بسم الله الرحمن الرحيم
الحوار القادم في اليمن بين منظورين فلمن تكون الغلبة؟
أعلن عبد ربه منصور هادي يوم 06/02/2013م أن مؤتمر الحوار في اليمن سيبدأ أعماله في 18/03/2013م، بعد تأخير دام أربعة أشهر عن موعده المضروب في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2012م بحسب التسوية السياسية للأمم المتحدة ممثلة في الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن على ضوء المبادرة الأمريكية الـ 30 - 60 يوم لإخراج صالح من الحكم.
فقد أصدر هادي قرار تشكيل لجنة الحوار في 14/07/2012م وعقدت اللجنة أول اجتماعاتها في 02/08/2012م.
يرجع تأخبر مؤتمر الحوار إلى الصراع الدائر بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن لتحقيق أهدافها ومصالحها في اليمن، فبريطانيا صاحبة السيطرة السياسية في اليمن تريد إبقاءه موحداً وتستعين بأوروبا لأجل ذلك فيما تعمل أمريكا الطامحة لبسط نفوذها السياسي في اليمن بديلاً عن بريطانيا عكس ذلك وتريد تمزيقه. فلم يعد خافياً مدى التدخل الغربي في الحوار القادم في اليمن، حيث قال وزير الكومنولث البريطاني الستر برت في 12/12/2012م بعدن "والخطوة القادمة ستشهد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الذي سيناقش إخفاقات الماضي ووضع الأسس لبناء يمن جديد"، والاتحاد الأوروبي في 07/03/2012م "يدعو أطراف العمل السياسي في اليمن إلى الانخراط بنوايا مخلصة في الحوار الوطني" ورئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في 23/03/2012م "الحوار الوطني الشامل طريق اليمن للخروج إلى بر الأمان"، السفير الأمريكي لدى اليمن جيرالد فايرستاين من جهته قال في 13/01/2013م "نحن طبعاً -كجزء من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن- نعمل بالتعاون مع الأمم المتحدة على الإعداد والتحضير المسبق لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني الشامل..". من جانبه أصدر مجلس الأمن في 12/06/2012م القرار 2051 بشأن اليمن ونص على "عقد مؤتمر للحوار الوطني يضم جميع الأطراف"، وجاء في البند 24 من بنود الحوار (يحق لكل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وسفراء مجموعة الدول الـ 10 وممثل الأمين العام للأمم المتحدة، الدخول إلى الجلسات العامة "لمؤتمر الحوار" كمراقبين من غير اشتراط إذن مسبق، ويجوز لهم حضور جلسات عمل مجموعات الحوار عند دعوتهم إليها). ومن الأدلة على هذا الصراع أيضا ما يحصل في جنوب اليمن بالمكونات السياسية المتعددة للحراك الجنوبي وغيرها كالسلاطين ومنظمات المجتمع المدني والشباب، فقد عقد مؤتمران للحراك بزعامة حسن باعوم ومحمد علي أحمد الذي جاء مؤتمره بعد اجتماع لفصائل رئيسية من الحراك السلمي الجنوبي والقادة السياسيين ومنظمات المجتمع المدني والمستقلين والشباب مع وزير الكومنولث البريطاني الستر برت وسفراء بريطانيا وأمريكا وروسيا وسفيرة الاتحاد الأوروبي، ولا يزال التدخل الغربي سافراً حتى اللحظة. وأيضاً من الأدلة ما يحصل من دعم من الإيرانيين للحوثيين. والكل يعلم أن الأمريكان والأوروبيين وحكام السعودية لهم ممثلون عنهم في لجان الحوار. وهذا أيضاً دليل على وجود الصراع.
الحوار أو المحاورة هي الأخذ والرد في الكلام بين طرفين، جاء في القاموس الوسيط "تحاوروا تراجعوا الكلام بينهم وتجادلوا، وفي التنزيل العزيز ( وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا )"، وفيه أيضاً "حاوره محاورة وحوارا جاوبه وجادله، وفي التنزيل العزيز ( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ ). والمقصود من الحوار هو إظهار الحق ودمغ الباطل، ولكن ما هو المقصود من حوار اليمن تحت رعاية وإشراف وبدعم من تلك الدول المستعمرة؟ تلك الدول المستعمرة لبلادكم وشركاتهم ناهبون لثرواتكم وبالأمس كان رؤساؤهم وسفراؤهم بطانة وأحبابا وأصدقاء لرئيسكم المخلوع. الذي انخلع بعد ما رفعتم أصواتكم وخاف المستعمر من إخلاصكم أن تعودوا إلى دينكم وعقيدتكم. فأمر برحيل العميل المستنفد - ليس حباً لكم ولدينكم ولربكم، بل لتحقيق مصالحه الموجودة في بلادكم. فيدعوكم إلى الحوار ويريد منكم البصمة على مشروعه، دولة مدنية ديمقراطية، وهي الأسلوب الجديد الذي يريد به استمرار استعماركم!!! ومثل إبليس (واللعنة عليه) لا يريد ولا يرضى الغرب الكافر المستعمر إلا بإذلالكم، قال تعالى ( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ) فلا يعقل يا أهل الحكمة والإيمان بأن عدوكم يريد من الحوار إظهار الحق وأن يطبق فيكم نظام الإسلام! وهو النظام الوحيد الذي سيقضي على نظام الرأسمالية الفاشل المفلس. بل هذا واجب عليكم ومطلوب منكم، خاصة وأنكم تنادون بحق دم الشهداء وتعتقدون الشهيد عند الله هو من قُتل وشهد على الإسلام. والكافر المستعمر لا يحزن بل يشارك في قتلكم. فقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ) فليس من أجندة الحوار طرح شكل نظام الحكم للنقاش هل يبقى جمهورياً أم يُغير إلى "الخلافة" نظام الحكم في الإسلام؟ والحوار ينصب فقط حول أشكال نظم الحكم الرأسمالية؛ رئاسي، برلماني، فيدرالي لتقسيم اليمن وذلك لاختيار أحدها والتعديلات الدستورية المعدة سلفاً من دول الغرب الكافر للبصم عليها. هكذا يريد الغرب ترسيخ أفكاره ونظامه المخالف لعقيدتنا في اليمن بديلاً عن أفكار الإسلام ونظامه الذي هو من جنس عقيدتنا فهل تجيبونه بالسكوت والمضي في ما يخطط له؟
إن الغرب قد وضع أجندة الحوار القادم في اليمن وهيأ له السبل للسيطرة عليكم فهل أنتم راضون؟ ولديه مفهوم مختلف عن الحوار فهو نسخة من الحوار الذي دار بين الكنيسة والمفكرين في أوروبا، وكانت نتيجته فصل الدين عن الحياة وولادة المبدأ الرأسمالي، الذي لم يحق حقاً أو يبطل باطلاً، وهو اليوم يدفعكم لتسلكوا ذات الطريق وجعلكم تقرون بإقامة دولة مدنية بفصل الدين عن الحياة بشكل رسمي في نهاية مؤتمر الحوار، فلا توافقوه يا أهل الإيمان والحكمة.
إن الغرب يهدف من الدعوة إلى الحوار في اليمن إلى إجهاض ثورتكم ويعيدكم أذلة صاغرين له بعد تخلصكم من علي عبد الله صالح بعد استنفاد دوره في مخططات الغرب، وخدمته لهم 33 عاماً بنهب النفط وتقاسمه مع شركاتهم، والعبث بالاقتصاد وبقية نواحي الحياة، ومن ثم تدميركم وقتلكم، والإتيان بمن يحرصون على خدمته، يسخرونهم للاستمرار في الهيمنة عليكم للسنوات المقبلة طالما رضيتم وبقيتم خانعين، فهل تقبلون؟! ثم إن الغرب يريد الحفاظ على نظام الحكم الجمهوري الحالي وإدخال بعض التعديلات عليه بعد أن بدأ عواره ومخالفته للإسلام، وصرف الأذهان عن العمل لتغييره بالكامل، وترسيخ للنظام الديمقراطي الفاسد... فهل هذا ما تريدون فتخسروا الدارين؟ ألم تحذروا من الغرب يا أهل اليمن إذ يدعوكم اليوم كما دعاكم بالأمس لاقتفاء أثره "كعالم متحضر" وأخذ حضارته؟ وكيف وصل إليه حالكم بعد عشرات السنين من ضنك وفقر وخوف وتردٍّ وخراب، أتعيدون الكرَّة باتباعه من جديد؟ فاعصوه ولا تتبعوه واجعلوا هذه الكرَّة لكم ولا تجعلوها عليكم كسابقتها. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين»، وحذرنا من اتباعهم فقد ورد في صحيح البخاري أيضاً عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم» قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال «فمن».
ألم تنظروا بأعينكم اليوم كيف يقف هذا الغرب نفسه عاجزاً عن حل مشاكله الفكرية، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية وتوشك أن تعصف به؟ فلِمَ تجعلونه منقذكم؟ أليس حريًّا بكم أن تقولوا لبريطانيا بالفم المليان: حلي مشاكلك السياسية الشائكة مع أيرلندا واسكتلندا وأزمتك الاقتصادية الخانقة... وإلى أمريكا: واجهي دعوات التشرذم لديك التي ترفعها الولايات الغنية للتخلص من أعباء الولايات الفقيرة في ظل أزمة الدين الحالية التي لن تحل البتة، وأسكتي سفيرك المتبجح لدينا بتصريحاته، ولفرنسا ولبريطانيا أن تذهب كلٌّ منهما لتنظر ما سيصير إليه حال الأسرة لديها بعد تصويت برلمانها على حق المثليين في الزواج وتكوين الأسر ورعاية الأطفال. لقد أهلك ساسة المبدأ الرأسمالي الحرث والنسل خلال المائتي سنة من حكمهم! قال تعالى (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ). إن شركات النفط الغربية (الأمريكية، الفرنسية، البريطانية..) تسرق النفط بلا حساب في اليمن. بينما آلاف المهندسين اليمنيين والمختصين في النفط ممنوعون من العمل الكامل في حقول النفط اليمنية. فاعملوا على طرد هذه الشركات الغربية المستعمرة.
يا أهل اليمن: إن الغرب قد مكر وخطط في النيل منكم فاجعلوا الغلبة لكم وأبدوا له عدم الرضا واقمعوه وأروه من أنفسكم خيراً بأنكم عبيدٌ لله تأتمرون بأمره وتنتهون بنهيه ولستم عبيداً له يفعل بكم ما يشاء وأنتم خانعون، فإن سكتم جلبتم لأنفسكم الشقاء بما كسبتم بأيديكم، ولستم عزيزين على الله قال تعالى ( وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )... فكونوا من العاملين ومع العاملين في حزب التحرير لإقامة دولة الخلافة، ففيها يُحكم بالإسلام، ويُعدل في الأرض وتُوحد بلاد المسلمين تحت راية العُقاب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الناس في الغرب يستصرخون المسلمين لينقذوهم من الدمار والبؤس ومرارة العيش التي وجدوها في ظل المبدأ الرأسمالي، ليسعدوا بعيش الإسلام في الدنيا والآخرة.
أيها المسلمون: إن الغرب قد جثم عليكم بكله يمنع إقامة دولتكم، بعد أن رآها تلوح في الأفق، فلا يغلبنكم ويستفرد بكم بلداً تلو الآخر، وهبوا لتمنعوه باستئناف الحياة الإسلامية وإقامة راعيكم وكيانكم السياسي "دولة الخلافة" طاعة لله، وثقوا بأن الغرب بات يخشى لحظة فقد السيطرة عليكم فهو يتصرف ويتخبط كالهائج ليبقيكم في قبضته وتحت هيمنته. فليكن عملكم جداً واجتهاداً في كيفية تطبيق الإسلام، ورفض فكرة الدولة المدنية والدستور الغربي جملة وتفصيلا، ثم طرد كل ممثلي الدول الاستعمارية من أمثال مجلس الأمن والسفراء ومنعهم من التدخل في شؤون اليمن، وهذا فقط يكون بإقامة الدولة الإسلامية - الخلافة. فثقوا يا أهل الحكمة والإيمان بأن الله ناصركم قال تعالى ( إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ) وقال سبحانه ( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ). وقال تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ).
التاريخ الهجري :12 من ربيع الثاني 1434هـ
التاريخ الميلادي : الجمعة, 22 شباط/فبراير 2013م
حزب التحرير
ولاية اليمن