الجمعة، 10 شوال 1445هـ| 2024/04/19م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

مؤتمر الإسلام والتجديد بين الأصل والعصر

الإسفاف والتجديف في الدين على خطا السيسي

 

في أولى جلسات المؤتمر دعا نصر الدين مفرح وزير الشئوون الدينية والأوقاف إلى تجديد الخطاب الديني ليواكب المتغيرات العصرية ليثري الحياة، وأوضح في كلمته لدى مخاطبته الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الإسلام والتجديد بين الأصل والعصر الذي أقامته وزارة الشئوون الدينية والأوقاف تحت شعار "رسالة متجددة لعالم متنوع" الذي افتتح بقاعة الصداقة اليوم وتستمر جلساته لمدة يومين، أنه يجب أن نطور من أساليبنا التفاهمية من خلال الاستماع لوجهة نظر الآخر وأن نفكر فيها بعمق ونحاول أن نوجد لها جسر تقارب، مؤكداً أنه لا يحق أن نعرض عن وجهات النظر الأخرى لمجرد أنها مغايرة لرؤيتنا خاصة تلك المفاهيم القادمة من الغرب لمجرد أنها تطرح وجهة نظر غربية. (سونا 24/10/2020م).

 

ليس الصدفة هي التي جعلت الدعوة نفسها لتجديد الخطاب الديني تتكرر بعد الثورة في مصر وفي السودان اليوم؛ ففي خطاب وجه السيسي كلامه للحاضرين من القيادات الدينية وعلماء الأزهر في مصر، في احتفالية جامعة الأزهر بمناسبة المولد النبوي الشريف طالباً منهم مراجعة الفكر الإسلامي من منطلق "فكر مستنير حقيقي" يهدف إلى صياغة "خطاب ديني صحيح" يتناغم مع العصر. لتنطلق بعد تلك الكلمات الدعوة لتجديد الخطاب الديني ويشارك فيها كل من هب ودب، بل يشارك فيها ويقودها كل لئيم حاقد على الإسلام وعقيدته وأحكامه، فإذا بالأئمة الأربعة عند أحدهم "سفلة مجرمون"، فلم يعد يكفي القول "هم رجال ونحن رجال"!! وأبعد من ذلك تقام دعوة على قرار دعوة هدى شعراوي لمليونية لخلع الحجاب، فلم يعد يكفي القول بأن الحجاب عادة وليس حكماً شرعياً كما كان يردد العلمانيون!! ودعوة أخرى لحرق كتب التاريخ الإسلامي والعداء لصحابة رسول الله ﷺ ووسمهم بأبشع الصفات!!

 

وامتدت حالة العداء للإسلام وثوابته إلى مدى غير مسبوق من جماعة من المرتزقة تسلطوا على أهل الكنانة مؤيَّدين من النظام الذي أفسح المجال لهم ليخرجوا كل يوم في برامج هابطة ليبثوا حقدهم على الإسلام بصورة مباشرة بعد أن ظلوا لوقت طويل يقومون بالأمر ذاته ولكن من خلال التندر والهجوم على الحركات الإسلامية والعلماء.

 

والمتدبر في دعوة تجديد الخطاب الديني من الوزير مفرح يجدها مطابقة لدعوة فرعون مصر ومغلفة بالمبررات وتنتقي العبارات بخبث لوصف واقع التجديد الذي يريده مربوطاً بالمتغيرات العصرية وإثراء الحياة، وأنه بدون تجديد الخطاب الديني لا يمكن أن ينهض السودان وسيعيش حالة التخلف، ولا يتسنى لأهله أن يجدوا ضالتهم المنشودة في الارتقاء في العلوم والمعرفة وصولاً إلى الإبداع والتغيير والارتقاء في الحياة العصرية! لكن مقدار الخبث والخلط في الخطاب يخفى على الكثيرين ممن لم يجعلوا عقيدة الإسلام منطلقا للتمييز بين التجديد كمنهج في الإسلام وبين التجديد الذي يعني الاندماج التام في حضارة الغرب المادية التي تفصل الدين عن الحياة.

 

والسامع لكلمات المؤتمر خاصة كلمة الوزير يرى أن الوزير يصور لنا أن الأوضاع التي نعيشها والعواقب الوخيمة التي نمر بها سببها الأساسي عقلية التدين غير المتجددة التي تتحكم في حياتنا، وهي سبب كل الإحباطات السائدة، وأن العصر الحديث له مفاهيم جديدة، الأمر الذي فرض سلم أولويات جديداً، حتى نواكب ونقيم جسوراً بيننا وبين الآخر خاصة الغرب وأن لا نرفض الغرب بمجرد أنه الغرب!

 

مع كل أسف هذه الكلمات من تلبيس إبليس تنطلي على الكثيرين فيرون في هؤلاء أنهم حريصون على الدين! رغم أنهم مجرد متملقين يعلقون فشلهم وفشل أنظمتهم على الدين؛ ذلك أن الدين لم يكن حاضراً في جميع نواحي الحياة التي نعيشها منذ تكوّن الدولة الوطنية في السودان، وأن الدين كان وما يزال محبوساً في صدور الرجال ودور العبادة، ولا مجال للإعلان عن كون الإسلام نظاماً ينظم جميع شئون الحياة. ومنذ وقت قريب وفي عهد حكومة الإنقاذ ذات الشعارات الإسلامية كان من يطالب بتطبيق هذا النظام يعتبر أصولياً ومتطرفاً ثم أصبح إرهابياً وتكفيرياً، والألقاب والنعوت لا تنتهي لشيطنة كل من يدعو لإقامة الدين، ويشتد التنكيل والاعتقال والمطاردة في الرزق على من يتكلم عن الدولة الإسلامية التي تطبق شرع الله. وإذا كان الإسلام بعيداً كل البعد عن تسيير دفة الحياة الآن فلماذا يعقد مؤتمر لتجديد الخطاب الديني؟! ألم يكن الأوجب أن يكون المؤتمر لإعادة تطبيق الإسلام بوصفه ديناً صالحاً لكل زمان ومكان بدلاً من تحميل الإسلام كل أسباب التأخر والتخلف والمشاكل وهو منها بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب؟! يعقدون مؤتمرهم ليوجهوا ألسنتهم ولكن ليس صوب أعداء الأمة أمثال المعتوه ماكرون، للدفاع عن الإسلام ونبيه ﷺ، وإنما إلى مهاجمة الإسلام، وأرادوا أن يغيروا أحكامه ومفاهيمه لتتفق مع علمانيتهم وأفكارهم ومفاهيمهم الغربية، وحالهم حال أبي رغال يدلّون الأعداء على هدم مقدساتهم!

 

إن التجديد المشروع هو العودة إلى أفكار وأحكام الإسلام ومفاهيم الإسلام كما جاءت بيضاء نقية، وإزالة ما علق بها من شوائب ليست منها في شيء، لا الانسلاخ من أحكام الإسلام ومسايرة الغرب الكافر وإرضاءه باتباع نهجه ونظامه في الحياة والتدليس والتلبيس على الناس والزعم بأن ذلك تجديد.

 

والواقع أن دعاة التجديد هؤلاء هم من يرفضون التغيير أو التجديد الذي يتعين القيام به؛ فانتفض هؤلاء المجددون خوفاً على مصالحهم وعلى دنياهم التي اطمأنوا لها ورضوا بها ونسوا اليوم الآخر؛ ذلك لأنهم أحسوا بالمسلمين قد زاد وعيهم، وهم يجتهدون في لفظ النظام الذي تسبب في شقائهم وتعاستهم وهو نظام دخيل عليهم مرتبط بالاستعمار الذي مكن للدولة الوطنية التي تأخذ أسباب حياته منه بالانصياع لمقررات منظمات الكفر الدولية الحاقدة على الإسلام، أنظمة وظيفتها أن تقمع الناس وتسلط عليهم أعداءهم لنهب ثرواتهم فيعيشون في ذل وهوان!

 

نعم إن وعي الأمة يظهر في ثوراتها ضد هذه الأنظمة العميلة الذليلة، وشعارات الثورة واحدة؛ رافضة للتدخل الغربي بكل أشكاله وإن لم تقدم نظام الإسلام كبديل، فكل الثوار يصلّون الجمع والجماعات وتلهج ألسنتهم بأنهم مسلمون متميزون بهذا الإسلام، وهو ما أزعج وأقض مضاجع الغرب الكافر وعملائه حكام المسلمين، فالتفوا على الثورات بل استعملوا كل ما أوتوا من قوة للبطش بالمخالف لتسير الأمور كما يريدون، ولا يقربون إلا من باع القضايا التي خرجت من أجلها الثورة فينصبونه ناطوراً ليبقي على الأنظمة الرأسمالية الفاسدة... لقد تلقف العملاء التعليمات من سيدتهم أمريكا وحلفائها، فقاموا ينفذونها بدقة؛ الأوامر للقضاء على الإسلام وليس تجديده كما يدعون، ظناً منهم أنهم سينجحون في تحقيق ما تريده أمريكا لإرضائها وتطييب خاطرها ليستمروا في كراسيهم المعوجة، ونسوا أن ما يقومون به اليوم قام به أسلافهم في العمالة بالأمس، وأعلنوها حرباً على الإرهاب (الإسلام) وانضموا للتحالفات الدولية والإقليمية وعقدوا مثل هذا المؤتمر الخبيث مرات ولم ترض عنهم أمريكا، وها هم يتجرعون كأس الخزي في سجن كوبر ولم يستطع أن يحول بين الأمة وبين إسلامها النقي الصافي، فخرج من الأمة رغم التضليل من رفض الغرب وبضاعته المزجاة وأخذ الإسلام عقيدة عقلية ينبثق منها نظام، وحمل الدعوة للإسلام وجعل غايته إعادة الأمة لسابق عزها ومجدها خير أمة أخرجت للناس، ومنذ بدء فكرة التجديد عند الأفغاني ومحمد عبده وتلاميذهم اجتهدوا في تفريغ الإسلام من محتواه وتدجينه كي يتعايش مع الغرب الكافر ويرضى أبناؤه بالعيش أذلاء تحت سطوة الكافر المستعمر، ينهب خيراتهم ويقتل أبناءهم، فهل نجح في ذلك لوقت طويل أم أن الأمة ما لبثت أن لفظت هؤلاء وما أنتجوه من فكر منحط، لا هو يشبه الإسلام ولا الإسلام يشبهه؟!

 

إنه وإن كان التجديد مطلباً شرعياً إلا أن له رجاله الذين ينبغي أن يتولوا القيام به على وجهه، وله أصوله وقواعده، فلا يقوم به إلا مسلم عالم عدل يعمل على إعادة الدين إلى حالته الصافية النقية التي كانت عليه أيام النبي ﷺ وصحابته رضوان الله عليهم فهماً وتطبيقاً، علماً وعملاً، أي يعمل على إحياء ما ندرس من العمل بالكتاب والسنة، وهو ليس باباً مفتوحاً لكل من هبّ ودبّ، ولا القصد منه الإتيان بدين جديد يتوافق ويتلاءم ويتماشى مع العصر كما يراد من إطلاق تلك الدعوة مرة ثانية هذه الأيام، دين جديد لا سياسة فيه، ولا قتال ولا جهاد، دين كهنوتي مُنْزَوٍ في الزاوية والمسجد لا أثر له في الحياة، مفصول عنها، لا حياة فيه... وما كان للدين الخاتم أن يكون هكذا، فهو دين حي حيوي، له منظومته العقدية والفكرية الفريدة، تكفل رب العالمين بحفظ كتابه المبين، القرآن الكريم، من أن تطاله أيدي التبديل والتحريف والعبث، قال رسوله الكريم ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا» رواه أبو داود، وهذا التجديد إذا تعلق بالنص يكون بإعادة العمل به على مستوى الفرد والجماعة والدولة، وإذا تعلق بالفهم يكون بضبط العقل وعدم إطلاق العنان له في التعامل مع النص بحيث تكون السيادة له على النص كما يريد المحرفون الجدد أمثال المؤتمرين لتبديل شرع الله، بل لا بد من كبح جماح العقل بحمله على الانضباط بضوابط الفهم الشرعي. أما ما يقوم به هؤلاء برعاية أعداء الأمة وتحت إشرافهم فهو التلفيق والتحريف بعينه وهو مردود عليهم وعلى من يقف خلفهم ومكر أولئك هو يبور.

 

إن الخطاب الديني السائد الذي يراد تجديده هو خطاب مؤسسات الدولة العلمانية التي أسسها الاستعمار في بلاد المسلمين، فإذا كان فاشلاً، وهو حقا فاشل شأنه شأن كل مؤسسات الدويلات الوطنية التي تحكم بالنظام الرأسمالي الذي يفصل الدين عن الحياة، فعلى دعاتها وأبواقها أن يعوا ذلك وأن لا يجادلوا كثيرا بالباطل ليدحضوا به الحق فإن الله سبحانه وتعالى ناصر رسله والمؤمنين: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾.

 

وأخيراً يا دعاة التجديد توبوا إلى الله وارجعوا إلى رشدكم فإن هذه المناصب والامتيازات التي عليها تظهرون لن تغني عنكم من الله شيئاً، وكونوا مع المخلصين من أبناء هذه الأمة في سعيهم لإقامة صرح الإسلام العظيم؛ دولة تجعل الخطاب الديني كما أراد رب العالمين؛ سياسة للدنيا، دولة طالما كانت هي الحصن الحصين والسد المنيع الذي حمى الأمة لقرون وأبعد عنها عادية الأعداء، وتحطمت على أبوابه أطماع الطامعين، إنه مشروع الخلافة العظيم، خلافة النبوة، الوعد الموعود والبشرى العظيمة من رسول الله ﷺ لهذه الأمة الكريمة.

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

غادة عبد الجبار (أم أواب)

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع