف منزل رئيس وزراء يهود نتنياهو بمسيرة انطلقت من لبنان مخترقةً كل الحواجز الدفاعية لكيانهم؛ وفي سياق توسيع الحزب عملياته وطبيعتها قام الحزب يوم 2024/10/26م بتوجيه إنذار لسكان مستوطنات لإخلائها، كونها صارت أماكن لانطلاق أعمال عسكرية ضد جنوب لبنان.
تزامنت هذه التطورات مع وجود أجواء ضربة كيان يهود لإيران، وتنفيذها ليلة السبت 2024/10/26م، حيث ظهر ضغط أمريكي واضح لتقليص حجم الضربة حماية لنظام إيران الدولة الدائرة في فلكها، وظهرت كذلك تصريحات للناطق باسم جيش يهود هاغاري ولقيادات عسكرية أخرى تحدثت عن إمكانية إعلان الانتهاء من العمليات البرية على حدود لبنان بعد أسبوع أو أسبوعين، قبل ساعات من ضرب إيران.
كذلك تجدر الإشارة هنا إلى تصريحات هاغاري غداة مقتل يحيى السنوار رحمه الله وقوله إنّ أهداف الحرب واضحةٌ، ومنها القضاء على الجناح العسكري لحماس، على غير عادة التصريحات السابقة القائلة بالقضاء على حماس دون تخصيص الجناح العسكري، وتصريحات نشرتها وول ستريت جورنال عن مسؤول أمني في كيان يهود، ونقلته الجزيرة بأن تفكيك حزب إيران كحركة سياسية واجتماعية ليس هدفاً لحرب كيان يهود.
ربما يُفهم من هذه التصريحات أنّ المستهدف من هذه العمليات - من أمريكا ويهود - هو الأجنحة العسكرية لأقوى تنظيمين عسكريين في المنطقة، حماس وحزب إيران اللبناني، لكن فيما يبدو أن مطامع نتنياهو - التي ربما تجاوزت حدود ما تريده أمريكا في هذه المرحلة - ومحاولات تفلته الدائمة والقديمة في القضاء على قدرات إيران، لمنع وجود قوة أخرى تنافسه في المنطقة - ويشمل ذلك عنده القضاء على من تعمل معهم إيران في المنطقة قضاءً تاماً - لذا حاول نتنياهو ومن معه من المتطرفين التوسع باتجاه أخذ مناطق في جنوب لبنان، وأعيد فتح موضوع تثبيت وجود يهود في شمال غزة عبر الاستيطان، وبخاصة في الوضع الضبابي والمنطقة الرمادية للانتخابات الأمريكية، هذه التوجهات وكأنها لم تتناسب في مكان ما مع حدود ما تريده أمريكا، أي القضاء على الأجنحة العسكرية، لذا قامت أمريكا بالعمل على تخفيف الضربة عن إيران، وشددت على عدم استقرار يهود في شمال غزة وضرورة إدخال المساعدات، ولا يُسمع لها تصريحات ذات شأن في قضية ضرب الحزب ليهود في جنوب لبنان وفي العمق الفلسطيني، بل تركز تصريحات مبعوثيها على ضرورة الوصول لوقف إطلاق النار بين الأطراف المتقاتلة، وتطبيق القرار 1701 الذي لم تطبقه كل الأطراف كما يصرح المسؤولون الأمريكيون.
وقف إطلاق النار هذا الذي تعرضه أمريكا ينص على وقف إطلاق النار لمدة 21 يوماً، على أن يعقبها مباشرة دخول لبنان في مفاوضات سلام للوضع النهائي بين لبنان وكيان يهود، وترسيم الحدود البرية، ما يشي بأن أمريكا تريد أن تُرْغَمَ الأطراف على الجلوس لطاولة المفاوضات النهائية للسلام وكأنها النتيجة الطبيعية لهذه الحرب!
إنّ كلام الشيخ نعيم قاسم الذي استلم قيادة حزب إيران في لبنان، بوصفه كان نائباً للأمين العام حسن نصر الله، كلام يؤخذ في الاعتبار حين يقول: "المقاومة انتقلت منذ جريمة تفجير البيجرز في 17 أيلول الماضي من مرحلة الإسناد إلى مرحلة الحرب المباشرة مع العدو"، وحين يقول أيضا "إن العدو صار وحشاً هائجاً.. وأبشركم أننا من سيمسك رسن العدو ويعيده إلى الحظيرة" فإلى أية حظيرة يريد حزب إيران إعادة يهود؟!
لذا، فإنه من غير المتوقع في المنظور توسعة الحرب عما هي عليه اليوم، باستمرار كيان يهود في محاولات تحقيق أكبر بنك أهداف ممكن من قيادات الحزب، واستمرار الحزب في التصدي القوي لقواته عند الحدود، واستهداف أهداف عسكرية ليهود داخل فلسطين، ولو استمر الأمر على هذه الوتيرة، فإنّ ذلك لا يكاد يزعج أمريكا طالما لم يتوسع لحرب إقليمية، وبخاصة في هذه المرحلة الحرجة من الانتخابات الأمريكية، التي يبحث فيها الجمهوريون والديمقراطيون عن تأمين أصوات اللوبي اليهودي، وتأمين صوت الناخب العربي الممتعض جداً من أداء الإدارة الأمريكية.
إنّ الإدارة الأمريكية والتابعين لها والدائرين في فلكها، لا يلقون بالاً لأجساد تتمزق أو دماء تُسفك، وبخاصة عندما تكون من دماء المسلمين، طالما لم تتحقق الأهداف التي يضعونها، والسيناريوهات التي يرسمونها، التي لن تخرج عن وضع أمريكا يدها - وهذه المرة ربما بشكل مباشر - على مقدرات المنطقة عموماً، وبلاد الشام خصوصاً، فهي لا تفرض (سلاماً) كما لا تشعل حرباً إلا من أجل مصالحها الحيوية، ولو كلف هذا من المجازر والدماء ما كلف، لكن القول الفصل الذي نقوله لأمريكا ومن ساندها وسار معها، هو قول الله عز وجل: ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾.
بقلم: م. مجدي علي
المصدر: جريدة الراية