بسم الله الرحمن الرحيم
بعد الرئاسة... حكومة أمريكا في لبنان
نالت الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري الأربعاء 2016/12/28 ثقة المجلس النيابي في اليوم الثاني من الجلسات التي خصصها البرلمان لمناقشة البيان الوزاري بأغلبية 87 صوتاً من أصل 92 مقترعاً، فيما حجب عنها الثقة 4 نواب، وامتنع واحد (العربية نت 2016/12/28).
وبهذا تترسخ اليد الطولى لأمريكا داخل لبنان، وذلك بعد وصول حليف حزب إيران لرئاسة الجمهورية ميشال عون في 2016/10/31، ثم منح الثقة لهذه الحكومة، برعاية أتباع أمريكا الإقليميين السعودية وإيران.
إن المدقق في تشكيل هذه الحكومة يلحظ أن رجالات أمريكا في لبنان تمثلوا في الوزارات الحساسة مثل الدفاع والخارجية والداخلية والعدل والمالية. أما وزارات الفتات فتُركت للمشاحنات الداخلية؛ فتصارع عليها زعماء المليشيات التقليدية التي تلبست بلبوس السياسة لنهب ما تبقى فيها ولأهداف انتخابية، حتى وصل عند أحدهم بأن لا يستحي من القول: "صندوق هذه الوزارة فارغ وهذا أمر غير مقبول"، هذا القول يعبر حقيقةً عن نظرة من يدّعون السياسة في هذا البلد، وأنهم زعماء مليشيات، وأن ممارساتهم السياسية هي ممارسات مليشياوية منفعية تنعدم فيها قضايا وهموم الناس ورعاية مصالحهم!
إن وظيفة لبنان في المنطقة تحدده أمريكا وحدها ولا يوجد دولة تصارعها على نفوذها فيه بشكل وازن، ولقد برزت حقيقة نظرة أمريكا إلى لبنان في السنوات الخمس الماضية بعد قيام الثورات العربية وخاصةً في سوريا، برزت هذه النظرة في مسألتين:
الأولى: أن لبنان هو قاعدة عسكرية خلفية لحزب إيران الذي قبِل على نفسه أن يكون أداة استعمارية تستعمله أمريكا عن طريق تابعتها إيران أينما شاءت في المنطقة من اليمن إلى العراق، ثم الدور البارز والدموي في سوريا، وخاصة بعد ما حدث من "تسليم" لمدينة حلب، ليُساهم حزب إيران بشكلٍ فاعلٍ بلا حياءٍ من الله ورسوله وعموم المسلمين في سياسات القتل والإهانة والتهجير لأهل مدينة حلب وثوارها في تحالف غير مستور مع عدوة الإسلام والمسلمين روسيا، ومن خلف ستار خفيف وليس خفياً بقيادة أمريكا، وبغض طرفٍ من كيان يهود الذي يتمتع بجبهة هادئةٍ بحماية محور "المقاومة والممانعة"!!!
الثانية: فصل مسلمي لبنان عن محيطهم ومنعهم عن نصرة إخوانهم في الشام، هذا الفصل الذي يتولاه النظام اللبناني عبر التهم الجاهزة من إرهاب وغيره واعتقالات تعسفية عبر ما يسمى بـ"وثائق الاتصال" التي ما زالت الأجهزة الأمنية تعتقل شباب المسلمين بناءً عليها.
هاتان النظرتان الأمريكيتان جعلتا البيان الوزاري يخلو من أي إشارة لتحركات حزب إيران في دعم النظام الفاشي في سوريا، أو الموقف من السياسات التعسفية ضد المناصرين للثورة السورية في لبنان، مما يشير إلى المضي في هذه السياسة سيراً في ركاب أمريكا وعملائها في لبنان والمنطقة.
يا أهل لبنان... إن لبنان بشكله الحالي ككيان مرتبط بدولٍ استعمارية، لا سيادة له ولا استقلال ولا دولة بالمعنى الحقيقي، بل واجهةُ حكم تنفذ أوامر الخارج، وسلطة سفاراتٍ لا بل سفارة واحدة وهي سفارة أمريكا ودول إقليمية تابعة لها، بشكل يرتب عليكم، يا أهل لبنان، أن تعوا واقع هذه الحكومة التي ما ألّفت إلا لتعمل وفق أجندة أمريكية تتناسب مع المرحلة التي وصلت إليها سياستها الاستعمارية في المنطقة... فلا تقبلوا أن يسجل هذا في صحائف حاضركم وتاريخكم؛ لأن الاستعمار وأدواته إلى زوال بإذن الله. أما الثابت والباقي فهو ارتباطكم ببلاد الشام والعالم الإسلامي الذي سيتوحد في عاجل غير آجل بإذن الله ضمن منظومة واحدة، الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة...
أيها المسلمون في لبنان... أنتم مطالبون "سنةً" و"شيعةً" بأن تعلنوا براءتكم ممن أوغل في دماء إخوانكم، وأن لا تلتفتوا لدعوات التفرقة بينكم. فأمثال حزب إيران يتغذون على الانقسام بعكس ما يَدَّعُونَ مِنْ أنهم مع وحدة المسلمين. لقد فرض حزب إيران بدخوله سوريا مذهبيةً مقيتةً على أتباعه تحت غطاء الانتساب لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهل البيت، الذين هم أهل البيت عند المسلمين جميعاً، منه ومن أعماله براء. إن أي حزب أو حركة أو جماعة مطالبةٌ اليوم بـأن تفك أي ارتباط مباشر أو غير مباشر مع هؤلاء الذين لم يرقبوا في المسلمين من أهل سوريا إلاًّ ولا ذمة...
ولعِظَمِ الأمر نذكركم بقول الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾.
فحذارِ حذارِ أيها المسلمون من مشهد يومٍ عظيم... ﴿إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾.
التاريخ الهجري :1 من ربيع الثاني 1438هـ
التاريخ الميلادي : الجمعة, 30 كانون الأول/ديسمبر 2016م
حزب التحرير
ولاية لبنان