رعاية الرسول لشؤون الأمة بوصفه حاكما-ح2
- نشر في ثقافية
- قيم الموضوع
- قراءة: 841 مرات
الدنيا حلم ، متاعها غرور ، وعودها كذب ، أيامها لهو ، لياليها غفلة ، قصورها ودورها خيالات تضحك بها على الأغنياء من أبنائها .في بطن الدنيا أكثر ممن على ظهرها ، كلٌ مرتهن بسعيه ، فإذا رأيت أحد أبنائها قويا في جمعها ، مثابرا على الكدح فيها ، فرحا بمالها ، جذلا بوصالها ، مخدوعا بخيالها ، فارث لحاله ، وابك على مستقبله .تفكر في الآباء والأجداد ومن ذهب ومن رحل ، ومن انتقل ، كم من ذكي في التراب .. كم من ألمعي تحت الرمال .. كم من سيد متوج في ثلة هامده .. كم من إمام جهبذ تحت الرغام ، ( كل شي هالك إلا وجهه ) . إذا ً فما لك يا عبد الله في حيرة واضطراب ؟ مالك في شرود وذهول ؟ هيا تهيأ لتلك الحفرة .. ومهّد لك فيها فراشا وثيرا من العمل والإخلاص والصدق مع من لا تخفى عليه خافية ، فكأنك بالموت قد حضر ، والفراق قد دنا والأحباب قد تفرقوا ، والبين قد حل .
وَصَلِّ اللَّهُمَّ عَلَىْ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَىْ آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ
نحييكم جميعا أيها الأحبة المستمعون في كل مكان في حلقة جديدة من برنامجكم مع الحديث الشريف ونبدأ بخير تحية فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
عن حنظلة الكاتب التميمي الأسيدي قال
كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا الجنة والنار حتى كأنا رأي العين فقمت إلى أهلي وولدي فضحكت ولعبت قال فذكرت الذي كنا فيه فخرجت فلقيت أبا بكر فقلت نافقت نافقت فقال أبو بكر إنا لنفعله فذهب حنظلة فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فقال يا حنظلة لو كنتم كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة على فرشكم أو على طرقكم يا حنظلة ساعة وساعة ,جاء في شرح سنن ابن ماجه للسندي قوله ( نافقت) أي تغير حالي بحيث لا ينبغي الغفلة عنهما لمن آمن بهما فالغفلة عنهما تشبه أن تكون من الإنكار الباطني لوجودها وبالجملة فقد اشتبه عليه وجود الإيمان بهما في قلبه بلا شك وعده نفاقا وبهذا ظهر أن الشك في الإيمان ليس بمكفر وإنما الشك في المؤمن به هو المكفر
قوله ( لو كنتم كما تكونون)
نبههم على أن الحضور لا يدوم عادة وعدمه لا يضر في وجود الإيمان في القلب والغفلة إنما تنافي الحضور فلا يلزم منها عدم الإيمان؛ ساعة يكون الحضور لينتظم به أمر الدين وساعة تكون الغفلة لينتظم بها أمر الدين والمعاش وفي كل منهما رحمة على العباد .
مستمعينا الكرام:
يؤكد الحديث الشريف الذي بين أيدينا أمورا عدة، منها:
أولا: أن مفهوم (ساعة وساعة) لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بما يفهمه البعض بأنه ساعة لك وساعة لربك. فمن المفروغ منه أن حياة المسلم كلها لله عز وجل، كما قال تعالى معلما عباده أن يقولوا ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين )
فليس في حياة المسلم شيء لغير الله لأن الله (اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) فباع المسلمون جميعا ما يملكون ثمنا للجنة، نعم قد تكون في حياة المسلم ساعة يقظة وساعة غفلة، وساعة قوة وساعة ضعف، وساعة قرب وساعة بعد، ولكن سرعان ما يتذكر ويتبصر؛ فيدفع الغفلة ويقوي الضعف، ويفر إلى الله، قال الله تعالى: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون
وجاء في الحديث الشريف : ( كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون )
ثانيا: أن الوعظ والإرشاد لا يكفي لوحده لأن يكون طريقا في بناء الشخصيات وتغيير السلوك. فالجنة والنار والترهيب والترغيب كل من الإسلام. ولكن يجب أن لا يغفل علماؤنا وحملة الدعوة أن لا غنى أيضا عن الأفكار والمفاهيم الإسلامية التي يحتاج لها كل مسلم في حياته اليومية والتي تؤثر في سلوكه تأثيرا منتجا ومركزا. فعلى المسلم بالإضافة إلى وعيه على نعيم الجنة وعذاب الآخرة، أن يعي مثلا حقيقة الصراع بين الإسلام والكفر ويعي حقيقة الديمقراطية والعلمانية والرأسمالية ويعي حقيقة العقيدة الإسلامية من كونها عقيدة روحية وسياسية ويعي أن الإسلام جاء ليطبق ويعي أن لا تطبيق للإسلام إلا بدولة ويعي أسباب تأخرنا وسبيل نهضتنا.
قال تعالى:
(محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما )
وقال تعالى: (كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون )
مستمعينا الكرام والى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر نترككم في رعاية الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
لقد كان لنجاح أوباما في الانتخابات الأمريكية وهجهُ وبريقهُ على عامة الناس في داخل الولايات المتحدة أو خارجها. ولِمَ لا وهُم يرَوْن لأول مرة رئيساً من أصول أفريقية لأقوى بلد عانى ولا يزال يعاني من التفرقة والتمييز. وظن الناس - وقد وُجِّهوا لذلك - أنَّ الإدارة الجديدة بقيادة أوباما معها عصا سحرية ستحل كل المشاكل، وستجمع الناس على قلب رجلٍ واحد، وأن الظلم الذي لحق بالناس من الإدارات السابقة سيجد نهاية له، وإنَّ استعمال السلاح الذي كان سائداً سيكون إلى نهاية. وقد رقص الناس يوم أُعلِن الفوز فرحاً وابتهاجاً وهم يرون شاباً أسوداً كان أبوه مسلماً يعتلي سدة الحكم في أمريكا، وهي سابقة في تاريخ الرؤساء الأمريكان. وقد ساق وقدم كثير من وسائل الإعلام أوباما على أنه المجدد لأنظمة الحكم السائدة، وأنه الرئيس الذي سيعيد لأهل أمريكا الحريات المدنية التي سُلبت منهم. وأقسم أوباما اليمين الدستوري ليصبح أول رئيس أمريكي من أصول أفريقية وبشعبية تزيد عن 67%. وبدأ الناس بالعد التنازلي لنهاية مشاكلهم جميعها اقتصادية كانت أم سياسية، وبدأ الناس هنا بانتظار الإعلان عن الوظائف المفتوحة، والبحث عن وظائف جديدة في مصانع وخدمات جديدة. وبدأ الناس يُبَشِرون بعضهم البعض بنهاية المحنة الإقتصادية والعقارية. وقد رفع أوباما شعاره المشهور (التغيير) في حملته الإنتخابية. وهذا التغيير يعني مخالفة الأساليب والأهداف والأدوات والغايات التي كانت تعمل بها الإدارة السابقة، والحق يقال أن التغيير المشهود هو انتقال أوباما من العيش في منزله في شيكاغو إلى العيش في البيت الأبيض في واشنطن. ومع مرور الوقت بدأ الناس يفقدون هذا البريق، وبدأوا يدركون شيئاً فشيئاً أنهم في ظل حلم يفيقون منه، حتى وصلت شعبية أوباما إلى ما دون 50%، فلا تغيير مثلاً في سياسته الإقتصادية أو التعليمية أو حتى الصحية التي كان ينادي بها بعد التعديلات الكثيرة عليها لتحصل على موافقة الكونغرس.
أما على صعيد سياسته الخارجية وخاصة فيما يتعلق بالمسلمين، فلا يخرج عن السير على خُطا بوش وتتبع سُنَنِه. فعلاقة أمريكا بإيران لم تخرج عن السياسة الأمريكية تجاه إيران في عهد الإدارات السابقة، وهي جعل إيران شرطي الخليج والفزّاعة التي تخيف به الدول المحيطة بها. والناظر في علاقة أمريكا بتركيا يجد أنها لم تختلف عن علاقتهما زمن بوش، فأمريكا تستخدم تركيا في أن تكون سمسارها في منطقة الشرق الأوسط وخاصة بين سوريا وكيان يهود، وتُبقيها على استجداء الدخول في الإتحاد الأوروبي الذي يعلن رفضه لتركيا وأهلها، ويذلها في الشروط التي يريدها أن تحققها حتى تحصل على هذا (الشرف الرفيع)، مع أن حقيقة الأمر أنَّ تركيا ليست بحاجة إلى أوروبا، وقد كانت مهيمنةً على أوروبا وأجزاء كثيرة من العالم قروناً طويلة يوم كانت تحكم بالإسلام وتحمله رسالة إلى العالم. ولو كان حكام تركيا يملكون ذرة من شجاعةٍ وإخلاصٍ وعزةٍ لرفضوا الخضوع لشروط أوروبا أو حتى التفكير باتحادها الهش.
وأما علاقة أمريكا بالعراق فلا زالت ترابط فيه، ولا زالت أعمال التفجير والقتل تحصد من الأرواح الكثير، ولا زال الأمن معدوماً، حتى أصبح الناس يتمنون عودة نظامٍ ديكتاتوري كانوا يتمنون فناءه في السابق لحكمه لهم بالحديد والنار والقتل والبطش، ولكنه كان أقل إرهاباً وبطشاً من الوضع الحالي، وأكثر ما سيفعله أوباما هو انسحاب القوات الأمريكية من المدن وتقليل عدد الجنود لا ترك العراق والانسحاب منه.
وأما في أفغانستان فلا زال الوضع كما هو، بل إن أوباما قد اتخذ قراره ووضع استراتيجية جديدة للحرب في أفغانستان بدأها بإرسال 30 ألف جندي إلى هناك، فأي تغيير هذا؟! وأي نهاية لحرب استمرت ثماني سنوات أكلت الأخضر واليابس؟ وأي تغيير هذا لأهل أفغانستان الذين لا زالت الطائرات القاذفة تخطئ أهدافها فتحصد أرواح الأبرياء من النساء والرجال والأطفال؟ وأي وعود هذه التي ينتظرها أهل أفغانستان بتغير الإدارات، أم أنه فقط تغيير في الوجوه والألوان والأسماء؟
ولقد زاد أوباما جرحاً في العالم الإسلامي وهو جرح باكستان، الذي بدأ نزيفة منذ شهور حتى أصبح حال أهلها هناك أشبه بحال المسلمين في العراق، فلا أحد يدري إن خرج من بيته هل سيعود لأهله أم أنَّ قنبلة أو تفجيراً سيحوله إلى جثة هامدة تفرق بينه وبين أهله. ويبدو أن أمريكا تستخدم أسلوب التفجيرات لإخافة الجيش الباكستاني، حتى تجعله يبطش بالمسلمين هناك حيث ظهر عليه التردد سابقاً في دعم أمريكا بمقاتلة ومحاربة المسلمين في أفغانستان، فما ذنب طفل يقتل وما ذنب امرأة أو رجل يفارقان الدنيا بانفجار أعمى لا يميز بين أحد؟!.
وأما في فلسطين فلا زالت الحالة قائمة منذ ما يزيد عن الستين عاماً دون تغيير. فيهود يسيطرون على الأرض والبحر والسماء، وأهل فلسطين لا زالوا خاضعين لكل ذُلٍّ وإرهاب واضطهاد، وحالهم أن أمريكا لن تغير دعمها لكيان يهود، وأهل فلسطين لا معين لهم ولا مجيب غير الله عزَّ وجَل الذي لا تضيع عنده الأمور، ولكن لكل أجلٍ كتاب. وما زالت صرخات السجناء، وآهات المعذبين والممنوعين من دخول بلدهم وزيارة أهليهم ترتفع ولا مجيب من أهل الأرض، بل إن الأدهى والأمرَّ أن يمنع حتى الحاملين للجنسية الأمريكية من دخول فلسطين مع أنَّ الأصل في هذا أن يحرك أمريكا للدفاع عن مواطنيها، ولكن الأمر لا يعنيها.
إن الاستقراء لتصرفات الإدارة الحالية في خلال عام، يُري أنها لم تتغير عن الإدارة السابقة إلا في استخدام كلامٍ معسولٍ وقَعَ فريسته البعض في داخل الولايات المتحدة أو خارجها. وقد تضمن هذا الكلام بعض العبارات التي يستخدمها المسلمون مثل (السلام عليكم) و (رمضان مبارك) و قراءة شطر آية «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا» وعدم إكمالها «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (الحجرات: 13). ويبدو أن أوباما قد نجح في إقناع البعض أنه يحمل تغييراً حقيقياً وأنه جاد في التعامل مع المسلمين بطريقة جديدة، فالثناء الذي جاء بعد خطابه في تركيا وفي القاهرة من قِبل بعض المسلمين في الداخل والخارج يثبت ذلك، مع أن خطابه لم يتضمن أي تغيير في سياسته ونظرته للمسلمين إلا في ذكر بعض العبارات كما ورد سابقاً.
إن إوباما لم ولن يغير سياسته تجاه المسلمين، فالقرار في ذلك راجع لصاحب الأمر والسلطان في أمريكا، ويرجع لمصلحة أمريكا والتي لا يضعها أوباما أو أحد من الرؤساء، وإنما تضعها العائلات الحاكمة في أمريكا والشركات الرأسمالية فيها، وليس الحكام والرؤساء إلا أدوات لتنفيذ هذه المصالح، وهذا أمر معروف ومعلوم غير مجهول، ولذلك لا تجد إقبالاً لدى الأمريكان في الانتخابات، لأن النظام قائم على حفظ مصالح الأقوياء، وقد نجحت أمريكا بعض الشيء في تغيير صورتها النمطية والتي لازمتها منذ ثماني سنوات، والمتمثلة في التعالي والصلف والبطش في التعامل مع الآخرين. واستطاعت عن طريق أوباما أن تخفف من العِداء لها من قبل الآخرين وخاصة المسلمين حيث وضع لهم السم الزعاف في خطاباته والتي لم تغير شيئاً على أرض الواقع. وليحذر الذين يدعون إلى انتخاب هذا أو ذاك أنهم يشاركون في أفعال من انتخبوهم وأنهم مسئولون أيضاً عن نتائج أفعال من انتخبوهم، فالانتخاب وكالة، ولينظر المسلم من يُوكِّل. وليعلم المسلم أنَّ كل قطرة دم تُراق، وأنَّ استمرار المعاناة لأي مسلم نتيجة قرار يتخذه الرئيس سيحاسب عنها كل من شارك في انتخاب الرئيس، وليتذكر المسلم قوله تعالى: «وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا» (مريم: 95)، فلن يُغني عنه شيخ أو إمام، ولن تُغني عنه جمعية أو مؤسسة، ولن تنفعه مصلحة متوهمة أو زيارات تافهة. وليتذكر المسلمون حديث رسول الله e «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ» رواه البخاري ومسلم وابن ماجه، أفلا يعي المسلمون على حالهم ويدركون ما يراد لهم، وقد لُدِغوا من الجحر ذاته مرات عديدة من قبل كلينتون وآل بوش؟!
بقلم الأستاذ ابو الهيثم جزاه الله خيرا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته