الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

مفاهيم مغلوطة يُروَّج لها باسم الوسطية أو الاعتدال

(1)

 

من الأفكار المغلوطة التي ظلت حركات إسلامية تروج لها وتعمل بها لعقود طويلة فكرتا جواز المشاركة في أنظمة الكفر، والتدرج في تطبيق الإسلام، والتي كانت تروج لها من خلال أدلة شرعية ملفقة لتبرر لنفسها السير في طريق لن يوصلها أبدا لتطبيق الإسلام كاملا. وبرغم التجارب الأليمة التي أوقعت تلك الحركات فيها الأمة، لتدفع الأمة ثمنا باهظا من دمائها وحريتها، فقد تم التنكيل بالأمة ليسقط شبابها بين قتيل ومعتقل ومهجر، وما زالت تلك الحركات تصر على السير في الطريق نفسه برغم أنها رأت بأم عينها ما جنته من ذلك المنهج الفاسد المخالف للأحكام الشرعية الصريحة في تحريم المشاركة في أنظمة الكفر وتحريم التدرج في تطبيق الإسلام إذا هي وصلت إلى الحكم. فلم تتعلم تلك الحركات مما حدث في الجزائر في بداية تسعينات القرن الماضي، ولا مما حدث في مصر بعد ثورة 25 يناير. ولو سألتهم الآن ماذا أنتم فاعلون لو سقط النظام الانقلابي في مصر مثلا، وسمح لكم من وصل للحكم بالعمل الحزبي؟ لقالوا لك سنعيد الكرة مرة أخرى عن طريق الديمقراطية ولو وصلنا إلى الحكم فسوف نطبق الإسلام بالتدريج لأن الناس غير مستعدة لأن يطبق عليهم الإسلام كاملا! وكأن الناس مستعدة لتطبيق الكفر والرضا به ولكنها غير مستعدة لتطبيق الإسلام! وكأنهم لم يروا كيف تصرف السيسي عندما انقلب عليهم، فلم يتدرج في فرض رؤيته والتنكيل بمعارضيه، بل حسم الأمر من اللحظة الأولى. ويبدو أننا ما زلنا بحاجة لتفنيد رأيهم المعوج هذا وتبيان الأدلة الشرعية التي تبطل قولهم بجواز المشاركة والتدرج، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

1- فكرة جواز المشاركة في حكم الكفر:

 

للأسف الشديد هناك من يفتي للحكام بأن حكمهم بأنظمة الكفر المطبقة في البلاد الإسلامية لا ضير فيه، وهناك من يفتي بأنه يجوز للمسلم التقي أن يشارك في تطبيق هذه الأنظمة من أجل تأمين بعض المصالح للمسلمين، وهناك من إذا وصل للحكم أجاز لنفسه الحكم بالكفر مدعيا أن النصوص الشرعية تجيز له ذلك، فهل مثل هذه الفتاوى تبرئ عند الله ذمة أصحابها وذمة من يعمل بها؟

 

وكيف يجرؤ عالم أن يفتي بجواز تطبيق أنظمة الكفر أو المشاركة فيها وهي تحلل الخمور والقمار والربا والزنا، وهي تدعو إلى العُرْي والإباحية والارتداد عن الإسلام واتباع حضارة الغرب باسم الحريات، وهي تعطل الحدود الإسلامية والشريعة الإسلامية وتحارب الدعوة الإسلامية واصفة إياها بالأصولية والإرهاب إرضاء لأسيادها من دول الكفر؟!

 

إن الحكم بما أنزل الله فرض، قال تعالى: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ﴾، وقال تعالى: ﴿وأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ والنصوص في هذا المعنى مستفيضة. أما عدم الحكم بما أنزل الله واللجوء إلى الحكم بالشرائع الوضعية فإنه كفر أو ظلم أو فسق، وهذا وارد في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ﴾، وقوله تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ وقوله تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم﴾ وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾.

 

والاستدلال بعمل يوسف عليه السلام لتبرير المشاركة في أنظمة الكفر هو استدلال في غير محله، لأننا مأمورون باتباع محمد ﷺ ولسنا مأمورين باتباع يوسف أو غيره من الأنبياء عليهم السلام. فـ"شَرْعُ مَنْ قبلَنا ليس شرعاً لنا" لأن الإسلام نسخ جميع ما سبقه من شرائع جملة. وقد أخذ بعض أئمة الأصول بالقاعدة بشكل آخر أي: "شَرْعُ مَنْ قبلَنا شرع لنا ما لم يُنْسَخ" ولا يوجد في هذا الموضوع غير هاتين القاعدتين.

 

أما بالنسبة للقاعدة الأولى "شرع من قبلنا ليس شرع لنا"، فالأمر واضح أنه لا يجوز لنا الاستدلال بعمل النبي يوسف عليه السلام.

 

وأما بالنسبة للقاعدة الثانية "شرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخ"، فإنها تحدد أن الاستدلال بالشرائع السابقة يكون فقط بالأحكام التي لم تُنْسخ من تلك الشرائع. أما الأحكام التي جاءت شريعتنا ونسختها فلا يبقى أي مسوّغ لأخذها، ونصبح مطالبين بشكل محدد بما ورد في شريعتنا. وإذا نظرنا إلى المسألة التي بين أيدينا نجد أن شريعتنا نسخت الاحتكام إلى شرائع غير الشريعة الإسلامية. فإذا سلمنا جدلا بأن النبي يوسف عليه السلام سُمِحَ له أن يحكم بغير ما أنزل الله، وأن يطبق شريعة ملك مصر في ذلك الزمن - وحاشاه أن يفعل ذلك - فإن محمداً ﷺ لم يُسْمَح له ولا لأمته من بعده أن يطبقوا شريعة أو يحتكموا إلى شريعة غير شريعة الله. والآيات التي سردناها تبيّن ذلك بشكل جليّ.

 

ولذلك نقول ونقرر بأن الاستدلال على هذه المسألة بعمل يوسف عليه السلام هو استدلال في غير محله. وهو لا يشكل دليلاً على هذه المسألة لا قوياً ولا ضعيفاً، حتى ولا يشكل شبهة دليل. وهو دليل على جهل القائل به، وليس هو من الاجتهاد الذي يكون للمجتهد فيه أجر إن أخطأ، وأجران إن أصاب.

 

وأما الاستدلال بموقف النجاشي فهو في غير محله أيضاً، فإن من يدقق في المسألة يجد أن النجاشي كان ملكاً قبل إسلامه. وقد أسلم سراً وتوفي بعد إسلامه بوقت قصير، ولم يكن قادراً على تطبيق الإسلام ولم يجرؤ على إعلان إسلامه، فقد كان قومه كفاراً. وهذا لا ينطبق على من كان مسلماً معروفاً بإسلامه عند الناس، ونزيد الأمر تفصيلاً فنقول:

 

أ- إن كلمة النجاشي ليست اسم شخص الحاكم للحبشة، بل هو لقب لكل من كان يحكم الحبشة، فكان يسمى "النجاشي" كما كان يسمى حاكم الفرس بكسرى والروم بقيصر...، والنجاشي الذي أسلم وصلى الرسول ﷺ عليه لم يمض على إسلامه سنين كما يتوهم البعض، بل فترة قصيرة لا تتجاوز أياماً أو شهراً أو شهرين. فهو ليس النجاشي الذي هاجر المسلمون إليه من مكة، وليس هو النجاشي الذي أرسل إليه رسول الله ﷺ عمرو بن أمية الضمري بعد صلح الحديبية عندما أرسل الرسل إلى الحكام، بل هو نجاشي آخر تولى الحكم بعد النجاشي الذي أرسل الرسول ﷺ له رسالة مع الحكام الآخرين، والروايات في هذا الموضوع في البخاري ومسلم، وقد وهم من ظن النجاشي الذي أسلم أنه هو نجاشي الحبشة الذي هاجر إليه المسلمون من مكة، أو أنه النجاشي الذي أرسل الرسول ﷺ إليه عمرو بن أمية الضمري بعد الحديبية، والروايات في ذلك التي تعارض ما في البخاري ومسلم تُردّ، وأما الأدلة على ما ذكرناه آنفاً فنذكر منها:

 

أخرج مسلم عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ نَبِيَّ اللهِ ﷺ كَتَبَ إِلَى كِسْرَى، وَإِلَى قَيْصَرَ، وَإِلَى النَّجَاشِيِّ، وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ تَعَالَى»، وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ.

 

وأخرج الترمذي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَتَبَ قَبْلَ مَوْتِهِ إِلَى كِسْرَى وَإِلَى قَيْصَرَ وَإِلَى النَّجَاشِيِّ وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ» وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ. وقال "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".

 

وواضح من حديث مسلم والترمذي النص على أن النجاشي الذي أسلم وصلى عليه الرسول ﷺ ليس هو النجاشي الذي أرسل الرسول إليه رسائله مع الحكام الآخرين.

 

ب- حيث إن الرسول ﷺ أرسل الرسائل للحكام بعد رجوعه ﷺ من الحديبية أي بعد ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة، وحيث إن هذا النجاشي الذي أسلم ليس هو النجاشي الذي أرسل الرسول ﷺ إليه مع الحكام الآخرين، بل هو نجاشي بعده، فيكون تولى الحكم نحو السنة السابعة للهجرة.

 

ج- ولأن أبا هريرة كان مع الرسول ﷺ في صلاته على النجاشي الذي أسلم كما هو في أحاديث الصلاة على النجاشي، ومعروف أن أبا هريرة بعد أن أسلم قد وفد إلى المدينة مع وفد دوس في نحو سبعين أو ثمانين وفيهم أبو هريرة وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِخَيْبَرَ. وخيبر كانت في السنة السابعة للهجرة، وهذا يعني أن النجاشي الذي أسلم قد استلم حكم الحبشة في نحو السابعة للهجرة وتوفي في السابعة للهجرة، أي لم يمكث سوى أيام أو أشهر قليلة.

 

د- لقد كان أهل الحبشة في ذلك الوقت كفارا على دين النصرانية، وحاكمهم النجاشي أسلم سراً دون أن يعلموا، بل دون أن يعلم أحد، حتى إن الرسول ﷺ، قد عَلم عن وفاة النجاشي بالوحي، ومفهوم الأحاديث في الصلاة عليه يدل على ذلك. أخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي اليَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ خَرَجَ إِلَى المُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعاً». وفي رواية أخرى: «نَعَى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الحَبَشَةِ، يَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ»، فَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ». فالنعي في اليوم الذي مات فيه، والنجاشي في الحبشة والرسول ﷺ في المدينة، فهو يعني أن الخبر كان بالوحي أي أنهم لم يكونوا يعلمون بموته.

 

هـ- وعليه فإن حالة النجاشي لا تنطبق هنا، فهو أسلم سراً، وقومه كفار، وتوفي بعد وقت قصير، ولم يعرف أحد بإسلامه إلا رسول الله ﷺ بالوحي، فلا تنطبق هذه الحالة على مشاركة المسلم المعروف بإسلامه في الحكم بغير ما أنزل الله، والقائلون بأنها تنطبق ليس لهم دليل، ولا حتى شبهة دليل.

 

الجزء الثاني

 

الجزء الثالث

 

الجزء الرابع

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

حامد عبد العزيز

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع