الجمعة، 18 ذو القعدة 1446هـ| 2025/05/16م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

سقوط الأندلس دروس وعبر -6

  • نشر في ثقافية
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 441 مرات


الحمد لله مالك الملك, وخالق الخلق, يؤتي الملك من يشاء, وينزع الملك ممن يشاء, ويعز من يشاء, ويذل من يشاء, بيده الخير, وهو على كل شيء قدير. أما بعد:


أيها الأحبة: ذكرت لكم أن المعاهدة التي عقدت لتسليم غرناطة نقضت بعد سبع سنوات فقط، إذا أين من يدافعون، أو يدعون أن النصارى يمكن أن يفوا بعهد؟ إنني أخاطب أولئك الذين يحسنون الظن في النصارى، فأقول لهم: مهلا مهلا يا دعاة التقريب! مهلا مهلا يا دعاة التخريب! مهلا مهلا يا من أحسنتم الظن بأعداء الله، فركنتم إليهم، إنكم والله مخطئون!


لقد استمات النصارى استماتة عجيبة في سحق المسلمين. يقول المقري في كتابه "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب"، واصفا استعداد النصارى لإحدى المعارك: "وجاء الطاغية (دون بطرة) في جيش لا يحصى، ومعه خمسة وعشرون ملكا، وذهب إلى طليطلة، ودخل على مرجعهم البابا، وسجد له وتضرع وطلب منه استئصال ما بقي من المسلمين في الأندلس، وأكد عزمه على ذلك بعهد لاستئصال المسلمين، ومع كل أسف أقول: لقد وفى بعهده, واستأصل المسلمين!".


أيها الأحبة: ويقول "لوبون" في حضارة العرب: "والحق ما شهدت به الأعداء {وشهد شاهد من أهلها}. اسمعوا ماذا يقول: إن الراهب "بليدة" أبدى ارتياحه لقتل مائة ألف مهاجر من قافلة واحدة، كانت مؤلفة من مائة وأربعين ألف مهاجر مسلم، حينما كانت متجهة إلى إفريقيا، هؤلاء يريدون الهروب من الأندلس، ولكن ما رضي النصارى بهروبهم، قتلوا منهم مائة ألف دفعة واحدة, {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}. هذا قول الحق جل وعلا". ولذلك يصور أحد الشعراء مأساة المسلمين، واستماتة النصارى في سحقهم وتقتيل رجالهم فيقول:


كم جامـع فيهـا أعيـد كنيسة                 فاهلـك عليـه أسـى وتجلـد
أقفرت صلواتـها أسفـا عليـها              من قانتيـن وراكعيـن وسجـد
كم من أسيـر عندهـم وأسيرة               فكلاهما يبغي الفداة ما فـدي
كم من عقيلـة معشـر معقولة               فيهم تـود لـو أنها في ملحـد
كم من وليـد بينهـم قـد ود                  من ولـداه ودا أنـه لـم يولـد
كم من تقـي بالسلاسل موثـق              يبكي لآخـر في الكبول مقـيد
وشهيـد معتـرك توزعه الردى             ما بين حـدي ذابـل ومهنـد
ضجت ملائكة السماء لحالهـم              وبكى لهم من قلبـه كالجلـمد
أفلا تـذوب قلوبكم إخوانـنا؟                مما دهانـا من ردي أو من ردي
كتب الجهـاد عليكموا فتبادروا             منه إلى الفرض الأحـق الأوكد
وارضوا بإحدى الحسنيين وأقرضوا      حسنا تفوزوا بالحسـان الخـرد


أيها الأحبة: السبب الحادي عشر من أسباب سقوط الأندلس هو الرضا بالخضوع والذل تحت حكم النصارى؛ لأن بعض المسلمين بقوا تحت حكم النصارى وهم المدجـنون، ولم يستمعوا إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين". رواه الترمذي وأبو داود، وهو حديث حسن.


أيها الأحبة: السبب الثاني عشر من أسباب سقوط الأندلس هو عدم الاستقرار السياسي، وكثرة الفتن والمؤامرات، وخير مثال على ذلك أن مملكة غرناطة في خلال سنوات محدودة حكمها قرابة ثلاثين حاكما، وبسبب اضطراب بعضهم لم يحكم إلا عدة أشهر، وبعضهم حكم عدة سنوات، فالاضطراب السياسي يؤدي إلى النهاية المدمرة كما حدث في الأندلس.


أيها الأحبة: السبب الثالث عشر من أسباب سقوط الأندلس هو غلبة الأنانية, وتقديم المصالح الشخصية على مصالح المسلمين، وهذا سبب جوهري، وسبب مهم، إنني ألحظ في بلاد المسلمين الآن من غلبت عليهم مصالحهم الشخصية، تأتيه، وتحدثه عن واقع المسلمين، تحدثه عن المآسي، تحدثه عن الفواجع، ولا يتحرك!! يفكر في وظيفته، يفكر في راتبه، يفكر في مصلحته, لو أتي وأصيب في دنياه؛ لأقام الدنيا، ولم يقعدها، أما في أمور المسلمين فلا يتأثر، إنه في أحسن أحواله يكتفي بأن يسترجع. بل إن بعضهم يخذل العاملين على التغيير، أقول: هذا ما حل بالأندلس، إنهم قدموا مصالحهم الشخصية على مصالح المسلمين وغلبة الأنانية وحب الذات، فسقطت الأندلس.


أيها الأحبة: بعد ذكر واستقصاء الأسباب التي أدت إلى سقوط الأندلس, ننتقل وإياكم إلى ذكر بعض الدروس والعبر المستفادة منه، وكل الأسباب التي ذكرتها هي دروس وعبر، فاستمعوا - بارك الله لنا ولكم - إلى هذه الدروس، عسى أن نتعظ ونعتبر، حتى لا يحل بالمسلمين ما حل بغيرهم فنقول:


أولا: من أبرز الدروس دور العلماء: ذكرت لكم أن من أسباب سقوط الأندلس، عدم قيام بعض العلماء بواجبهم، ومع ذلك فإننا نجد أن هناك من قام بواجبه, والعلماء هم سراج الأمة. إنني أوجه حديثي مرة أخرى، فأقول لعلمائنا ولمشايخنا ولطلبة العلم من أمثالكم: الله الله في أمتكم، الله الله أن تفرطوا، مروا بالمعروف, وانهوا عن المنكر, وبهذا نحفظ كيان الأمة، العلماء هم ورثة الأنبياء. والعلماء لم يورثوا دينارا ولا درهما كما في الحديث, قال عليه السلام: "الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما, ولكن ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر".


أيها الأحبة: قلنا لكم هناك من وقف كأبي الوليد الباجي وابن عبد البر وأبي حيان الأندلسي وابن حزم وغيرهم، ولكن المأساة أنهم لم يستمع لهم، وهنا نقول: يجب على العلماء أن يؤدوا واجبهم حتى لو لم يستمع لهم. قال تعالى: {إن عليك إلا البلاغ}. وقال: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين}. ويقول صلى الله عليه وسلم: "يأتي النبي معه الرهط، ويأتي النبي معه الرجل والرجلان، ويأتي النبي وليس معه أحد". لكنه لا يمنعه من قول الحق، ومن الدعوة إلى الله، هذا درس مهم من دروس الأندلس، ولنا عبرة ولنا عظة ولنا ذكرى. يقول ابن حزم، مبينا دور العلماء: "فالمخلص لنا فيها - يقصد معشر العلماء - يعني من هذه الفتنة التي حلت بالأندلس، الإمساك للألسنة جملة واحدة إلا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".


أيها الأحبة: نواصل حديثنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أخوكم محمد أحمد النادي.

إقرأ المزيد...

فلسفة الحكم بين المعارضة في الديمقراطية والمحاسبة في الإسلام

  • نشر في سياسية
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 554 مرات


تنتاب مصر هذه الأيام حالة من الشد والجذب بين النظام الحاكم ممثلاً في الرئيس مرسي وحكومته من جهة، والمعارضة ممثلة بجبهة الإنقاذ من جهة أخرى، وكان حزب النور قد التقى برموز المعارضة وطرح مبادرة للخروج من الأزمة، وقد تمنى الحزب على السيد البدوي رئيس حزب الوفد حضور الحوار الذي دعا إليه الرئيس الأربعاء 12/02/2013م ليشكلا جبهة في مواجهة الإخوان حسب قول مخيون رئيس حزب النور. ولعل أبرز ما يسعى إليه المعارضون للدكتور مرسي هو إقالة حكومة هشام قنديل وإقالة النائب العام.

 

ومما لا شك فيه أن الطرفين، الحكومة والمعارضة، ليس لديهما أي تصور أو مشروع للنهوض بالبلاد، فالحكومة والرئيس من جهة يسيّرون شؤون البلاد كما كان يسيرها النظام السابق، فعلى الصعيد الاقتصادي يحاولون معالجة عجز الموازنة من خلال القروض، سواء الخارجية منها أم الداخلية، والضرائب التي تطال الفئات المتوسطة والفقيرة، أو عن طريق ترشيد مزعوم للإنفاق، وعلى الصعيد السياسي تراهم يقودون البلاد من خلال نظام فاشل ثار الناس عليه ليقلعوه من جذوره، لا ليجمّلوه بلحى وقشور من الإسلام، وكذلك المعارضة لا تملك أي تصور لما تريد نقل الناس إليه، فكل ما لديها هو المعارضة لأجل المعارضة، علّها تستطيع أن تصل إلى الكرسي لتستنسخ لنا نظاما علمانيا بشكل أوضح مما عليه النظام الحالي الذي يلبس لَبوسَ الإسلام والإسلام منه براء.

 

والغريب عدم إدراك بعض المشايخ لواقع هذا النظام وتلك المعارضة، فكلاهما لا يتحرك على أرضية الإسلام، بمعنى أن النظام الحاكم في مصر ليس خلافة إسلامية، والرئيس ليس أميرا للمؤمنين، كما أن المعارضة ليست فئة باغية خلعت ربقة الطاعة، فبغت وخرجت على الإمام الشرعي المبايَع على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحكم الباغي المقاتلة حتى يخضع لإمام المسلمين. لا، ليس الأمر هكذا،، بل إن "الحكومة والمعارضة" يتحركان ضمن لعبة الديمقراطية التي ارتضاها الطرفان. وشتان بين المعارضة السياسية في النظام الديمقراطي ومحاسبة الحكام وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر في ظل الحكم الإسلامي.

 

إن نظام الحكم في الإسلام لا يقبل المعارضة السياسية لأجل المعارضة، ويرفض التعددية السياسية بالمعنى الديمقراطي الذي يسمح بوجود أحزاب علمانية تعادي المشروع الإسلامي. بل هو نظام يقوم على مبدأ، أي عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام ينظم كل شؤون الأمة.

 

ومما لا شك فيه أن محاسبة الحاكم وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر في هذا النظام، ليس هو مجرد حق سياسي للمسلم يمارسه متى شاء، بل هو فرض إلهي عليه يجب أن يقوم به، وعبادة يتقرب بها إلى الله تعالى، وهذا الحكم الشرعي العظيم يختلف عن المعارضة السياسية في النظام الديمقراطي الجمهوري من وجهين:

 

أولاً: يرفض الإسلام فكرة المعارضة الدائمة للنظام السياسي، أي المعارضة من أجل المعارضة، فهذه الفكرة ابتدعها فلاسفة المجتمعات في الغرب كردة فعل على استبداد الملوك في أوروبا وحكمهم المطلق، وأيضاً فقد اعتبروا أن السلطة السياسية لها أثر سلبي على حرية الرأي والحرية الفردية التي يقدسونها، مما يستلزم تقييدها في أضيق الحدود، فجاءوا بنظرية المعارضة لإيجاد نوع من التوازن في السلطة والحيلولة دون استبداد الحكومة. فعالجوا مشكلة الاستبداد بإيجاد مناوئ للحكومة يسعى إلى إضعافها، فهم كالذي يكبّل الفرس الجموح خشية عدم السيطرة عليه، بدلاً من ترويضه للاستفادة من قوته وطاقته.

 

وهذا ما يفعله الإسلام في نظام حكمه، فهو لا يكبل الحاكم بالحد من صلاحياته وإيجاد قرين له لا همّ له سوى التضييق عليه ومناوأته، بل أعطى للحاكم كل الصلاحيات اللازمة، وأطلق له العنان لاستخدامها بقوة وجدّ لأداء واجبه في رعاية الشؤون، وأوجب على الرعية طاعته، حتى يَسْهُلَ التنفيذ، وتُحَل المشاكل بيسر وسرعة، ويسير المجتمع كله بقوة إلى الأمام، يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ"، وكذلك فقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم على وجوب طاعة الأمير، حيث قال: "ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني"، وقال: "اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة يقودكم بكتاب الله". تدل هذه الأحاديث أن طاعة الحاكم في الإسلام أداء لفرض من فروض الدين، وهي ليست نابعة من خوف من سطوة الحاكم، أو رغبة في دفع شر ما، بل هي نابعة من إيمان بمبدأ، واعتناق لعقيدة، وانقياد لأمر الله.

 

ومع ذلك فلم يجعل الإسلام هذه الطاعة مطلقة، بل قيدها بالمعروف وعدم القيام بمعصية الله، فقد نهى الإسلام عن الطاعة في المعصية، قال صلى الله عليه وسلم: "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب و كره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة". فالطاعة واجبة ما أقام الحاكم الشرع، وذلك مصداقاً لقوله تعالى: "وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ* الذين يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ"، وقوله تعالى: "وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا". ولذا فإن الإمام يطاع في كل معروف ولا طاعة له في المعصية.

 

وأيضاً فإن الإسلام لم يجعل سلطة الحاكم مطلقة بل قيدها بحدود الشرع، وألزمه أن يتقيد بها وينقاد لها، فالسيادة في الدولة للأحكام الشرعية وليست للحاكم، بل إن الإسلام أمر الناس بالخروج على الحاكم ونزع السلطان منه إذا أظهر الكفر البواح، ففي حديث عبادة بن الصامت قال: "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ويسرنا وعسرنا وعلى أثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله، قال: إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان." فعدم منازعة أولي الأمر أمرَهُم مقيد بعدم ظهور الكفر البواح، أي الخروج على أحكام الله، فمفهوم المخالفة في الحديث أنه إذا أظهر الحاكم الكفر البواح وجب الخروج عليه.

 

ومن هذا يتبين أن الحكم في الإسلام مقيد وليس مطلقًا، ولكنه مقيد بالكيف لا بالكم، فما دام الحاكم سائرًا بانضباط في إطار الشرع، فله صلاحياته ويجب أن يُطاع، وإذا خرج عن هذا الإطار بطُلت الطاعة، ووجب الخروج عليه إلى أن يعود إلى أحكام الله أو يُعزل عن الحكم.

 

وكذلك فإن يقظة الأمة في محاسبة الحاكم، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، تدفعه إلى الانضباط من تلقاء نفسه، وإلى الاجتهاد في أدائه لنوال رضاها، فإن نقمة الرأي العام وسخطه هو أخشى ما يخشاه الحاكم.

 

ومن هنا نرى أنه لا استبداد في نظام الحكم في الإسلام، بل هناك قيود وانضباط من قبل الحاكم والمحكومين.

 

ثانياً: تنطلق المعارضة في النظام الجمهوري من قاعدة الحفاظ على"حرية الرأي و "الحرية الفردية" ومنع الاستبداد، وتهدف حصرا إلى إظهار خطأ الممارسات السياسية للحكومة، والكشف عنها بهدف إضعافها وإسقاطها، فالمشاركة السياسية في النظام الديمقراطي الغربي تجسد رغبة الأفراد في الحد من سلطة الحاكم، وبالتالي التخفيف من سيطرة الدولة.

 

أما الإسلام، فقد جعل محاسبة الحاكم وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وسيلة للتأكد من التزامه بالشرع وحمايته من ارتكاب الأخطاء، وبعبارة أخرى فمحاسبة الحاكم في الإسلام هي حراسة للدين من الضياع، ومنع لتفشي الظلم والفساد، تهدف إلى مواجهة انحراف الحكومة، فهي أداة لتقوية الحاكم في حسن الرعاية وترشيد حكمه إلى ما فيه الصلاح للبلاد والعباد، وليس لفضحه أمام الناس بهدف إضعافه وإسقاطه، فشتان بين الأمرين.

 

وكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاسبة الحاكم حقًا سياسيًا للمسلمين، وواجباً شرعياً عليهم، فهذا يضمن تطبيق الإسلام تطبيقاً كاملاً وصحيحاً، ويضمن إقامة العدل وتحقيق الطمأنينة للناس، وذلك مصداقاً لقوله تعالى: "الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ"، وبذلك يقدم النظام السياسي الإسلامي تجسيداً حقيقياً للمشاركة السياسية، والحقوق السياسية للأفراد في هذا النظام.

 

وأمر آخر نود لفت النظر إليه، وهو لا يقل أهمية عما سبق، وهي قضية الشورى بين الحاكم والرعية، فقد أكد الشارع على موضوع الشورى، وجعله حقاً للرعية على الحاكم، وما كان أحد أكثر مشورة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، فبالتشاور تنجلي الأمور وتتبلور، ويُضاء الطريق ويتبين الدرب الذي يراد السير فيه، ومجلس الأمة في دولة الخلافة من أوجب واجباته مشاورة الحاكم وإبداء النصح له، فيكون على بينة من أمره، ويحسن في رعاية شؤون الناس، فأين النظام الديمقراطي من هذا الحكم العظيم؟ حيث تتلقف المعارضة سقطات الحاكم للهجوم عليه، وهي ليست معنية بنجاحه، بل تريد فشله لتحل محله، وهي لا يمكن أن تبدي له النصيحة المخلصة ليحسن رعاية الشؤون، فهذا مخالف لسبب وجودها، فهي ليست موجودة لمساعدته بل لمهاجمته، ولا تكترث إن ضاعت مصالح الناس بين ذلك.

 

وإذا أردنا تلخيص الفرق بين المحاسبة والشورى في نظام الإسلام والمعارضة في النظام الديمقراطي نقول: إن المحاسبة والشورى في الإسلام هي من أجل إنجاح الحاكم في رعاية شؤون الناس أفضل رعاية، والمعارضة في الديمقراطية هي من أجل إفشال الحاكم في هذه الرعاية وإسقاطه.

 

وليس أدل على صحة ما نقول من الصراع الحاصل هذه الأيام في الولايات المتحدة بين الرئيس الديمقراطي والمعارضة في الكونجرس من الجمهوريين، فمنذ سنة والرئيس يفشل في إقرار ميزانية للولايات المتحدة بسبب اعتراض الغالبية الجمهورية في الكونجرس وتمنعها، ما أوصل الولايات المتحدة إلى هاوية الإفلاس، بكل ما لذلك من تبعات ومصائب على الاقتصاد العالمي جراء تحكم الدولار فيه، وكل ما استطاعوا الاتفاق عليه هو تأجيل إعلان الإفلاس لبضعة أشهر، وهذا التحجر في المواقف سببه خشية الجمهوريين من فقدان جزء من قاعدتهم الانتخابية، وعزمهم قبل كل شيء على إفشال سياسات الرئيس الديمقراطي الاقتصادية ومعالجاته، وإظهار هذا الفشل للناس، لرفع فرص فوز حزبهم الجمهوري في انتخابات الكونجرس وانتخابات الرئاسة المقبلة، حتى إذا كان هذا على حساب مصالح الشعب الأمريكي وإنعاشه اقتصادياً وإيجاد فرص عمل له.

 

وهذه المعارضة من أجل أجندات خاصة ومصالح حزبية ضيقة على حساب مصلحة الشعب هي خيانة وفسق، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن ذلك بقوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ".

 

ثم إن الاتهامات المتبادلة بين الحكام والمعارضة في حال عدم الاتفاق، والتلفيق ولي الكلام من كلا الطرفين لعدم تحمل مسؤولية الفشل كما هو مشاهد الآن في الولايات المتحدة هو كذب وقول للزور، وقد نهى سبحانه وتعالى عن هذا بقوله: "وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور"، ونهى عن التلفيق وكتمان الحق بقوله: "لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ".

 

إذن فالإسلام يرفض فكرة المعارضة من أجل المعارضة، وهي تقوم على مرتكزات تخالف الشرع.

 

ومن هذا كله يتبين أن محاسبة الحاكم في الدولة الإسلامية هي جزء أصيل من نظام الحكم في الإسلام، يقوم به الأفراد والجماعات والأحزاب الإسلامية في الدولة. وهذا الذي يجعل الدولة تسير في تطبيقها للإسلام في الاتجاه الصحيح إذ وراءها أمة واعية على حقوقها تحاسب الدولة إن هي قصرت في تطبيق الإسلام أو ظلمت أو تجبرت أو خرجت عن الخط المستقيم الذي رسمه لها الإسلام.

 

فإلى إقامة هذا النظام السياسي الفريد في ظل دولة الخلافة الإسلامية ندعوكم أيها المسلمون!

 

 


شريف زايد
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية مصر

 

إقرأ المزيد...
الاشتراك في هذه خدمة RSS

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع