- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2019-12-04
جريدة الراية: "سيداو" تقتحم آخر حصوننا
سيداو واختصاراً CEDAW: هي حروف مقطعة تعني اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وبالإنجليزية: Convention on the Elimination of all forms of Discrimination Against Women، وهي معاهدة دولية اعتُمِدَت بواسطة اللجنة العامة للأمم المتحدة عام 1979. وتوصف بأنها وثيقة الحقوق الدولية للنساء، تم التصديق على هذه المعاهدة في 3 أيلول/سبتمبر من عام 1981، ووقع عليها أكثر من 189 دولة من بينها أكثر من خمسين دولة وافقت عليها تحت إطار بعض التحفظات والاعتراضات، منها 38 دولة قد رفضت تطبيق البند رقم 38 من الاتفاقية، والذي يتعلق بسبل تسوية الخلافات المتعلقة بفهم الاتفاقية ولأسباب دستورية خاصة بتلك الدول، والبعض الآخر وقع على الاتفاقية دون أي تفعيل، والبعض الآخر لم يوقع.
ولا يهمنا كثيراً من وقع ومن لم يوقع، بل الأهم هو تصميم بنود هذه الاتفاقية وصياغاتها وأهدافها، وانعكاس ذلك كله على المسلمين عموماً، وأهل فلسطين على وجه الخصوص.
أما بنودها فمستوحاة من أفكار المشرعين الغربيين، بل هي تجسيد لنظرة غير المسلمين للأسرة خصوصاً والنظام الاجتماعي عموما فيما يتعلق بعلاقة الرجل بالمرأة وما ينبثق عنها وما يترتب عليها. ونظرتهم تقوم على استغلال المرأة تحت شعارات المساواة والتحرر، واتخاذ تلك الشعارات ذريعة للوصول إلى المرأة المسلمة، وتدمير بنية النظام الاجتماعي لدى المسلمين، حسداً من عند أنفسهم.
والكفار بعد هدم الخلافة العثمانية، غيروا جغرافية بلاد المسلمين، وبدلوا قوانينهم، وقتلوا وشردوا الملايين منهم، ولكنهم لم يستطيعوا اقتحام الحصن الحصين عند المسلمين، ألا وهو النظام الاجتماعي وكيان الأسرة وخصوصاً المرأة كعنصر حاسم في هذا التكوين المجتمعي المصغر. فأفردوا قانون الأحوال الشخصية عن باقي القوانين، وبقيت مرجعيات هذا القانون في جميع دويلات الضرار التي قامت في البلاد الإسلامية على أنقاض الخلافة هي الشريعة الإسلامية، بغض النظر عن المذاهب، وفي فلسطين كان المرجع المعتمد لقانون الأحوال الشخصية ولا يزال هو المذهب الحنفي، ممثلا بقانون الأحوال الشخصية قبل تعديله وبعده.
وعندما وثَبتْ سيداو إلى قلب البلاد الإسلامية، ووجدت حكاماً خانعين لها وللأمم المتحدة التي أصدرتها، بدأت بفرض الإملاءات المتلاحقة لعقد مؤتمرات السكان، ونشر ثقافة ما يسمى بالتحرر النسوي عبر الجمعيات الكثيرة التي تعنى بشؤون الأسرة وحقوق المرأة وما شاكل ذلك من هرطقات الغرب، وألقت ما في جعبتها من القاذورات الاجتماعية، وصيرتها قوانين بفعل المتنفذين من المفتونين بثقافة الغرب وحضارته البراقة، وقد نما إلى علمي بأن اجتماعات قد حصلت في أعلى دوائر السلطة الفلسطينية على مستوى وزراء ومفتين وقضاة لمناقشة بعض بنود اتفاقية سيداو، وتم إقرار واحد منها وهو تحديد سن الزواج بــ 18 عاما للذكر والأنثى، إلا في حالات استثنائية يقتنع بها القاضي، ويصادق عليها قاضي القضاة! وهذا يحمل في طياته مسألة في غاية الخطورة ملخصها أن شاباً عمره 20 سنة إذا أراد أن يتزوج فتاة عمرها 17 عاماً، فإن القانون سيعاقبه إذا عقد عليها عقداً شرعياً خارج المحكمة التي لن تعقد له، وفي المقابل ليس في القانون أي بند يعاقبه إذا زنى بها! ولم يكتفوا بهذا البند من الاتفاقية، فالحبل على الجرار، لإقرار بنود أخرى متعلقة بالولاية على المرأة في النكاح وغيره، وأمور بين ذلك كثيراً.
إنّ اتفاقية سيداو هي اعتداء سافر على أعراضنا وأخص خصوصياتنا، وتحد سافر لثقافتنا العميقة التي ترفض الفجور بفطرتها أولاً، ثم بالرصيد الهائل والمتراكم لدى الأمة من مفاهيم المحافظة على نقاء المجتمع وطهر الحياة العامة. وهي اقتحام لآخر حصوننا التي طالما دافعنا عنها بأرواحنا وأموالنا، فإن نجحت - لا سمح الله - فإننا سندخل في نفق اجتماعي مظلم، لا يظهر في آخره أي ضوء، إذا لم يتحرك المسلمون تحركاً جاداً وواعياً لوقف كرة الثلج التي تكبر يوماً بعد يوم، وذلك بالعمل مع العاملين الجادين لإقامة خلافة المسلمين الحقيقية الثانية الراشدة على منهاج النبوة.
وقبل الختام، والطلب من جميع المسلمين أن يرفضوها رفضاً قاطعاً، وينبذوها نبذ النواة، أودّ أن أبيّن أبرز المخاطر المترتبة على تفعيل اتفاقية العهر هذه، وآثارها على حياة المسلمين في هذا الزمان الذي خلا من سلطان الإسلام الذي يطبق كتاب الله عز وجل وسنة نبيه محمد e:
- عزوف الشباب المسلم عن الزواج بسبب سهولة الوصول إلى النساء من غير ضوابط العقود الشرعية، وما ينتج عن ذلك من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وتدمير منظومة الالتزام بالأحكام الشرعية، بعد أن حلت محلها منظومة الالتزام بالقوانين الوضعية السائدة.
- زيادة أعداد العوانس من النساء اللائي لا يجدن من يبحث عنهن كزوجات مستقرات في بيوت الزوجية كزوج أولى أو ثانية أو ثالثة أو رابعة، وخير لها أن تشترك في ثلاثة أرباع رجل أو نصف رجل أو ربع رجل من أن تمر عليها السنون دوان زواج.
- فقدان ربّ الأسرة لحقه في الولاية والرعاية والدفاع عن شرفه وعرضه.
- زعزعة الاستقرار الأسري لدى المسلمين بعد أن تضطرب الأدوار التي يلعبها كل من الرجل والمرأة في إدارة الأسرة.
- زيادة الفجوة بين المسلمين وأحكام دينهم، بعد أن تم اختراق آخر حصونهم...
ولو أردنا تعداد الأخطار التي ستجلبها سيداو على أبنائنا وبناتنا ونسيجنا المجتمعي لما وسعنا هذا المقام، ولكنا نهيب بالمسلمين جميعا وخصوصا أبناء الحركات الإسلامية وغيرهم من مفتين وقضاة ومدرسين وخطباء أن يهبوا معنا في حملتنا لإبطال مفعول هذا السحر الخبيث المسمى سيداو، متمثلين قول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
بقلم: الأستاذة رولا إبراهيم – بلاد الشام
المصدر: جريدة الراية