- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2024-10-30
جريدة الراية: أحفاد ابن العلقمي على دربه ومآله بإذن الله
التاريخ هو الأحداث والوقائع التي تتحدث عن زمن مضى ويأتينا بطرق عدة أدقها وأعلاها ما جاء بطريق الرواية ليُعلم صحته من ضعفه بل منه المتواتر الذي لا شك فيه.
والمؤرخون كتبوا الأحداث والمواقف عن الدول والشخصيات؛ فمنها مواقف العزة والكرامة التي تظهر عظمة الأمم وما كانت عليه مثل رسالة هارون الرشيد إلى نقفور التي خلدها التاريخ "بسم الله الرحمن الرحيم، من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم؛ قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون ما تسمعه، والسلام".
وصرخة المرأة المسلمة وا معتصماه ورد المعتصم بتحريك الجيش كما ورد برسالته المشهورة "بسم الله الرحمن الرحيم، من أمير المؤمنين المعتصم بالله.. إلى كـلب الروم.. لتخرجن من المدينة أو لأخرجنك منها صـاغراً ذليلاً".
وسجل التاريخ مواقف الذل والخيانة والعار وأبرزها خيانة ابن العلقمي التي خلدها التاريخ أيضا. فقد كان الوزير ابن العلقمي يجتهد في صرف الجيوش وإسقاط أسهمهم من الديوان، فكانت العساكر في آخر أيام المستنصر قريبا من مائة ألف مقاتل، منهم من الأمراء من هو كالملوك الأكابر، فلم يزل يجتهد في تقليلهم إلى أن لم يبق إلا عشرة آلاف، ثم كاتب التتار، وأطمعهم في أخذ البلاد، وسهل عليهم ذلك.
يقول عنه ابن كثير: "ثم حصل له بعد ذلك من الإهانة والذل على أيدي التتار الذين مالأهم وزال عنه ستر الله، وذاق الخزي في الحياة الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى، وقد رأته امرأة وهو في الذل والهوان وهو راكب في أيام التتار برذونا وهو مرسم عليه، وسائق يسوق به ويضرب فرسه، فوقفت إلى جانبه وقالت له: يا ابن العلقمي هكذا كان بنو العباس يعاملونك؟ فوقعت كلمتها في قلبه وانقطع في داره إلى أن مات كمدا وغبينة وضيقا، وقلة وذلة، وقد سمع بأذنيه، ورأى بعينيه من الإهانة من التتار والمسلمين ما لا يحد ولا يوصف".
هذه أمثلة من التاريخ؛ مواقف من العزة والفخر، ومواقف من الخيانة والذل والعمالة ذكرها التاريخ كما هي فالتاريخ في روايته الثابتة لا يحابي أحداً ولا ينافق ولا يظلم فيذكر الأحداث كما هي ولا يرحم الخائنين والعملاء.
ولنا وقفة مع تلك الأحداث وما يدور اليوم في أرض الإسلام وخاصة في فلسطين وغزة بالذات وقد صرخت النساء وبكت الثكالى ويتم الأطفال وترملت النساء، فما لهم من معتصم ولا هارون الرشيد بل ابن العلقمي الخائن العميل عليه من الله ما يستحق.
قال رسول الله ﷺ: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرَ أَنْ يُعَجِّلَ اللهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُهُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَالْخِيَانَةِ وَالْكَذِبِ وَإِنَّ أَعْجَلَ الطَّاعَةِ ثَوَاباً لَصِلَةُ الرَّحِمِ حَتَّى أَنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ لَيَكُونُوا فَجَرَةً فَتَنْمُو أَمْوَالُهُمْ وَيَكْثُرُ عَدَدُهُمْ إِذَا تَوَاصَلُوا»، وقال أيضا: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» وقال: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرِهِ، أَلَا وَلَا غَادِرَ أَعْظَمُ غَدْراً مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ».
لقد قام يهود بحرب إبادة ضد أهلنا وإخوتنا، قتلوا الرجال والنساء والشيوخ والأطفال، ودمروا المدارس والمساجد، وقطعوا عنهم كل شيء من طعام وماء، فصرخت نساء غزة يطلبن النجدة، فنادت وا حكاماه، وا عرباه، وا إسلاماه، ولكن كما قال الشاعر:
رب وا معتصماه انطلقت *** ملء أفواه الصبايا اليتّم
لامست أسماعهم لكنها *** لم تلامس نخوة المعتصم
لقد نجح الغرب المجرم بعد القضاء على دولة الخلافة، في تمزيق جسد الأمة الإسلامية وتقسيمه إلى كيانات متفرقة متعادية، ووضع على كل مزقة منها ناطورا عميلا خائنا يخدم مصالحه وسياساته، واعتلى يهود على بعض بقاع الإسلام قتلا وذبحا وتدميرا واحتلالا، فما كان من هؤلاء العملاء إلا الوقوف بجانبه ضد أمتهم، ولم يكتفوا بعدم نصرتهم، بل قدموا مثالا في الخيانة لم يبلغه ابن العلقمي، فقد قدموا السلاح والعتاد ليهود وفتحوا لهم طرق الإمدادات العسكرية والأمنية والاقتصادية والماء والطعام، وقدموا فوق ذلك كله كل سبل الحماية في الدفاع عن يهود. فأي مثال للخيانة هم؟ وأي صفحات سوداء ستكتب في حقهم؟ وأي مآل لهم في الدنيا قبل الآخرة؟
ولله در الشاعر عبد الرحمن العشماوي في وصف ما حدث لأهلنا في البوسنة وهو قريب مما حدث ويحدث في غزة، حيث قال:
وحشية يقف الخيال أمامها *** متضائلا، وتمجّهـا الأذواق
أطفالنا ناموا على أحلامهم *** وعلى لهيب القاذفات أفاقـوا
يبكون، كلا، بل بكت أعماقهم *** ولقد تجود بدمعها الأعماق
أطفالنا بيعوا، وأوروبا التي *** تشري، ففيها راجت الأسواق
وقال:
أنا أيها الأحباب مسلمة طوى *** أحلامها الأوباش والفسـاق
أخذوا صغيري وهو يرفع صوته *** أمي وفي نظراته إشفـاق
ولدي، ويصفعني الدعيُّ ويكتوي *** قلبي، ويُحكِم بابيَ الإغلاقُ
ولدي، وتبلغني بقايا صرخةٍ *** مخنوقة، ويقهقـه الأفـَّاق
ويجـرني وغد إلى سردابه *** قسراً، وتظلم حولي الآفاق
ويئن في صدري العفاف ويشتكي *** طهري وتغمض جفنها الأخلاق
أنا لا أريد طعامكم وشرابكم *** فدمي هنا يا مسلمون يراق
عرضي يدنس أين شيمتكم أما *** فيكم أبيّ قـلبه خفاق؟
أختاه أمتنا التي تدعونها *** صارت على درب الخضوع تساق
أودت بها قومية مشؤومة *** وسرى بها نحو الضياع رفاق
إن كنتِ تنتظرينها فسينتهي *** نفقٌ، وتأتي بعده أنفاق
مدي إلى الرحمن كفَّ تضرع *** فسوف يرفع شأنك الخلاق
لا تيأسي فأمام قدرة ربنا *** تتضاءل الأنساب والأعراق
مع كل دواعي القهر والذل إلا أننا على يقين من بزوغ الفجر وإن كان نهارنا كليلنا، بهيم الليل، فلا يأس ولا قنوط بل عمل جاد مفروض على الأمة قاطبة. وقد أصبح الجهاد فرضا والعمل له واجباً من خلال تحريك الجيوش والانطلاق فورا وبأقصى سرعة لنجدة أهلنا وإخوتنا هناك.
إن المشكلة التي تعاني منها الأمة اليوم هي تغييب شرع الله وتفرقها وارتباط حكامها بالكافر المستعمر ولن تعود الأمة إلى عزها ومجدها إلا بما كانت عليه؛ دولة واحدة وراية واحدة يحكمها خليفة يقاتل من ورائه ويتقى به.
بقلم: الأستاذ عبد الحكيم عبد الله
المصدر: جريدة الراية