المكتب الإعــلامي
البلاد الناطقة بالألمانية
التاريخ الهجري | 2 من محرم 1441هـ | رقم الإصدار: 1441 / 01 |
التاريخ الميلادي | الأحد, 01 أيلول/سبتمبر 2019 م |
تعليق صحفي
حول مشروع حزب الشعب النمساوي توسيع حظر الخمار في المدارس النمساوية
(مترجم)
بعدما قرر البرلمان النمساوي في 2019/5/15 حظر ارتداء الخمار (غطاء الرأس) في المدارس الابتدائية ينوي حزب الشعب النمساوي توسيع الحظر ليشمل المرحلة الإعدادية. فتمنع الفتيات من ارتداء الخمار في المراحل التعليمية حتى بلوغ سن 14 عاماً. ولقد تحجج وزير الأديان السابق جيرنوت بلومل (حزب الشعب النمساوي) بأن "الرشد الديني" يبدأ من سن الرابعة عشر، وأن "الفترة ما بين 10 إلى 14 عاماً هي فترة حساسة من العمر يجب حماية الفتيات فيها..."، وطالب أيضاً أن لا تزاول المعلمات المسلمات مهنتهن وهن يرتدين الخمار، حيث قال: "إنهن - بارتدائهن الخمار - يقوضن ضمنياً الحياد الديني للدولة، ويدعُنَّ لنظام مجتمعي لا تحظى فيه المرأة بالمكانة نفسها التي تحظى بها في مجتمعاتنا الغربية النيِّرة..." ثم استطرد قائلاً: "إن المعلمات اللاتي يرتدين الخمار يمكنهن التأثير سياسياً على التلاميذ، لذا فإننا نسعى إلى تدريس إسلام حديث وغربي في المدارس".
يبدو أن حزب الشعب النمساوي يراهن في حملته الانتخابية الجارية على الصورة العدائية السائدة ويركز على ترويج الرواية أن الخمار هو رمز وأداة "الإسلام السياسي". ووفقاً لهذه الرواية تنحصر أسباب لبس المرأة للخمار في سببين اثنين لا ثالث لهما: فهي إما ناشطة سياسية هدّامة تحارب بارتدائها الخمار القيم السائدة في المجتمع، وإما ضحية نظام رجعي متسلط يقلل من قيمة المرأة! وهذا بناءً على مظهر هو بمثابة شيفرة ترمز إلى الاضطهاد!
إن هذا الهجوم على الخمار الإسلامي وعرضه وتبنيه كمشكلة من السياسيين دون أن يصاحبه أي اعتراض من الرأي العام لهو نتيجة لرسم صورة عدائية للإسلام في أذهان الناس على مدى عقود. فمن خلال هذه الصورة صار يُنظر إلى جميع أعمال وشعائر الإسلام على أنها أعمال استفزازية وعدوانية الطابع...، ولم تُرسم هذه الصورة لذاتها، بل هي شرط ضروري لإنجاح سياستهم في الإدماج التي تتقصد المسلمين في أوروبا بشكل خاص. فالاندماج الذي ينشدونه ليس خطوطاً توافقية عريضة تراعي حاجات الأفراد والجماعات المختلفة، بل هو مبدأ أحادي مُطلق فُرِض خِصّيصاً لعلمنة فكر المسلمين وسلوكهم... والمقومات الأساسية لسياسة الإدماج هذه هي دوام وسم الآخر ووضعه تحت المجهر، والحط من قيمته، بجانب المبالغة في إعلاء شأن الحضارة والهوية الذاتية...
والذي يعطي هذا الفكر قوة تدميرية خاصة هو الافتراض أن وجود وجهات نظر أخرى في الحياة يهدد بقاءهم. فعزمهم هذا على إفناء الآخر ينبع من سعيهم لإبقاء ذاتهم باعتبارها قضيتهم المصيرية، وهذا يعطيهم المبرر لاتخاذ أي إجراء مهما كان. فحتى التعدي الصارخ على عقائد الآخرين وقيمهم يبدو حينئذ مقبولاً ومناسباً!
إن دعوة بلومل لإيجاد إسلام "حديث وغربي" هو تعبير صريح عن هذا التعدي الذي يهدف إلى سحق الهوية الإسلامية. فالغاية هي فصل الجالية الإسلامية عن أصولها العقدية عن طريق إيجاد إطارات علمانية للتفسير تغلق المدخل للعقيدة الإسلامية والفهم الإسلامي الصحيح، ولأن ردات الفعل الغرائزية هي التي تسيرهم فإن دعاة الإدماج هؤلاء يتحججون بذرائع تنافي العقل السليم وتغرقهم في تناقضات لا أول لها ولا آخر...، فبلومل يدعي على سبيل المثال أن المعلمات اللائي يرتدين الخمار يقوضن حياد الدولة ليطالب في السياق نفسه بتدريس الدين الإسلامي على نمط علماني يعتبر أوروبا هي رائدة الحضارة الإنسانية وقطبها.
وبهذا انكشفت الدولة التي تدعي الحياد الديني، والتي محظور عليها حسب تعريفها أن تنحاز إلى جهة عقدية دون أخرى أو تُقَيِّم الآخر بناءً على وجهة نظره، فظهر جلياً أنها لاعب أيديولوجي بامتياز لا يقبل بأي قناعات أو أنماط حياتية مخالفة. فلوأد هذه الأنماط المخالفة في مهدها يسعى رواد هذه السياسة أن تُؤْتِي إجراءات الإدماج والتذويب أُكُلها في سن مبكرة، فيُنقل تكوين الهوية لدى الأطفال المسلمين من الأسرة إلى مجال التأثير الحكومي ليتم تشكيل هوية أطفالنا حسب تصوراتهم هم...
ومن هنا يجب النظر إلى مبادرة حزب الشعب النمساوي لتوسيع حظر الخمار في المدارس على أنها هجوم مباشر على تماسك وسلامة الجالية الإسلامية. ويبدو أن المسؤولين بسلوكهم هذا الطريق الصدامي لا يهمهم إطلاقاً أن سياسة المجابهة هذه ستضر بالأمن المجتمعي في البلاد، وسيكون الضرر مستديماً...
والحقيقة أن سياستهم لا تهدف إلى رعاية شؤون مواطنيهم رعاية صحيحة رغم كونها واجبهم الأصلي، بل هم يهملون المشاكل الحقيقية التي يعاني منها الناس...، وفوق ذلك فإن قوانينهم التي يصدرونها ينقصها الإبداع الخلّاق الذي يأخذ في الاعتبار الواقع التشريعي لمجتمع متعدد التركيب.
لذا فإن حزب التحرير يحذر بشكل حثيث من صراع حضاري وشيك يهدد بإسقاط المجتمع كله في الهاوية...، فإن طبيعة سياسة الإدماج الحالية التي ترنو إلى الإبادة الحضارية تهدد الحياة الإسلامية في النمسا وأوروبا بشكل مباشر. فواجب الجالية المسلمة هو العمل على إيقاف هذا التطور الخطير، وذلك بتوحيد قواها والوقوف بحزم وصلابة في وجه جميع الإجراءات التي تهدف إلى محو هويتها الإسلامية. وبهذا الموقف الصلب تكون قد وفَّت بما قدره الله لها من وجوب الدعوة إلى الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾.
المكتب الإعلامي لحزب التحرير
في البلاد الناطقة بالألمانية
المكتب الإعلامي لحزب التحرير البلاد الناطقة بالألمانية |
عنوان المراسلة و عنوان الزيارة تلفون: 0043 699 81 61 86 53 www.hizb-ut-tahrir.info |
فاكس: 0043 1 90 74 0 91 E-Mail: shaker.assem@yahoo.com |