الخميس، 18 رمضان 1445هـ| 2024/03/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

Al Raya sahafa

 

2022-06-29

 

جريدة الراية: دعوة السيسي للحوار

مبادرة أم مناورة؟

 

 

من الواضح تماماً أن الدرس السياسي الأول الذي تعلمه السيسي من أحداث ثورة يناير وما قبلها وما صحبها هو أن مساحة الفضاء السياسي المس بعد مضي شهر واحد فقط على اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية أواخر شباط/فبراير الماضي، حل المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبيرغ في 01 نيسان/أبريل الماضي ضيفاً على صنعاء - بعد رفضها قبوله على مدى ثمانية أشهر منذ تعيينه - وبيده مشروع هدنة لإيقاف الحرب بين طرفي القتال في اليمن لمدة شهرين قابلة للتمديد، اتفق على دخولها حيز التنفيذ في 02 نيسان/أبريل الماضي،موح به تتناسب طردياً مع حجم التهديد الذي يتعرض له النظام السياسي، ومن هنا فإن السيسي لا يقبل بأي شكل من أشكال التسوية السياسية أو السلطوية المقيدة أو التوازنات التي تسمح بها كافة الأنظمة الديمقراطية. فعلى مدى الأعوام الماضية، تعاقبت الأحاديث عن اقتراب الانفراجة وتخفيف القبضة الأمنية دونما أي خطوات جادة في هذا الاتجاه، سواء في لحظات التأزم الشديد كما حدث في أيلول/سبتمبر 2019، أو في لحظات الانتشاء والهدوء الشديد، بل كان السيسي دائما ما يكشر عن أنيابه بغلاظة بالغة حين يُطرح ذلك بجدية.

 

ففي ظل أكبر حملة اعتقالات لمئات المعارضين المصريين على مدار الأعوام الماضية دعا السيسي إلى إطلاق "حوار سياسي" مع كافة القوى بدون استثناء ولا تمييز، ورفع مخرجات هذا الحوار له شخصيا وذلك خلال حفل إفطار الأسرة المصرية في شهر رمضان الماضي. وقد تم إسناد إدارة الحوار السياسي المرتقب، إلى جهة تابعة للرئاسة، وهي الأكاديمية الوطنية للتدريب، وهي مؤسسة شبابية تنتمي وتدار بمعرفة أجهزة بعينها.

 

يمكننا الجزم أن ما طرحه السيسي ليس مبادرة للحوار، بل هي مناورة اضطرته إليها ظروف اقتصادية شديدة التأزم، وكل ما يحلم به هو أن تمر عليه هذه الأيام العصيبة، ليس فقط ليراجع سياساته القديمة، بل وربما لتصفية حلفائه أنفسهم الذين مارسوا أي نوع من الضغط عليه، أو خصومه من المعارضين الذين ربما رفضوا أن يتصرفوا كما تصرف حمدين صباحي وخالد داود، اللذان أحضرهما السيسي للبدء بما أطلق عليه حوارا سياسيا وطنيا.

 

والسؤال الآن هل السيسي جاد في إقامة حوار سياسي ومصالحة في ظل استمرار الملاحقة الأمنية للأصوات المعارضة، واستمرار حالات الوفاة لسياسيين ومعارضين في السجون نتيجة التعذيب والإهمال الطبي، وفي ظل خطاب التحريض الإعلامي تجاه معارضي الخارج، وشيطنة التيار الإسلامي بل ومحاربة الإسلام ذاته؟

 

من هنا ندرك تماما عدم جدية هذا الحوار السياسي، والذي يبدو لنا "أن النظام اضطر للبحث عن استقرار داخلي، بعد زيادة الأزمات الخارجية والداخلية. فقد اضطر البنك المركزي المصري إلى رفع سعر الفائدة وتخفيض قيمة الجنيه في مؤشر على أزمة مالية كبيرة تعاني منها الدولة في مصر على خلفية سحب أموال وصلت إلى 15 مليار دولار من سوق الدين المحلي. وبهذا القرار بتخفيض قيمة الجنيه فقد ارتفعت وبشكل تلقائي أسعار كافة أنواع السلع المستوردة من الخارج، وهي كثيرة للغاية، بحيث شكل النظام غيمة سوداء كبيرة صارت تحوم فوق الاقتصاد المصري ولكنها لا تحمل قطراً بل سموماً ترهق حياة المصريين. وهكذا فقد اشتعلت أسعار معظم السلع في السوق المصرية، وشحت العملة الصعبة الضرورية لاستيراد القمح والزيوت وباقي السلع الغذائية ومدخلاتها ناهيك عن السلع الصناعية، وازداد ذلك بعد أن حولت الدولة عبر عقود من السياسات الزراعية الفاشلة، حولت الحقول الزراعية الخصبة في حوض النيل من زراعة القمح وباقي عناصر الأمن الغذائي إلى زراعة القطن بتوجيهات أمريكية لضمان التحكم بالدولة وبالشعب المصري. ومن المؤكد أن الدولة وخشيةً على نظام السيسي قد أخذت ومن وراء الكواليس وتحت وقع كافة هذه الغيوم السوداء والتي تجمعت وبشكل غير متوقع في آن واحد لتشكل خطراً شديداً على النظام المصري الذي يدرك حجم الكارثة التي هو مقبل عليها" (من جواب سؤال أصدره أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة).

 

في هذا الإطار تأتي دعوة السيسي للحوار علها تخفف من النقمة الشعبية القادمة والتي تدركها تماما الأجهزة السيادية، والتي أوصت السيسي بالعمل على تخفيف حدتها من خلال دعوة بائسة للحوار ينشغل بها الرأي العام ردحا من الزمن، وسط أنباء عن الإفراج عن أكثر من ثلاثة آلاف معتقل.

 

وفي الوقت الذي يدعو النظام لما أسماه حوارا وطنيا، يقوم بإصدار تعليمات للصحف والقنوات التابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، بحظر ظهور أو تناول أية أخبار أو بيانات لحركات المعارضة تتعلق بموضوع الحوار. فكيف يعول على مثل هكذا حوار طرفاه في الجهة نفسها، ومن يديره ويشرف عليه هو النظام بنفسه، ورأسه يقول بملء شدقيه لا تسمعوا لأحد غيري، فهو كبير الحكماء وعظيم الفلاسفة؟!

 

 لقد أتت تلك المبادرة من السيسي بعد شهرين فحسب من اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية التي خلقت ضغوطاً هائلة على الاقتصاد المصري يمكن تلخيصها في أربع نقاط رئيسية كالتالي:

 

1- تراجع إيرادات السياحة في ضوء احتلال روسيا وأوكرانيا مراكز متقدمة من ناحية أعداد السائحين القادمين منهما إلى مصر.

 

2- ارتفاع فاتورة الواردات النفطية بعد تضاعف أسعار النفط والغاز عالمياً.

 

3- ارتفاع فاتورة القمح الذي تعد مصر أكبر مستورد عالمي له، واضطرار مصر إلى البحث عن مصادر أخرى للقمح غير روسيا وأوكرانيا اللتين قد تتعثر الواردات منهما لأسباب مالية أو لوجيستية، وهو ما قد يضاعف الزيادة في سعر القمح على مصر لاضطرارها لمصادر أخرى تبيع قمحاً ذا جودة أعلى ويتكلف نقل القمح منها تكاليف أعلى.

 

4- انسحاب المستثمرين من سوق أدوات الدين المصري، أي أذون وسندات الخزانة التي يصدرها البنك المركزي، سواء مقومة بالجنيه المصري أو بالدولار مع التخوف من اضطراب أسعار الصرف التي قد تؤثر على قيمة تلك الديون. وقد ساعد على هذا الانسحاب توفر سوق منافس للسوق المصري مع قرار الفيدرالي الأمريكي برفع معدل الربا بربع نقطة، مع توقع رفعه مجدداً في الشهور التالية.

 

نشأت عن ذلك أزمة تمويلية حادة لدى الحكومة، فإيراداتها قلت (تراجع استثمارات المحفظة، أي الاستثمار في الأوراق المالية بما في ذلك أدوات الدين السيادي، والسياحة)، في مقابل ارتفاع مصروفاتها (أسعار واردات النفط والقمح)، وهو ما حاول النظام حله عبر أمرين: خفض سعر الجنيه نظراً لعجز الحكومة عن توفير كميات من العملة الصعبة في السوق بحيث تحافظ على سعر الدولار مقابل الجنيه المثبت سابقاً عند نحو 15.7، ورفع سعر الربا للاستمرار في جذب الاستثمار غير المباشر (استثمار المحفظة) وتقليل الأثر التضخمي لانخفاض سعر الجنيه.

 

هنا يجد السيسي نفسه واقعاً في تناقض صعب، فهو بحاجة فعلية إلى الحصول على قروض ربوية من مؤسسات التمويل الدولية كصندوق النقد الذي يشترط عدم استعمال تلك القروض في تثبيت سعر الصرف أو توفير سلع مدعومة، وهي قروض تمتاز بانخفاض تكلفتها مقارنة بالديون الأخرى من مؤسسات استثمارية تضع نسباً ربوية عالية على قروضها، لكنه في الوقت نفسه يخشى هو وأجهزته الأمنية، من الاقتراب من الكتلة الحرجة التي ينفجر عندها الغضب الشعبي المتراكم جراء ارتفاع الأعباء الاقتصادية عليه.

فضلاً عن ذلك، فإن مستوى الثقة في القيادة السياسية داخل قاعدتها التنفيذية، أي المؤسستين العسكرية والأمنية، ينخفض، حيث إن الإجراءات الاقتصادية الصعبة لم تكن مرحلة ينبغي المرور بها كما وعد السيسي، وإنما دوامة مستمرة من الضغوط.

 

ولهذا فإن الفرصة مواتية تماما لتحرك المخلصين من أبناء الكنانة للتخلص من السيسي ونظامه ورفع الظلم عن المظلومين، ولكن ليس من خلال الانبطاح له والحوار معه، ولكن من خلال طلب النصرة من المخلصين في الجيش لإسقاطه وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة تعيد للأمة وحدتها ومجدها ومكانها بين الأمم.

 

بقلم: الأستاذ حامد عبد العزيز

 

 

المصدر:جريدة الراية

 

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع