الجمعة، 17 شوال 1445هـ| 2024/04/26م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

المبدأ الصحيح هو الذي يصنع رجال دولة

على أكتافهم تقوم أعظم الدول

 

قبل أعوام ثلاثة، لما كانت المواكب تجول طول البلاد وعرضها في شوارع الخرطوم، ومطاردة أجهزة أمن النظام البائد للثوار، وقمع المواكب بالعنف المفرط، حينها التقيت أحد القيادات الشابة والنشطة في الحراك، وقلت له إن شعار (تسقط بس) هو ترويج لشعار خال من المضامين، ولا يقابله مشروع نهضوي جاهز للتطبيق. فأجاب: لا، نحن نملك برنامجا مفصلاً، ولأول مرة سيكون وزراء الحكومة من الكفاءات، وقادرين على قيادة البلاد والنهوض بها، وفي الأثناء كانت الأسافير والنشطاء والأبواق الإعلامية تلمّع من يسمون بالكفاءات، فيا ترى لماذا تحول الحال من سيئ إلى ما هو أسوأ منه في ظرف وجيز، وتردت الأوضاع المعيشية، وارتفعت الأسعار، وانعدمت الخدمات الأساسية، واستمرت قطوعات الكهرباء والمياه، وخلت رفوف الصيدليات من الأدوية، مع العلم أن الحكومة رفعت دعمها المزعوم مرات ومرات، ناهيك عن انفلات الأمن وانتشار جرائم القتل بصورة بشعة ما أدخل الناس في حالة من الرعب والهلع؟!

 

إن تضييق الخناق على الناس في ظل نظام يجلس على كرسي الحكم، يرأسه كبير الكفاءات وخبير بدرجة دكتور، قضى معظم حياته متنقلاً بين دهاليز منظمات الأمم المتحدة، وكذلك بقية الوزراء أصحاب الجوازات الأجنبية، وزوار السفارات الغربية، وخريجو برامج تبادل الخبرات، ورغم ذلك فقد فشل هؤلاء. إذن فما هي المعايير التي يطلق بموجبها لقب خبير؟ وهل له علاقه ضرورية بإنجازات الشخص في منظمات الأمم المتحدة؟ مع العلم أن الحكومة غيرت جلدها بالكامل واستبدلت بهم كفاءات آخرين، والحال هو نفسه لم يتغير إلى يوم الناس هذا، وللعلم فإن هذا الأمر ليس في ثورة السودان وحدها بل عمّ كل ثورات الربيع العربي وصُور للناس بأن الحل هو في كفاءات منظمات الأمم المتحدة، وربيباتها.

 

فعلى مريدي التغيير الحقيقي الجذري معرفة كيف يُصنع رجال الدولة، والمبدأ الصحيح الذي يجب أن يستمسكوا به لينهضوا بأمتهم. فهناك فرق واضح بين رجل الدولة (راعي الشؤون) وبين الكفاءة (الكفوة)؛ فأي شخص يصلح أن يكون رجل دولة فذ يشار إليه بالبنان وإن لم يحمل شهادة عليا، ولكن بشرط أن يتم إعداده جيداً، وأهم ما في الأمر هو وجود البرنامج الذي يتم على ضوئه إعداد رجل الدولة، وأن يكون البرنامج من جنس العقيدة التي يؤمن بها رجل الدولة حتى لا يحصل انفصام الأفكار التي يسعى لتطبيقها، وما يؤمن به، فنجد أن أعظم دولة في تاريخ البشرية جمعاء قد استمرت زهاء ثلاثة عشر قرنا من الزمان فكيف أقيمت أركانها، والرجال الذين حملوا على أكتافهم هذه الدولة كانوا متميزين لأن الذي صنعهم هو كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وميزهم عن غيرهم، فانتقل بهم من رعاة الشاة إلى تولي أمر الناس ورعاية شوؤنهم وفق أحكام الإسلام، فكانوا إسلاما يمشي بين الناس، وتغيرت حياتهم جذريا بل تغيرت حياة العالم كله، فكان النجاح والنصر حليفهم، كيف لا وهم خريجو مدرسة محمد ﷺ حيث فقهوا الإسلام في حلقات دار الأرقم بن أبي الأرقم الذي كان مقرا للدرس، فكانت الكتلة والنواة لبناء الدولة، وكل من يؤمن بالإسلام كان يضم إلى هذه الحلقة ليتثقف بثقافة الإسلام ويجهز لخوض غمار الصراع الفكري والكفاح السياسي، ولا يكون إلا بالوعي وإيجاد الرأي العام عند الأمة، فهم من يدير شوؤن الدولة بعد قيامها.

 

هذا هو الطريق الشرعي للتغيير الجذري والانقلابي، الذي سار عليه النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وقد يقول قائل إن أولئك درسوا الإسلام على يد النبي عليه الصلاة والسلام. حسنا فآخر دولة للمسلمين استطاع البطل محمد الفاتح تحقيق بشرى الرسول ﷺ بفتح القسطنطينية، كيف له ذلك وهو لم يحضر حلقات دار الأرقم، إن لم يكن قد صنع مثل السابقين؟! فوالده استجلب له أفضل المدرسين آغا شمس الدين فبناه على تحقيق هذا الهدف، فصار نعم الأمير، وكذلك صلاح الدين، وغيرهما من السابقين، فالرابط بينهم هو الإسلام، وهي قيادة فكرية تقود من يتلبس بها إلى حياة العز والرفعة.

 

فمن أراد النهضة اليوم فما عليه إلا أن يرجع لسيرة الأولين والفاتحين، فقد أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين عندما يضلوا الطريق فقال سبحانه: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. هذا هو البلسم الشافي لجراحات الأمة اليوم؛ وهو إيجاد جماعة تتثقف بالإسلام وتتفاعل مع الأمة، ثم ينصرون من فئة مخلصة من أهل القوة والمنعة، فيقوم كيانهم ودولتهم، ففي الساحة اليوم ليست هناك ثمة كتلة واحدة مستوفية ومبرئة للذمة غير حزب التحرير، الذي اتخذ الإسلام أساسا لعمله، ووضع مشروع دستور متكامل للدولة، مكون من 191 مادة، ومستنبط من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس باجتهاد صحيح، ويدعو العلماء والفقهاء وعامة الناس لمدارسته وتبنيه، وبالتالي تطبيقه في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وهذا وعد غير مكذوب، قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبد السلام إسحاق

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع