- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2024-10-30
جريدة الراية: التصعيد في شمال سوريا
حقيقته ودوافعه والواجب تجاهه
تستمر أنقرة وموسكو بالتنسيق حول عمل الطرفين التآمري الدؤوب في سوريا، خاصة بعد الأحداث الأخيرة في محافظة إدلب والتصعيد الروسي، في ظل استمرار هيئة تحرير الشام بالتحضير لمعركة "مرتقبة" مزعومة ضد النظام المجرم. حيث اجتمع وفدٌ من المخابرات التركية مع وفد ضباط من المخابرات والشرطة العسكرية الروسية الثلاثاء 2024/10/22م، في القاعدة الروسية المعروفة بالمنشرة على طريق M4، قرب قرية ترنبة، غرب مدينة سراقب بريف إدلب. ويأتي هذا الاجتماع في ظل تحشيد عسكري على جبهات إدلب وحلب واللاذقية، إضافة إلى تصعيد يهود على لبنان، وتكثيف استهداف الأراضي السورية. وبالتوازي مع الاجتماع أجرت المخابرات التركية جولات على النقاط العسكرية المنتشرة في المنطقة. ويأتي هذا الاجتماع استمرارا للاجتماعات السابقة، التي عقدتها وفودٌ روسية وتركية، لمناقشة التطورات في سوريا، إذ ناقش الوفدان، التصعيد الروسي الأخير على إدلب وخطوات سير إعادة العلاقات بين تركيا والنظام المجرم بوساطة روسية، إذ لم ترد دمشق على دعوة الرئيس التركي لعقد لقاء مع نظيره الطاغية أسد وخاصة طلبه من بوتين مؤخراً الضغط على أسد لتسريع عملية التطبيع بينهما، وقد صرح أردوغان مؤخراً بالقول: "توقعاتنا هي أن تفهم الإدارة السورية الفوائد التي سيوفرها لها التطبيع الصادق والواقعي مع تركيا وتتخذ الخطوات وفقا لذلك"، في حين أعلن نظام الإجرام (المتمنّع) تمسكه بالانسحاب التركي من الأراضي السورية، دون وضع شروط للقاء.
كما كان ملف فتح الطرق الدولية M4 وM5 محوراً رئيسيا في اجتماعات وفدي روسيا وتركيا، لما لها من أهمية استراتيجية، فطريق M4 يمتد من اللاذقية إلى الحسكة مرورا بحلب والرقة، ما يجعله شريانا حيويا للتجارة، بينما يربط طريق M5 بين دمشق وحلب عبر حمص وحماة، ويُعتبر من أهم الطرق التجارية والصناعية في سوريا.
علماً أنه بتاريخ 2024/8/27م كان هناك اجتماع ثلاثي بين الوفود التركية والروسية والإيرانية في مدينة سراقب لمناقشة فتح الطرق السريعة وتأمينها، ومحاولات إقناع الناس بفتح المعابر التجارية بين مناطق سيطرة النظام والمحرر، رغم رفضهم المطلق لفتح معبر أبو الزندين، باعتبار ذلك خطوة تطبيع خبيثة يدفع باتجاهها النظام التركي، سبق ذلك اجتماع لمسؤولين أتراك وروس في 2024/8/20م للغاية نفسها. فيما جدد أردوغان في 2024/10/12م حديثه عن أهمية "وحدة الأراضي السورية (طبعاً تحت حكم النظام وبطشه)"، لافتاً انتباه دمشق لاحتمالية توسع نطاق حرب يهود على لبنان وخاصة بعد قصفه للعاصمة.
إنه مما لا شك فيه، ومما لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان هو أن أمريكا هي المتحكم بخيوط الملف السوري منذ أيام الهالك حافظ، وهي من تحمي نظام ابنه وتمده عبر أدواتها بأسباب الحياة، وهي من توزع الأدوار على أعدائنا لوأد الثورة، سواء من جاهرنا منهم بالعداء أو لبس نفاقاً ثوب الأصدقاء وعلى رأسهم نظام التآمر التركي عراب التطبيع والمصالحات، الذي يدفع أدواته في المحرر، من قادة المنظومة الفصائلية وغيرهم، للضغط على الناس أمنياً وعسكرياً واقتصادياً ومعيشياً ليخضعوا للحلول الاستسلامية التي تهندسها أمريكا وينفذها الأدوات والصنائع. فلقد كان لهؤلاء القادة المرتبطين الدور الأبرز والأقذر في تجميد الجبهات منذ خمس سنوات تنفيذاً لبنود أستانة وجنيف، فكانوا بحق خط الدفاع الأول عن نظام الطاغية في تناغم مع دور النقاط التركية، فكان خفض تصعيد مذل من جانب واحد، يوازيه قصف لم ينقطع من نظام الإجرام وحلفائه روسيا وإيران وحزبها في لبنان ضد أهلنا، ليكون الرد على الدوام خجولاً، إن كان هناك رد، ذراً للرماد في العيون وامتصاصاً لغضب الأمة.
ومع ما يعانيه الناس من إجرام النظام وحلفائه من قصف وتدمير وتهجير، إضافة للتضييق الممنهج على الناس الذي طال لقمة عيشهم ورغيف خبزهم، وشوق النازحين والمهجرين للعودة إلى ديارهم، وتجذر روح الثورة في صدور الناس وتطلعهم المستمر لإسقاط النظام المجرم، خاصة مع اليأس من قادة الارتباط الخونة، تشكل رأي عام ضاغط في عموم المحرر بضرورة استعادة القرار العسكري من مغتصبيه القادة لفتح جبهات حقيقية يقودها مخلصون أصحاب قرار بعيداً عن القادة المكبلين بأوامر النظام التركي، وذلك لزلزلة عرش النظام المهلهل المتهالك، في ظل انشغال حلفائه بأنفسهم؛ فروسيا غارقة في الوحل الأوكراني، وإيران وحزبها اللبناني مشغولان بالتعامل مع ضربات كيان يهود، حتى النظام نفسه مشغول بضربات الكيان أيضاً في العاصمة وغيرها، وكالعادة رده لرد اعتباره هو بقصف المدنيين واعتقال السوريين المهجرين من لبنان بسبب الأزمة الراهنة.
هذا الرأي العام الضاغط، وتزايد المطالبات الشعبية الغاضبة بفتح الجبهات، خاصة مع توفر كل الإمكانات والمقومات، قام بتعرية مواقف قادة المنظومة الفصائلية بشكل كامل، والذين باتوا يخشون حقيقةً أن ينفرط عقد هذه المنظومة أو تحصل حالة من التفلت يمكن أن يستثمرها صادقو الأمة وخيرة ثوارها ومجاهديها بالقيام بأعمال مستقلة مخلصة تسير خلفها قوى الأمة، خاصة إذا كانت الوجهة هي الساحل كمقدمة لما بعده، ما دفع القادة المرتبطين، بأوامر أسيادهم، للمسارعة بعلاج هذه المسألة الخطيرة، عبر اصطناع أجواء الحرب والدعاية لها وقرع طبولها وتصنع الاستنفارات ونقل الأسلحة؛ جعجعة بلا طحن، حتى يتم الالتفاف على مطالب الحاضنة وتطلعات المجاهدين، بل وتحصيل معلومات أمنية عن صادقي الأمة الذين يريدون التحرك بعيداً عن الأدوات التركية الذين ما زادونا إلا رهقاً.
وما سعار القصف الروسي مؤخراً على المناطق المحررة إلا في تناغم مع أهداف النظام التركي وأدواته في المحرر، من استعراض لعضلات منتفشة يستر ضعف النظام المجرم وخواره، وفي الوقت نفسه إعطاء ذريعة لقادة الفصائل لعدم فتح الجبهات بذريعة قوة العدو وقدرته على إيلام الناس والتسبب بموجات نزوح جديدة، وهو النفَس التثبيطي ذاته الذي تكتب حوله أقلام مخابراتية مأجورة خدمة لأجندات أعداء الثورة.
هذا وقد استهدف الطيران التركي قبل أيام محيط معبر عون الدادات الواقع تحت سيطرة "قسد"، للدفع باتجاه فتح معبر أبو الزندين لاستقبال النازحين السوريين من لبنان، ليرد أهلنا بأننا أولى بأهلنا من المتآمرين، فاستقبال إخواننا واجب، لكن فتح المعبر كخطوة تطبيعية فمرفوض ودونه الأرواح، لترد "قسد" بقصف مدينتي إعزاز والباب.
لقد فرضت أمريكا، عبر النظام التركي وتحكمه بالقادة والإمساك بقرار الحرب، تجميداً للجبهات على مدار سنوات، لإنهاء الحالة الثورية والجهادية ودفع الناس نحو الدعة والخنوع والاستسلام للواقع الذي تريد فرضه، خاصة مع دعايات مغرضة كاذبة عن ضعف الثائرين، المتوكلين على ربهم، وقوة أعدائهم، المنشغلين بأنفسهم، وعليه فإنه من المستبعد حالياً من الناحية السياسية، على الأقل في المدى المنظور، أن تكون هناك معركة حقيقية تسمح بها أمريكا وأداتها النظام التركي، إلا في حال ازدياد غليان الشارع، ما يمكن أن يدفعهما للإيعاز لأدواتهما على الأرض بالقيام بفتح جبهات محددة محدودة الأثر والخطر، بعيدة عن معقل النظام المجرم وغاية إسقاطه، قد تقتصر على تحرير بعض المناطق غير المؤثرة جغرافياً واستراتيجياً بغية خداع الحاضنة وتنفيس شحناتها وتخديرها إلى حين، واستنفاد جهود الصادقين.
أما حديث القادة وترويجهم لدعاية تحرير حلب فهو بعيد عن الواقع، تكذبه تصريحات أردوغان (الناطق بلسان أمريكا لحماية النظام ووأد الثورة) المستمرة حول وحدة الأراضي السورية والتطبيع مع الطاغية أسد، وتصريحات غير بيدرسون المبعوث الأممي في السياق ذاته، والذي دائماً ما يدعو إلى الحل السياسي الأمريكي وتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 الذي يثبت نظام الإجرام ويحارب كل من خرج ثائراً عليه، مع التذكير، في السياق نفسه أيضاً، بما صدر عن غرفة "الفتح المبين" و"إدارة الشؤون السياسية في حكومة الإنقاذ" من شجب واستنكار وتحميل النظام وروسيا وإيران مسؤولية نتائج القصف وموجات النزوح والتهجير "وأحقية الدفاع عن شعبنا وأرضنا بكل الوسائل المشروعة"!
أما حديث البعض حول انشغال أمريكا بقضايا أخرى، وعن إمكانية قبولها مرحلياً بتقسيم سوريا إلى فيدراليات ريثما تتمكن عبر عملائها من إعادة بسط النظام المجرم سيطرته الكاملة، وهذا ما لا مؤشر واضحاً عليه حتى الآن سوى بعض ما يشاع عن خطة لتقسيم سوريا إلى أربع مناطق، فهذا لا يمكن الاعتماد عليه والبناء عليه في التحليل حتى الآن.
ومما يجدر ذكره، أن حراك الأمة المبارك وسعيها لاستعادة سلطانها وقرارها من القادة العبيد ودعوتها لفتح الجبهات، قد آذى سلطة الأمر الواقع وخاصة الجولاني وجهاز ظلمه العام الذي راح يعتقل حملة الدعوة وأحرار الأمة الذين يحملون همّ الأمة ويشحذون همتها لإسقاط المتآمرين وتتويج تضحيات الثائرين.
إن صراع أعداء الثورة هو مع أهل الشام وحناجرهم الثائرة وهممهم العالية وعقيدتهم المتجذرة في صدورهم، وليس مع قادة الارتباط الذين يحاولون سوق الثورة وأهلها إلى مقصلة الجلاد. وإن ثورتنا هي ثورة أمة لا ثورة فصائل. ولذلك، فإن خلاصنا هو بتخلصنا من هؤلاء القادة العبيد وتوسيد الأمر لأهله من المخلصين، لفتح جبهات حقيقية تزلزل عرش النظام وتخلص الناس من شروره، وتقيم على أنقاضه حكم الإسلام ودولته الخلافة بإذن الله، وما عدا ذلك جرعات تخدير وامتصاص لغضب الناس وإطالة في أمد معاناتهم.
بقلم: الأستاذ ناصر شيخ عبد الحي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
المصدر: جريدة الراية