- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2024-10-30
جريدة الراية: قمة بريكس بقازان ومدى نجاحها في التخلص من هيمنة الغرب
عقدت قمة بريكس بمدينة قازان عاصمة تتارستان الواقعة تحت حكم روسيا في 22-2024/10/24 بحضور أعضاء جدد، حيث أعلنت في قمتها السابقة بجنوب أفريقيا من 22 إلى 2023/8/24 عن توجيه دعوات لضم 6 دول جديدة ابتداء من 2024/1/1، من بينها مصر والإمارات وإيران وإثيوبيا بجانب السعودية التي لم تعلن رسميا انضمامها بعد، والأرجنتين التي رفض رئيسها الجديد ميلي الانضمام والذي تولى الحكم يوم 2023/11/19 متفاخرا بشراكته لأمريكا وكيان يهود خلافا لرئيسها السابق فرنانديز الذي طالب بالانضمام.
فاستضاف الرئيس الروسي بوتين 22 رئيس دولة وحكومة، علما أن 36 دولة شاركت في القمة. ووصف المتحدث باسم الكرملين القمة بأنها "من أضخم أحداث السياسة الخارجية على الإطلاق" بالنسبة لروسيا، إذ يسعى لكسر عزلة الغربيين عليه وعلى بلاده عقب هجومه على أوكرانيا منذ شباط 2022، وقد نعتوه بالمارق وأصدروا ضده مذكرة اعتقال عبر محكمة جناياتهم الدولية. كما يريد أن يثبت أن كثيرا من دول العالم إما تؤيده أو ليست ضده أو ليست مع الغرب، حيث يظهر الغرب بزعامة أمريكا غطرسته ويفرض قيادته على العالم، خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991، والذي كان الغرب يخشاه ويتقاسم قيادة العالم مع أمريكا.
فبوتين يعمل على إعادة هذه الأمجاد الزائفة، وقد صرح بذلك أمام المشاركين قائلا: "إن عملية تشكل نظام عالمي متعدد الأقطاب جارية". وأشار إلى غطرسة الغرب قائلا: "لا شك أنه سيكون من الخطأ تجاهل الاهتمام غير المسبوق لدول الجنوب العالمي والشرق في تعزيز الاتصالات مع بريكس"، وأكد أن "هناك أكثر من 30 دولة تريد الانضمام إلى بريكس"، فهو يعمل على إظهار نجاحه في وجه الغرب حتى يحقق غايته في أن يكون قطبا دوليا وأن يكون العالم متعدد الأقطاب.
ولهذا كتبت صحيفة نيسافييسيمايا الروسية يوم 2024/10/23: "من وجهة نظر روسيا، تعتبر مجموعة بريكس جذابة لدول الجنوب العالمي، لأنها ترفض النموذج القديم للعلاقات الدولية القائم على ديكتاتورية الغرب". واستدركت أن "دولا أخرى وخاصة البرازيل والهند لن تدعم هذه الجهود بشكل كبير فهي ترغب في استخدام بريكس من أجل الديمقراطية وإصلاح النظام العالمي القديم". أي أن النجاح في إسقاط ديكتاتورية الغرب بمجموعة بريكس غير مضمون وهي تضم مثل هذه الدول.
وقد تم في القمة نقاش مشاكل دولية؛ اقتصادية كمشكلة ضمان التنمية المستدامة للأمن الغذائي والطاقة، وسياسية كمشكلة الشرق الأوسط، في محاولة لكسب المجموعة بُعدا عالميا.
فالغرب يدرك أن روسيا تعمل على تحويل بريكس إلى مجموعة مؤثرة اقتصاديا وسياسيا على غرار مجموعة السبع وتعمل على قيادتها لمواجهة الغرب. ولهذا قالت وزيرة التنمية الألمانية سفينيا شولتسه: "إن بوتين يسعى إلى تقديم نفسه كزعيم لمجموعة مناهضة للغرب في قازان"، وقالت: "عفا الزمن على تفكير بوتين القائم على التقسيم إلى معسكرات". فألمانيا تريد أن تدوم الهيمنة الغربية على العالم، وألا يتصدى لها أحد، خاصة في غياب الإسلام عن الساحة العالمية متجسدا في دولة.
ولروسيا أهداف اقتصادية حاولت في القمة الماضية فرضها مثل إيجاد عملة للمجموعة تحاكي وتنافس الدولار الذي يعتبر العملة الرئيسية للمعاملات التجارية والمالية العالمية والاحتياطي لكثير من الدول ويليه اليورو. ولم تتمكن في القمة الماضية ولا الحالية من التقدم خطوة في هذا المجال، إلا زيادة التبادلات التجارية بينها بعملاتها المحلية.
فروسيا تدرك أن دولا أعضاء مؤسسين في المجموعة كالبرازيل والهند وجنوب أفريقيا لا تريد السير معها في مواجهة أمريكا والغرب، وقد رفضت التخلي عن الدولار، ومنها من رفض استصدار عملة لبريكس. وكيف وقد ضمت إليها دولا كأعضاء جدد وهي تتبع الغرب؟!
وفي الوقت نفسه، هناك خلافات عميقة تصل حد العداوة بين بعض أعضاء المجموعة خاصة بين الهند والصين حتى حصلت بينهما اشتباكات على الحدود. فأمريكا تحرض الهند ضد الصين والأخيرة تحاول التهدئة.
والصين لا تريد الدخول في مجابهة مع الغرب على رأسه أمريكا ولا مع الدول التابعة له، بل تسعى لتوثيق علاقاتها معهما، حيث قال رئيسها شي: "العلاقات بين بكين وموسكو ليست موجهة ضد دول ثالثة". فهي لا تريد أن تنساق مع روسيا إلى حد القطعية مع الغرب أو المجابهة، ولهذا تراجعت عن عقد حلف مع روسيا وعن مدها بالأسلحة في حربها بأوكرانيا.
وكل هذا يضعف مجموعة بريكس في مواجهة الغرب، ويؤخر سعي روسيا والصين اللتين تسعيان لفرض نفسيهما على أنهما قطبان عالميان آخران مشاركان في قيادة العالم بجانب أمريكا وأوروبا. فمجموعة بريكس بهذه التركيبة هشة جدا وغير متجانسة، فأكثر دولها تتبع الغرب سياسيا وعلاقاتها الاقتصادية قوية معه، ولا تسعى للتخلص من هيمنة الغرب، فيكون سعي روسيا غير موفق، إلا أنها تعمل على إظهار أنها ناجحة وأنها تقود جزءا من العالم لترفع من معنويات شعبها ولتعزز تأثيرها إقليميا ودوليا.
ولهذا من الصعب التخلص من هيمنة الغرب وغطرسته بمجموعة بريكس الهشة، فلا يعول عليها بكثير، خاصة أنها لا تستند إلى أفكار خاصة محددة، بل هي تسير ضمن المنظومة الرأسمالية، فخروجها ضد هيمنة الغرب غير مبدئي وغير جاد. حتى لو تصالح الغرب مع روسيا وأدخلها في مجموعة السبع مرة أخرى فلسوف تتخلى عن كل معارضة للغرب ولأصبحت تشارك في رسم سياساته الجائرة كما كانت قبل أن أخرجت منها عام 2014. حتى إنها وهي متمثلة بالاتحاد السوفيتي وحاملة المبدأ الشيوعي المغاير لم تنجح في حل إشكاليات العالم وفي إسقاط النظام الرأسمالي، بل شاركته في سحق الشعوب عندما تشاركت مع أمريكا في تقاسم العالم، وخاصة الشعوب التي وقعت تحت هيمنتها، وشاركت الغرب في مجلس أمنه الدولي.
فلا بد من بديل، بل من حل جذري لمشاكل العالم، والتخلص من غطرسة الغرب، ولمنع الوقوع تحت تسلط روسيا الذي يخبرنا تاريخها الماضي والحاضر بأنها لا تختلف عن الغرب. وهذا قطعا لا يكون إلا بالإسلام متجسدا في دولة تطبقه وتحمله للعالم رسالة خير وهدى كما كان قبل قرن على مدى 13 قرنا.
بقلم: الأستاذ أسعد منصور
المصدر: جريدة الراية