- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2024-10-30
جريدة الراية: حرب روسيا وأوكرانيا إلى أين؟
أعلن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الخميس الماضي، أن روسيا تستعد لنشر 10 آلاف جندي كوري شمالي للقتال ضد القوات الأوكرانية، نقلا عن معلومات استخباراتية حسب قوله، وطالب بردود فعل دولية قوية على ما وصفه بتورط كوريا الشمالية بدرجة أكبر في الحرب مع روسيا، وقال إنه توجد أدلة كافية من الأقمار الاصطناعية وأدلة مصورة تقطع بأن كوريا الشمالية لم ترسل معدات إلى روسيا فحسب، بل أرسلت أيضا جنودا لنشرهم، وكانت وكالة الاستخبارات الكورية الجنوبية قالت يوم الجمعة إن كوريا الشمالية أرسلت 1500 جندي من القوات الخاصة إلى الشرق الأقصى الروسي للتدريب، ومن المرجّح أن يتوجهوا إلى الخطوط الأمامية قريبا، مع استعداد آلاف الجنود لمغادرة البلاد في وقت قريب، فيما يعدّ أول انتشار من نوعه لبيونغ يانغ في الخارج.
وعلى الرغم من تأكيد هذا الخبر وهذه التصريحات الواضحة لزيلينسكي من الأطراف المعنية (كوريا الجنوبية وأوكرانيا)، إلا أنه لم يتم تأكيد هذه الادعاءات من أي طرف من أطراف النزاع الدوليين والداعمين له، فقد قال رئيس حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مارك روته، يوم الخميس الماضي، إنه لا توجد أدلة على وجود كوريا الشمالية في هذه المرحلة، كما نفت روسيا وكوريا الشمالية مزاعم إرسال بيونغ يانغ بعض العسكريين لمساعدة روسيا في مواجهة أوكرانيا، وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، للصحفيين الخميس الماضي، عند سؤاله عمّا إذا كانت كوريا الشمالية ترسل قوات للقتال في أوكرانيا: "هذا فصل آخر من الأخبار الكاذبة على ما يبدو".
ولم تؤكد أمريكا صحة هذه الأخبار أو تنفِها، حيث قالت تعليقاً على الخبر إن إرسال كوريا الشمالية قوات لدعم روسيا في أوكرانيا من شأنه أن يشكّل "تطوراً خطيراً"، وجاء على لسان روبرت وود، نائب السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، أن واشنطن اطّلعت على تقارير تفيد بإرسال كوريا الشمالية لقوات وتتهيأ لإرسال المزيد من الجنود إلى أوكرانيا للقتال إلى جانب روسيا، وعلّق على ذلك: "إذا صحّ ذلك، فإن هذا الأمر يشكل تطورا خطيرا ويثير قلقا بالغا ويعكس ترسيخا واضحا للعلاقات العسكرية بين كوريا الشمالية وروسيا"، وقال إن واشنطن بصدد التشاور مع حلفائها وشركائها "بشأن تداعيات خطوة دراماتيكية كهذه"، وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، فيدانت باتيل، إن الوزارة لم تتوصل بعد إلى ما يمكّنها من تأكيد تلك التقارير وما إذا كانت دقيقة، وهو التصريح ذاته الذي أدلاه وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن. أما فرنسا فقد قال سفير فرنسا لدى الأمم المتحدة، نيكولا دو ريفيير، في كلمة أمام مجلس الأمن الدولي: "إن نشر جنود كوريين شماليين من شأنه أن يشكل تصعيدا إضافيا".
لا شك أن هناك تحركات ومساعي جدية للدول للانعتاق من الهيمنة الأمريكية، وخصوصا الدول الكبرى مثل الصين وروسيا، وقد برزت مؤخراً في لقاءات تحالفات البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون التي انعقدت في إسلام أباد في منتصف هذا الشهر، والتي حضرتها قوى إقليمية مهمة، مثل الصين وروسيا والهند وباكستان وإيران، وبعض دول آسيا الوسطى، وعلى الرغم من عدم الإعلان خلالها عن تبنّي موقف قوي ضد الغرب (أمريكا وحلف الناتو)، إلا أن معظم هذه الدول من الدول المنافسة للهيمنة الأمريكية، وتستخدم مختلف الأساليب والوسائل لتحقيق ذلك، ومنها استخدام كوريا الشمالية لدعم روسيا في حربها ضد أوكرانيا - نكاية بأمريكا لا حبّا في روسيا - وإقناع إيران بدوام مدّ روسيا بالمسيرات والصواريخ الإيرانية التي يستخدمها الجيش الروسي في الحرب الأوكرانية.
إن أمريكا التي تتغذى على الحروب، ويزداد نفوذها بإشعال المزيد منها، هي التي تغض الطرف عن حضّ الصين لكوريا الشمالية للتدخل في النزاع الغربي الروسي، فالصين وإن كانت تظن أنها مستفيدة من هذا التدخل في منافستها الخجولة والجبانة ضد أمريكا، فهي أيضاً مجبرة عليه إلى حدٍّ ما استرضاء لروسيا، خصوصا أنها تقوم بهذه الخطوة والتحدي غير المباشر لأمريكا وهي منشغلة في ملف الشرق الأوسط، وإدارتها بطة عرجاء في أشهرها الأخيرة قبل الانتخابات الرئاسية، بينما أمريكا فهي مستفيدة أيضاً من هذا التدخل، وضمن سياسة التوازنات التي تنتهجها بين أوروبا وروسيا، فكلما وجدت أمريكا كفة أوكرانيا ترجح في الحرب غضت الطرف عن مثل هذه التدخلات، بل وسمحت بها، مثل تحريضها غير المباشر لإيران لإرسال طائرات مسيرة وصواريخ لروسيا، وذلك حتى تبقى الحرب دائرة على الساحة الأوكرانية، لا تتوقف، لتحقيق الغرض نفسه الذي أشعلت الحرب من أجله، وهو إنهاك كل من روسيا وأوروبا واستنزافهما.
إن الموقف الدولي القائم الآن على قاعدة أحادية القطبية التي تحاول أمريكا ترسيخها في العالم هو الذي يتسبب في اندلاع الحروب في مختلف بلدان العالم؛ والتي تشهد أعتاها البلاد الإسلامية، وخاصة بلاد الشام، وأوروبا كانت المتضرر الثاني، واندلاع الحروب فيها له تداعيات على مختلف دول العالم القديم، وسياسة أمريكا هذه هي التي أوجدت أجواء البغضاء عالمياً وشحنتها حتى بات العالم يقف على فوهة بركان. هذا الموقف اليوم هو أشبه ما يكون بالموقف الدولي الذي كان قائماً إبان البعثة النبوية ﷺ، حيث كان العالم منقسماً إلى إمبراطوريتين مع تحالفات وعمالات وأدوات رخيصة مشابهة للقائمة اليوم، حتى خلّصه الإسلام من النزاعات الدموية، وأنقذ الشعوب المقهورة من استنزاف قوى الكفر والشرك حينئذ. لذلك حري بالعقلاء من أهل القوة والمنعة في البلاد الإسلامية تعلم الدرس من التاريخ وتصحيح مسارهم إلى ما يرضي الله ورسوله والبشرية جمعاء، وإن كان الحمقى يتعلمون من تجاربهم، والحكماء من التاريخ كما يُقال، فكيف إن كان التاريخ مجيداً معبّقاً برسائل النفحات الإلهية؟!
بقلم: الأستاذ بلال المهاجر – ولاية باكستان
المصدر: جريدة الراية