بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب مفتوح من حزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين
إلى المفتي العام ودوائر الإفتاء والأئمة والخطباء
حضرة المفتي العام الشيخ محمد حسين،
حضرات المفتين في دوائر الإفتاء في المحافظات،
حضرات الأئمة والخطباء،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
الحمد لله رب العالمين حمداً يليق بجلاله وعظيم سلطانه، حمداً يُبلّغنا رضوانه وصحبة رسوله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد،
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ وقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾.
أيها الإخوة:
العلماء هم ورثة الأنبياء في العلم وحمل الإسلام والدعوة إليه، وهم ورثة الأنبياء في الثبات على الحق والصدع به، وهم أئمة المسلمين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم أحق الناس بالصدع بالحق والإنكار على الظالمين وحكام الطاغوت.
لقد ائتمنكم الله على دينه، ورزقكم الله من العلم بآياته وأحكامه ما يكون حجة لكم أو عليكم، وآتاكم من العلم ما يبتلي به صدق خشيتكم له، فإن قمتم بعلمكم لإحقاق الحق وعملتم به، ودعوتم إليه لا تخشون إلا الله تعالى كان لكم به أجرٌ عظيمٌ ومنزلة عالية، ومن ترك أمر الله واشترى بآيات الله ثمناً قليلاً، وابتغى بعلمه الدنيا وزيَّن لأهل الباطل باطلهم أو تابعهم في منكراتهم، استحقّ سخط الله وغضبه، وكان من أشد الناس عذاباً يوم القيامة.
وإنه لا يخفى عليكم إجرامُ الحكام وصدهم عن سبيل الله، فهم قد اتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين، وحكموا بغير ما أنزل الله، وخانوا الله ورسوله، وجعلوا للكافرين سبيلاً على المؤمنين بذلّهم وعمالتهم وخيانتهم، وأكلوا أموال الناس بالباطل، ونشروا الفساد في البلاد وبين العباد؛ بل وسنوا القوانين التي تحمي هذا الفساد، وحسبكم بنوك الربا المؤذنة بحرب من الله ورسوله، وهذه الزمرة الخائنة لله ورسوله لا تألوا جهداً في نقض عرى الإسلام عروة عروة، وأنتم أعلم المسلمين بمدى محاربتهم لدين الله وأولياء الله، ونحسبكم تحفظون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه «لَتُنْتَقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتُقِضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا، فَأَوَّلُهُنَّ نَقْضاً: الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلَاةُ»، رواه أحمد والحاكم وابن حبان بإسناد صحيح
أيها الإخوة:
إن الإجراءات التي قامت بها الأنظمة المجرمة في بلاد المسلمين تجاه الوباء كانت اتباعاً لما قامت به الدول الغربية وامتثالاً لتوجيهات منظمة الصحة العالمية، وهذه الجهات لا يمكن أن تقدم المعالجة الصحيحة لهذا الوباء لأنها بعيدة كل البعد عن المنهج الصحيح في رعاية شؤون الناس، فهي دول ومؤسسات رأسمالية تنظر إلى القضايا والمشاكل من زاوية نفعية فقط، ولا تقيم وزناً لأي اعتبار آخر... ولهذا تخبطت في إجراءاتها وكان لإجراءاتها آثار مدمرة على مصالح الناس واقتصاد البلاد، وهي الآن تحاول استدراك ما تسببت به، ولكنهم قوم لا يعقلون ولا يفقهون.
ولأن الأنظمة في العالم الإسلامي لا تقيم وزناً لشعائر الإسلام بل تحاربها وتصد عنها، وتتبع سنن أعداء الله شبراً بشبر وذراعاً بذراع نهجت نهجها فأغلقت البلاد وعطلت مصالح الناس، وكان أعظم إجراءاتها إثماً وجرماً إغلاق بيوت الله ومنع إقامة صلاة الجمعة وصلوات الجماعة، وإمعاناً منها في محاربة الله ورسوله لاحقت الناس بالترهيب والاعتقال منعاً لهم من إقامة صلاة الجمعة.
والنهج الصحيح في رعاية شؤون الناس هو القيام بما يلزم من الإجراءات التي تحفظ على الناس دينهم ومصالحهم وأرواحهم، بحيث يؤدون شعائر الإسلام على وجهها، ويقومون بمصالحهم فلا تتعطل، ويُصاحب هذا محاصرة للوباء ومعالجته حيث يظهر، وقد ذكرنا هذا مفصلاً في جواب السؤال "تداعيات فيروس كورونا" الصادر بتاريخ 26/3/2020 عن أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أعانه الله على إقامة دينه، والجواب الملحق به في 11/4/2020. ويمكنكم الاطلاع عليها من خلال مواقعنا، ولكن لأن هذه الأنظمة لا تهتدي بنور الإسلام وهدي النبوة، وبعيدة كل البعد عن الإخلاص في رعاية شؤون الناس فأنَّى لها أن تهتدي إلى الإجراءات الصحيحة لمواجهة هذا الوباء؟!
إنكم تعلمون أن من يتصدر رعاية شؤون الناس يجب أن يتحلى بالتقوى والخشية من الله تعالى، فهذه التقوى تقوده إلى الرعاية الصحيحة للناس حتى في أحلك الظروف وأشدها، وحسب المؤمن التقي أن الله معه يوفقه ويسدده ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾، فالمؤمن ركيزة تفكيره الإسلام وأحكامه، وهذا ما تفتقر إليه هذه الأنظمة الجائرة فهي أبعد ما تكون عن التقوى والخشية من الله تعالى.
لقد أغلقت الطغمة المجرمة المساجد وعطلت شعيرة الجمعة وصلوات الجماعة بذريعة منع تفشي وباء كورونا، وقد آلمنا أنها اتخذت من فتاوى بعض المفتين غطاء لها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أيها الإخوة:
إن الحديث المروي عن ابن عمر في الصلاة في الرحال كان لعذر المطر أثناء السفر، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ نَادَى بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ وَمَطَرٍ، فَقَالَ فِي آخِرِ نِدَائِهِ: أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ، أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ، إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ، أَوْ ذَاتُ مَطَرٍ فِي السَّفَرِ، أَنْ يَقُولَ: «أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ» رواه مسلم.
ونحن لا نريد مناقشة هذا الدليل والأدلة الأخرى المتصلة به بالتفصيل، وهل الصلاة في الرحال رخصة في السفر والحضر أم في السفر فقط. ولكن يكفين أن نشير إلى أمر تعلمونه وهو أن حكم الأخذ بهذه الرخصة ليس واجباً ولا يجوز حمل الناس على الأخذ بها، وهذه الرخصة سببها كان نزول المطر أثناء السفر أو نزول المطر فقط، وهذا الدليل هو في جواز التخلف عن صلاة من صلوات الجماعة بسبب هذا العذر وليس دليلاً على جواز إغلاق المساجد ومنع إقامة الصلاة فيها، وأنتم تعلمون أن تنزيل الأحكام يكون بحسب مناطها، ودلالة الدليل على الحكم تكون بحسب ما دلت عليه اللغة وقواعد الاستدلال، وهذا الدليل لا يُفهم منه لا منطوقاً ولا مفهوماً جوازُ إغلاق المساجد ومنع إقامة الجماعة بسبب المطر أو غيره من الأعذار، فبيوت الله أذن الله أن ترفع ليذكر فيها اسمه ولم يأذن بغير هذا، ومن يعتدي على بيوت الله بإغلاقها ويمنع إقامة الصلاة فيها هو معتد على الله، ومستحق لغضب الله تعالى.
ومناداة المنادي "الصلاة في بيوتكم" أو "الصلاة في رحالكم" هو لعذر يمنع الناس من الوصول إلى المسجد، فهل هذا يستقيم والناس يجتمعون في البنوك والشوارع وتكتظ بهم الأسواق؟!
لقد أقدم الحكام على إغلاق المساجد ومنع إقامة صلاة الجمعة بزعم المحافظة على أرواح الناس وصحتهم، وللأسف أفتى لهم المفتون بذلك، وبرروا فتواهم بشكل يتنافى مع النهج الصحيح في فهم الأدلة وتنزيلها على الوقائع، وليسألنَّهم الله عن فتواهم هذه، فقالوا بطاعة أولي الأمر أو أن الأحكام تؤخذ بالظن، وأن الأحكام تتغير بتغير الزمان والمكان، وأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح، وحفظ الأبدان مقدم على حفظ الأديان، فقدموا لفتواهم بهذه الأحكام بشكل مغلوط ومعوج لتبرير جريمة الحكام في إغلاق بيوت الله وتعطيل صلاة الجمعة.
إنكم تعلمون أن طاعة أولي الأمر المذكورة في قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ ليست على الوجه الذي ذكروه لأن الحق سبحانه لم يجعل لولاة الأمر طاعة مستقلة، بل جعلها مقيدة بطاعة الله وطاعة رسوله، قال رسول صلى الله عليه وسلم: «لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» رواه الشيخان، وعن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا طَاعَةَ لِبَشَرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ» رواه أحمد وابن حبان بسند صحيح، وعند أحمد وابن ماجه بإسناد صحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَيَلِي أُمُورَكُمْ بَعْدِي، رِجَالٌ يُطْفِئُونَ السُّنَّةَ، وَيَعْمَلُونَ بِالْبِدْعَةِ، وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مَوَاقِيتِهَا» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُهُمْ، كَيْفَ أَفْعَلُ؟ قَالَ: «تَسْأَلُنِي يَا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ كَيْفَ تَفْعَلُ؟ لَا طَاعَةَ لِمَنْ عَصَى اللَّهَ» وهؤلاء الحكام جرائمهم بحق الأمة ودينها تعلمونها علم اليقين، وفوق هذا هم مغتصبون لسلطان الأمة عملاء لأعدائها.
أما أن "الأحكام تؤخذ بالظن" فهذا ليس صحيحاً، فالأحكام تؤخذ بغلبة الظن إن كانت أدلتها ظنية في ثبوتها أو دلالتها، وقد فرق علماء الأصول بين غلبة الظن في فهم الأدلة وبين غلبة الظن في تحقيق مناط الأحكام الشرعية، فالبلدة التي لم تُسجل فيها حالة كورونا واحدة ما هي غلبة الظن التي تجيز إغلاق المساجد فيها وتعطيل صلاة الجمعة؟!!!
أما "درء المفاسد أولى من جلب المصالح"، و"حفظ الأبدان مقدم على حفظ الأديان"، فهذه ذكرها بعض أهل العلم ضمن بحث المقاصد الشرعية بمعنى ما يُرجى حصوله وتحقيقه من تطبيق الإسلام، وضمن شواهد وضوابط، ولكنهم لم يقولوا عنها إنها أدلة تفصيلية للأحكام الشرعية، وأنتم تعلمون أن الحكم الشرعي يؤخذ من الدليل التفصيلي الذي دل عليه، والدليل التفصيلي يؤخذ من الأدلة الإجمالية المعتبرة شرعاً وهي الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس الشرعي، ولو كان حفظ الأبدان مقدماً على حفظ الأديان مطلقاً لكان هذا معطِّلاً لآيات الجهاد في سبيل الله، وأدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعارضاً لقوله صلى الله عليه وسلم «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَالَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ» رواه الحاكم في المستدرك وإسناده صحيح. ولذلك اختلف أهل العلم في هذا المقصد، وقال بعضهم: "إن حفظ الأديان مقدم على حفظ الأبدان"، وكذلك الأمر بالنسبة لدرء المفاسد وجلب المصالح، فرغم أن لنا فيها رأياً ذكرناه مفصلاً في كتابنا في علم أصول الفقه "الشخصية الإسلامية الجزء الثالث" صفحة 372، إلا أن هذه القاعدة لم يذكرها العلماء الصادقون مجردة من غير ضوابط، وأهم ما أشاروا إليه هو إذا حصل تعارض بين الأدلة ولم يكن بالإمكان الجمع بينها فيقدم الدليل الدال على التحريم على الدليل الدال على الإباحة أو الوجوب، فبالله عليكم أين الأدلة التي تعارضت؟ وما هو التعارض الذي يمنع من إقامة فريضة الجمعة وهي فرض عين في بلدة لم تسجل فيها إصابة واحدة بفيروس كورونا؟!
أما قولهم: "إن الأحكام تتغير بتغير الزمان والمكان"، فهذه ترجمتها العملية أن الأحكام تتغير بتغير أهواء الحكام، والذي يؤكد أن فتواهم تتغير بتغير أهواء الحكام ما يحصل في ثبوت الفطر أو الصيام، فدار الفتوى الفلسطينية والأردنية وهيئة البحوث في الأزهر ورابطة علماء فلسطين ومجمع الفقه الإسلامي كلها قالت بوحدة المطالع في الصيام والفطر، وقالوا: إن الرأي الذي يقول باختلاف المطالع مرجوح، فماذا أصابهم العام الماضي ليتخلوا عن فتواهم؟! ألا يعلمون أن صيام يوم العيد حرام وموجب لغضب الله تعالى؟! والعجيب أنهم يعلمون الضوابط التي ذكرها العلماء في اختلاف المطالع إذ شرطوا أن لا تشترك الأمصار في جزء من الليل، أما البلاد التي تشترك في جزء من الليل فلها مطلع واحد، أي أنهم لم يأخذوا بالحكم الشرعي الذي أفتوا به، وإنما اتبعوا أهواء الحكام المجرمين الذين يكرسون الفرقة بين المسلمين، وفتوى إغلاق المساجد ومنع إقامة صلاة الجمعة لا نراها إلا اتباعاً لأهواء الحكام المضلين، وهي فتوى لم تقم على أساس صحيح في الفهم والاستدلال.
أيها الإخوة:
ألا تتمعر وجوهكم غضباً لله عندما تسمعون المؤذن ينادي "الصلاة في بيوتكم" والناس متزاحمون في الأسواق؟! ألا تتمعر وجوهكم غضباً لله وأنتم ترون بيوت الله مغلقة وبنوك الربا مشرعة الأبواب؟!!
ألا يؤلمكم ما تقوم به الأجهزة الأمنية المجرمة من ملاحقة واعتقال لمن يقيمون صلاة الجماعة ولو كانوا بضعة أفراد، أما هم وزبانيتهم فيجتمعون ويحتشدون في أكثر من مناسبة واجتماع، ثم يتكئون في جريمتهم على فتوى من أفتى بجواز إغلاق المساجد، أيرضيكم هذا؟!
إن الفتوى تحتاج إلى صدق مع الله أولاً وبذل للوسع في تحقيق مناط الأحكام وتحقيق الأدلة والاستدلال بها بعيداً عن الأهواء والمصالح، فاتقوا الله في أنفسكم واحذروا من هؤلاء الحكام المجرمين واستحضروا الخشية من الله تعالى عند كل فتوى تنطقون بها أو تخطونها بأيديكم، استحضروا قول الله تعالى: ﴿وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ﴾، وقوله تعالى: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾.
استحضروا آيات الله هذه، واصدقوا الله وابذلوا وسعكم في تحري الحق وبعد هذا إن أصبتم فلكم أجران وإن أخطأتم فلكم أجر، فتكونون على خير وأجر فيما أصبتم وما أخطأتم، أما إن تهاونتم في أمر الله وتابعتم الظالمين في ظلمهم فنسأل الله أن يهديكم قبل أن تنقلبوا إليه بهذا الإثم العظيم.
وفي الختام:
إن للمساجد شأناً عظيماً في الإسلام وهي أهم من الأسواق والمتاجر، ولأن الحكام المجرمين لا يقيمون وزناً لأحكام الله وليس لأحكام الشرع أولوية في حياتهم وتفكيرهم، اتبعوا سنن أعداء الإسلام في معالجة هذه الجائحة، وكان تفكيرهم منصباً على الناحية الاقتصادية وذلك خشية على عروشهم من السقوط، وقد رأيتم كيف أرادوا استغلال هذه الأجواء لتمرير تعديل قانون للتقاعد يخدم حفنة المرتزقة من الوزراء ومن هم بدرجة وزير.
إن هؤلاء الحكام لن يوفقهم الله إلى خير ما داموا على ظلمهم وفجورهم وتبعيتهم لأعداء الإسلام ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾، ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾... وسيبقون يتخبطون خبط عشواء كالذي يتخبطه الشيطان من المس إلى أن يأذن الله تعالى بنصره، ونظنكم تدركون وتتابعون ما عليه العالم الآن فهو يتهيأ لاستقبال الإسلام ودولة الخلافة التي ستكون فرجاً للناس جميعاً وعزاً للمؤمنين، إنها خلافة على منهاج النبوة، وعد الله سبحانه وبشرى رسوله صلى الله عليه وسلم، فاتقوا الله تعالى واجعلوا لكم سهماً في إقامتها والدعوة إليها لتكونوا من الفائزين.
وبتدبر يسير لآيات الله نجد أن عمارة بيوت الله مرتبطة بالخشية من الله وحده، فتدبروا قول الله تعالى ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾.
وبتدبر قول الله تعالى في سورة النور نقف على معنى عظيم متصل بتعظيم بيوت الله ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.
وإذا تدبرتم الآيات السابقة مع قوله سبحانه ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾، نقول لو تدبرتم هذه الآيات معاً لعلمتم أن إغلاق بيوت الله من أعظم الظلم والصد عن سبيل الله، ومن يتجرأ على هذه الكبيرة له في الدنيا خزي وفي الآخرة عذاب عظيم، ونحن نبشر كل من شارك وساهم في إغلاق بيوت الله بالخزي في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة، إلا الذين تابوا وأصلحوا وبيَّنوا.
وإن المعصية في رمضان أعظم من المعصية فيما سواه، وإغلاق المساجد وتعطيل صلاة الجمعة وصلوات الجماعة إثم عظيم وفي رمضان أعظم إثماً وخصوصاً في المناطق التي لم تسجل فيها حالات إصابة، إذ لا يوجد مانع حقيقي يحول دون فتح المساجد وإقامة الصلوات، وفي المناطق التي ظهر فيها بعض الحالات فهذه تقام فيها صلاة الجمعة على شكل مجموعات صغيرة مع أخذ الاحتياطات اللازمة، فتقام الصلاة في المساجد والساحات كساحات المدارس والملاعب والساحات العامة، وإن صدقت العزيمة في إقامة الصلاة فهناك أساليب كثيرة تُمكّن من إقامتها بشكل صحيح وآمن بإذن الله تعالى، لا سيما وأنّ العالم بدأ يتحدث عن ضرورة التعايش مع الفيروس سنة أو سنتين، وقد بدأت بعض الدول بذلك، فهل ستبقى بيوت الله مغلقة أعواماً كما يتمنى الغرب والحكام المجرمون؟!
فضموا صوتكم إلى صوت حملة الدعوة الداعي إلى فتح بيوت الله فإنا نحب لكم الخير ومواقف الصدق والقوة في الحق، لتُكتبوا عند الله مع ورثة الأنبياء وأئمة الهدى الذين لا يخشون في الله لومة لائم، ولا نحب لكم موقف الساكت أو المنحاز لأعمال المجرمين، فدعوتنا لكم هي دعوة للنجاة وإلى رضوان الله تعالى، والحكام يدعونكم إلى النار وغضب الله، فلا نلفينَّكم تخشون الظالمين أكثر من خشية الله ﴿أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، وحسبكم قول الله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾، ففوضوا أمركم إلى الله واصدعوا بالحق إن الله بصير بالعباد.
وأخيراً:
نلتمس منكم العذر إن وجدتم في كلامنا بعض القسوة أو الشدة في الخطاب، فهي من الغيرة على دين الله، والغضب لله، وهي شدة تجاه الذين يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً إرضاء للحكام الظالمين، فأولئك المنافقون خاطبهم الله بأشد مما جاء في رسالتنا هذه، أما الذين شرح الله صدورهم وخشعت قلوبهم للحق فهؤلاء أحبتنا وعلى رؤوسنا، والله نسأل أن يشرح صدوركم لهذا الخير وينير بصائركم، والحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التاريخ الهجري :17 من رمــضان المبارك 1441هـ
التاريخ الميلادي : الأحد, 10 أيار/مايو 2020م
حزب التحرير
الأرض المباركة فلسطين