الخميس، 19 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/21م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

طريقة التّعاطي مع صراع العصابات   تُظهر عدم المسئولية وتُنذر بمزيدٍ من الفوضى 

 

 

 

شهدت أحياء العاصمة كبنهاغن في الآونة الأخيرة صراعاً متصاعداً بين عصابات الجريمة المختلفة. وقد تسبب هذا الصراع الناشئ عن التنافس في بيئة الجريمة هذه إلى سقوط العديد من الضحايا حيث دارت رحى معاركه في الأحياء  المكتظة بالسكان وعلى قارعة الطرق وبالقرب من حضانات الأطفال وقاعات الرياضة والمقاهي. وكانت بعض التجمعات السكنية التي يقطنها غالبية مسلمة مسرحاً لعدة عمليات إطلاق نار، أدت إلى قتل وإصابة عددٍ من المسلمين الأبرياء!. وبالرغم من وعود السلطات بالتدخل ضد الأطراف المتنازعة، إلا أن مسلسل إطلاق النار هذا استمر حاصداً المزيد من الضحايا، الأمر الذي جعل سكان هذه الأحياء المستهدفة يفقدون الشعور بالأمن والأمان ويخشون أن يكون أبناؤهم في عداد الضحايا القادمين.

 

وسط هذه التطورات المأساوية شهدنا بعض السياسيين ووسائل الإعلام، يحاولون تسخير هذا الصراع لخدمة جدول أعمالهم المعادي للإسلام، وذلك بالتركيز على العصابات التي جُلُّ أعضائها من الجيل الثاني من الأجانب، غاضّين النظر عن الطرف الآخر في النزاع، حيث مضوا في التجني والادعاء بأن خلفية المسلمين الثقافية هي السبب وراء الجريمة!. وكان تصريح وزير العدل الدنماركي على رأس هذه التصريحات المتجنية، والذي اعتبر فيه أن صراع العصابات هو هجوم من الأجانب على الدنمارك، حيث قال: "يحق لنا أن نحمي بلدنا من الأجانب، الذين يحملون السلاح القاتل. قد يُعتبر كلامي هذا تعصباً قومياً، ولكني أقول لهم: أُخرجوا من بلادنا". أضف إلى ذلك استغلال السياسيين هذا الصراع للمزايدة السياسية مطالبين بتشديدات قانونية يطغى عليها التمييز ضد عامة المسلمين!. هذه التشديدات، وحسب رأي الكثير من المختصين، ومنهم مسئولة لجنة مكافحة الإجرام، لن تؤدي إلا إلى تأجيج الصراع!.

 

وقد تجاهل هؤلاء السياسيون والإعلاميون جميع التحذيرات من العواقب الوخيمة التي قد تتسبب بها تجنياتهم وادعاءاتهم ومبادراتهم الحاقدة. فقد تجاهلوا التحذيرات من أن لهجتهم المعادية والقائمه على أساس التمييز العرقي قد تؤدي إلى خروج الصراع عن حدود السيطرة وتحوله إلى أعمال شغب عرقية. ولم يأخذوا أيضاً بعين الإعتبار أن تهجمهم على المسلمين سيُصعِّد الصراع وذلك لسببين: أوّلهُما إيجاد صورة مشوَّهَة عن المسلمين تُولّد مزيداً من العنف، وثانيهما تنمية الإحباط الذي يؤسس للمزيد من الاستقطاب في هذا الصراع بين صفوف بعض الشباب. وبهذا يكون هؤلاء السياسيون والإعلاميون قد أظهروا عدم المسئولية تجاه المناطق المستهدفه واللامبالاة بأمن المسلمين.

 

ومما يثير الدهشة أن السياسيين قد تعاملوا مع التقارير الواردة من المنظمات الأوربية والاستخبارات بالتجاهل التام. ومن بين هذه التقارير ما صدر عن منظمة الأمن والتعاون الأوربي، حيث حذرت في عام 2005 من تزايد عدد التهديدات والإعتداءات على المسلمين في أوروبا. وبحسب هذه المنظمة نفسها فإن سبب ذلك هو سياسة التمييز التي تزيد الكراهية ضد الأقليات المسلمة. وعلاوة على ذلك فإن تقارير المخابرات الدنماركيه قد حذرت من "نشاط فائق"  و"تزايد في الراديكالية والعنف" في أوساط اليمين المتطرف في الدنمارك.

 

وعلى ضوء التحذيرات المذكورة والتقارير الإعلامية التي تتحدث عن الاستقطاب في هذا الصراع في أوساط اليمين المتطرف الدنماركي، يستغرب المرء من السياسيين بل والوزراء إصرارهم على إثارة النعرات العرقية والكراهية في ظل هذه الأجواء المشحونة. والسؤال الذي يفرض نفسه هو هل كانت هذه التصريحات مجرد ديماغوغية ساذجة تَسَبّب بها قصور النظر عن المخاطر المترتبة على هذه السياسة، أم أن هناك أجندة خفية تكمن وراء ذلك؟!.

 

وبالإضافة إلى كل هذا فإن السياسيين ومن خلال هذا التجني والاتهامات السخيفه بحق المسلمين أظهروا نفاقاً فظيعاً بتشويههم الحقائق، وصرفهم الأنظار عن مسئوليتهم وذنبهم في هذا الصراع. إن مسئوليتهم هذه ليست قابلة للنقاش، حيث إنهم قد تسببوا في إيجاد العديد من العوامل التي ساهمت في تشكيل العصابات وبالتالي وجود هذا الصراع.

 

فقد كان  لسياسة التمييز التي انتهجها هؤلاء السياسيون الدنماركيون على المستوى السياسي والقانوني والاقتصادي الأثر الأكبر في جعل المسلمين يعيشون في أوضاعٍ مزرية، الأمر الذي تشهد به العديد من التقارير. ومن هذه التقارير ما صوت عليه المجلس الوزاري الأوروبي عام 2005 والذي خَلُصَ إلى أنه (يلاحظ بشكل قوي أجواء عدم التسامح في المجتمع الدنماركي، ولا سيما في الأوساط السياسية والإعلامية). وفي تقرير آخر للجنة المعنية بمواجهة العنصرية وعدم التسامح التابعة للمجلس الأوروبي (ECRI)، والصادر في 16 ماي 2006 ذُكر أن المسلمين في الدنمرك يُعاملون معاملة سيئة، سواء كان ذلك في التشريع أو في سن القوانين وتطبيقها، أو في الحديث السلبي للسياسيين ووسائل الإعلام عن المسلمين. وبحسب هذا التقرير، فإن هناك تمييزاً في الحقوق، وبعض السياسيين ووسائل الإعلام يرسمون بشكل دائم صورة سلبية عن المسلمين. وفي سنة 2007 استخلص مجلس الأمن والتعاون الأوروبي في تقريرٍ جاء فيه عن الدنمرك (إن وضع المسلمين ازداد سوءاً في السنوات الأخيرة). وبناء على هذا التقرير فإن المسلمين يتعرضون للتضييق بشكل يتجاوز كل حد، ويتناقض مع المعاهدات المتعلقة بالعنصرية، ويتوصل التقرير إلى أن المسئول الأول عن هذا الوضع هو الحكومة الدنمركية.

 

وقد تسبب هذا التمييز المنظم في جعل المسلمين مواطنين من الدرجة الثانية، وعزلهم غالباً في تجمعات سكنية تسود فيها الجريمة والفساد، هذه الأوضاع المزرية تساهم بلا شك في تشكيل العصابات التي تُوجِد صراعات مثل هذه التي نعاني منها الآن، حيث أصبحنا نفتقد حاجة أساسية كالأمن.

 

وزيادة على ذلك فقد اقترف هؤلاء السياسيون جرماً أكبر بفرضهم سياسة الدمج التي تهدف إلى تذويب المسلمين في القيم الغربية وإبعادهم عن الفهم الصحيح للإسلام، هذا الفهم الذي يوجد المناعة لدى المسلمين ضد نمط العيش الفاسد والمتسم بالإجرام وصراع العصابات. إن سياسة التذويب المتبعة، والتي يزعم السياسيون أنها الحل لمشكلة صراع العصابات، ما هي في الحقيقة إلا السبب الرئيس لما نعانيه اليوم، وذلك بعد أن صار جزء من الجيل الثاني من الأجانب يساهم في نشاط العصابات. والحقيقة التي لا لَبس فيها أن الجريمة المنظمة وتشكيل العصابات لا توجد بين الجيل الأول أو بين الذين التزموا بالإسلام من الجيل الثاني وجعلوا ثقافة الإسلام نبراساً ومنهاجاً لحياتهم. وبما أن مشكلة الإجرام موجودة في أجواء الجيل الثاني من الأجانب الذين نشأوا في المدارس والمعاهد التي تعتمد القيم الغربية كمرجع وقدوة، يتبين من ذلك ودون أي شك أن المشكلة سببها الحضارة الغربية.

 

إن الانصهار في الحضارة الغربية يقود المرء إلى تصرفات يبرأ منها الاسلام، فيدفع بعض المسلمين طبقاً لمفهوم الحرية الغربية إلى الخروج عن أي سلطان حتى ولو كان شرع الله. ويجعل المرء مجرماً لا ينظر إلا إلى مصلحته الأنانية طبقاً لمقياس النفعية الغربية، فيجلب هذا المجرم الصراعَ المسلحَ إلى المناطق التي تقطنها أمه وأخته علماً منه أن صراعاً مثل هذا فيه انتهاكٌ للحرمات وإراقةٌ لدماء الأبرياء.

 

أيها المسلمون

عبر العقود الماضية، لم يحرك كثيرٌ من المسلمين ساكناً إزاء سياسة التذويب التي أبعدت الكثير منهم عن الإسلام وأفسدت عليهم ذوقهم وسلوكهم، ناهيك عن المسلمين الذين ساعدوا الحكومات الغربية في سياسة الدمج والصهر. فبدلاً من دعوة الغربيين إلى الإسلام ونمط حياته ومفاهيمه حتى يدركوا أن الإسلام هو الحق، بدلاً من ذلك، شاركوا في برامج الدمج والتذويب التي تهدف لإيجاد ولاء للقيم الغربية ونشر نمط الحياة الغربية بين المسلمين!

 

لقد أوجب الإسلام علينا التمسك بأحكامه، والحفاظ على هويتنا الإسلامية، وتجنيب المسلمين التأثر بطرق العيش المنافية للشرع، والتي بدورها تقود إلى الجريمة والفساد. وأوجب علينا حمل الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مما يضمن إيجاد الوعي على الإسلام وقيمه والتزام المسلمين بأحكامه. ويُوجِب علينا كذلك ردع كل شخص يشارك في أعمال الإجرام عن غيه هذا، فإن لم يرتدع هؤلاء وجب علينا منعهم من جلب صراعاتهم إلى المناطق الآهلة بالسكان وذلك من خلال مقاطعتهم بل والسعي لإخراجهم من التجمعات السكنية التي يقطنها المسملون.

 

أيها المسلمون إن حزب التحرير في الدنمارك يناشدكم ويدعوكم للتصدي لتداعيات هذه الأحداث عبر مشاركتنا في أعمالنا وحمل الدعوة الإسلامية التي تهدف إلى الحفاظ على هوية المسلمين في بلاد الغرب. إننا ندعوكم الى دراسة الثقافة الإسلامية بهدف حمل الدعوة بشكل مؤثر يوجد مناعة ضد الفساد، ونناشد أيضاً كل مسلم قلق من هذه الأحداث وتداعياتها العمل على مواجهة سياسة التذويب وفضح سياسة التميييز ضد المسلمين. واعلموا أن هذا الصراع الجاري وكيفية تعاطي السياسيين ووسائل الاعلام معه، يُنذر بالمزيد من الفوضى. ولقد رأينا أن تطورات ممثالة في بلدان أخرى أدت إلى عواقب وخيمة من مثل الصراعات العرقية أو إنشاء غيتو تنتشر فيه الفوضى والجريمة وينعدم فيه الأمن، وحال المسلمين في فرنسا خير شاهد على ذلك.

 

أيها المسلمون إن حملكم دعوة الإسلام ووقوفكم في وجه سياسة الإندماج والتذويب والتمييز لهو الضمان الوحيد للحيلولة دون وصولكم الى مثل تلك الحالة! وحذار حذار أن تكونوا ممن يشمله قوله تعالى:

( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )

 

وبعد فإننا في حزب التحرير في الدنمارك نقف مع كل مسلم يعاني في ظل هذا الصراع وهذه الأجواء المشحونة بالإفتراء والتجني على المسلمين، ونطالب المسلمين أن يكونوا صفاً واحداً منيعاً لمواجهة ما يحاك ضدهم، إلا أن القلق من انعدام الأمن والحزن على من أُصيب أو قُتل من أحبائنا لا ينبغي أن يقودكم أيها المسلمون إلى أفعال غير متزنة. وإن الإحباط بسبب التشوية أو الإذلال المترتب على القوانين المجحفه أو التمييز الذي تعيشونه في ظل الأنظمة الغربية، لا يجوز أن يؤدي بكم إلى ردود أفعال إرتجالية يكون ضررها أكبر من نفعها. ولا يظنن أحدٌ أن هذه الأحداث يمكن منعها عبر أعمال ترقيعية آنية، بل لا بد من عمل شامل متكامل، ألا وهو التمسك بالإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحفاظ على هوية المسلمين، وهو ما ندعوكم اليه، فإن في ذلك الخلاص والفلاح.

 

( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا )

 

و ختاما فإنه يتوجب على العقلاء والمنصفين في الغرب أن يواجهوا حملات التشويه والتجني على المسلمين والتي يقوم بها السياسيون ووسائل الإعلام الغربية وكذلك مواجهة سياسة التمييز التي يعاني منها المسلمون في الغرب، لأن النتائج الوخيمة لسياسات النفاق واللامسئولية ستطال الجميع لا محالة.

 

 

 

 

التاريخ الهجري :5 من جمادى الثانية 1430هـ
التاريخ الميلادي : الجمعة, 29 أيار/مايو 2009م

حزب التحرير
الدنمارك

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع